أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل يمكن للسوريين تجاوز مأزق الدولة الفاشلة؟

حرب ضارية متعددة الأشكال والأوجه تلك التي شنها النظام السوري على شعبه؛ حيث تسببت آلته العسكرية بتدمير على مستوى واسع بدا وكأنه عمل ممنهج؛ كما أدت لاستشهاد وجرح مئات الآلاف وتشريد وتهجير الملايين في مخيمات اللجوء ودول النزوح؛ في أزمة لم تشهدها البلاد عبر تاريخها الطويل.

لا يمكن إخفاء مظاهر الكارثة ولا التستر عليها فهي واضحة لا تحتاج لدليل؛ لكن الحجم الحقيقي لم يتم رصده وقياسه بدقة ومن ثم الإعلان عنه من جهة دولية موثوقة؛ ومعروف أن منظمة الأمم المتحدة توقفت عن متابعة رصد وتوثيق أعداد الشهداء عندما تجاوز العدد مائة ألف شهيد وكأن باقي الشهداء باتوا مجرد أرقام لا قيمة لهم ولا ضرورة لتوثيقهم.

هنالك هيئات ومنظمات دولية أو خاصة تطلق مؤشرات مختلفة باستمرار لتحديد وقياس فاعلية الدول ومدى اندماجها في المجتمع الدولي ونشاطاته وفق معايير معينة ويتم ترتيب الدول بعد ذلك على سلم خاص وفق المؤشر.

يطلق مصطلح الدولة الفاشلة على الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها والتي تفقد السيطرة الفعلية على أراضيها وفرض الأمن عليها؛ كما تفقد شرعيتها وهيبتها في اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، وتعجز عن توفير الحد المقبول من الخدمات العامة؛ ورعاية مصالح المواطنين بشكل متساوٍ دون تمييز؛ ويضعف اندماجها في الأسرة الدولية بسبب تآكل شرعيتها.

بدأ العمل على هذا المؤشر اعتبارا من العام 2005 بالتعاون بين مجلة foreign policy الأمريكية ومعهد السلام حيث يتم ترتيب أبرز 60 دولة فاشلة؛ ويتم التقييم استنادا إلى 12 عاملا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ومن ثم جمع البيانات المتعلقة بها بشكل رئيسي من وسائل الإعلام المختلفة.
تركز عوامل تقييم الدول على الضغوط الديمغرافية واللاجئين والتطلعات الاجتماعية للسكان والتنمية المتفاوتة والتدهور والعجز الاقتصادي والتدني الخطير لمستوى الخدمات العامة وتراجع حقوق الإنسان مع سطوة مطلقة لأجهزة الأمن واستمرار التهديدات الأمنية والتدخلات الخارجية في البلاد.

ضمن قائمة العشرين دولة الأكثر فشلا لعام 2013 جاءت الدول العربية بالمراتب التالية: 1- الصومال؛ 3 -السودان؛ 6- اليمن؛ 11- العراق وفيما استمر الصومال يتبوأ رأس القائمة للسنوات الخمس الأخيرة بشكل متواصل ويمكن إضافة ذلك لسلسلة الإخفاقات التي لا يزال الصومال يتفوق بها على دول العالم في كافة المؤشرات السلبية للأسف.

في العام 2005 وبسبب حادثة اغتيال رفيق الحريري وإخراج القوات السورية من لبنان بقرار دولي بسبب ذلك وتوقع تهديد محتمل على البلاد فقد احتلت سورية المرتبة 29 على مؤشر الدول الفاشلة؛ لكن ترتيبها سرعان ما تحسن بعد الانفراج في العلاقات الدولية عبر البوابة القطرية الفرنسية ووصل الترتيب لـ40 عام 2007 ومن ثم ارتفع الترتيب إلى 48 في العام 2010 وهو العام الذي سبق الثورة الشعبية ضد النظام بعام.
تقدمت سوريا عام 2012 للمرتبة 23 واستمرت في التقدم أكثر للمرتبة 21 على سلم الدول الفاشلة في العام 2013 وبذلك أصبحت في المرتبة الخامسة عربيا.

بالطبع هنالك جدل واسع حول مستوى الرقابة الضرورية واللازمة لتصنيف الدول الفاشلة ومدى الحيادية والصدق والمهنية في ذلك وخاصة أنها تعتمد على وسائل الإعلام بشكل واسع في عملها وكمصادر لمعلوماتها. 

شن بعض المفكرين حملة واسعة على ازدواجية المعايير التي يتم اتباعها والتعاطي مع دول العالم الثالث وفقها من قبل الهيئات والمنظمات التابعة للغرب وفي هذا الإطار شن نعوم تشومسكي حملة واسعة على الولايات المتحدة وأطلق عليها اسم الدولة الفاشلة، وهو يقارن بين سياسة الحكومة الأمريكية وسياسات الدول والجماعات التي تعاديها أمريكا مثلما كان الحال مع العراق وكما لا يزال مع حركة حماس؛ ويقرر تشومسكي أن أميركا تمارس نفس السياسات التي تهاجم تلك الدول والجماعات على أساسها وهي تشكل تهديدا وخطرا على السلم والأمن الدوليين عبر نزعتها العدوانية المستمرة والخروج على القانون الدولي عبر تنفيذ سياساتها الخاصة وبقاء أخطار التهديد النووي موجودة من قبلها.

وبرغم كل الجدل المترتب حيال إعلان دولة ما فاشلة إلا أن ذلك يحمل في طياته دلائل خطيرة وعواقب سياسية ومستقبلية على الدولة من حيث طريقة تعاطي وتعامل الدول والمنظمات الدولية معها في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية والتنموية.

لو حاولنا تطبيق مؤشر الدولة الفاشلة على سوريا لوجدنا أن الحالة السورية باتت حالة نموذجية معبرة عن المؤشر في أسوأ احتمالاته وبات من المتوقع أن تتقدم سوريا إلى الأمام على سلم المؤشر عند اعلان نتائج عام 2014.

إضافة إلى الضغوط الديموغرافية وأوضاع اللاجئين نجد التدهور والعجز الاقتصادي وتدني مستوى الخدمات العامة لا بل انعدامها في مناطق كثيرة وعدم سيطرة الحكومة المركزية على أجزاء واسعة من البلاد، إضافة لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وسيطرة أجهزة الأمن والجيش على مقاليد البلاد والتمييز بين المواطنين على أساس حزبي وطائفي واستدعاء التدخل الخارجي في البلاد على أوسع نطاق؛ كل ذلك يشكل حالة غريبة من التوافق والانطباق مع عوامل المؤشر.

تدور تساؤلات حول عدم إيراد سوريا ضمن قائمة الدول العشرين الفاشلة لعام 2013 ففي حين يرى البعض أن ذلك يعود لعوامل موضوعية منطقية متعلقة بالمؤشر نفسه؛ إلا أن بعض الباحثين يعتقدون بتسييس الموضوع عبر وضع سوريا على حافة إعلانها دولة فاشلة وهذا يشكل رسالة تحذير وتهديد سياسية للنظام ويترك الباب مواربا ربما أمام تصحيح أوضاعه والتطبيع معه كما حدث بعد العام 2005 من خلال حل أو تسوية سياسية كما طرح في مؤتمر جنيف2.

من المتوقع أن يكون وضع وترتيب سوريا في سلم الدول الفاشلة دليلا على طريقة التعاطي الدولي معها مستقبلا، وفي حال وضعها في قائمة الدول العشرين سيكون ذلك نذير شؤم على البلاد ككل وليس على النظام فحسب، وربما سيشير ذلك لموجة قادمة من الفوضى والخراب وعدم تبلور أي حل سياسي قريب، فمن الواضح أن قائمة الدول العشرين الأكثر فشلا شبه ثابتة ولا تتغير منذ سنوات.
الغريب في الموضوع أن سوريا كانت تحصد مراتب متقدمة في مؤشرات عديدة كمؤشر التنافسية على سبيل المثال، مستفيدة في ذلك من منظومتها الأمنية الرهيبة التي كانت تفرض حالة من الاستقرار المخادع وتظهر عوامل متقدمة للأمان وانعدام الإرهاب في البلاد لا بل في المرتبة الأولى عالميا.

بالنتيجة فإن الموضوع ليس مجرد تصنيف في لائحة الدول الفاشلة فحسب، بل يحمل أبعادا سياسية واقتصادية، والأهم أنه سيعطي انطباعا عن مسار الأمور في سوريا ومستقبل الثورة السورية. وبلا شك فالمأزق خطير ومن الصعوبة الخروج منه بسهولة؛ لأنه يبدأ من خلال حل وطني يضمن حقوق السوريين في الحرية والكرامة عبر إسقاط النظام بكافة مكوناته ومرتكزاته وإقامة دولة العدالة والقانون وتحقيق حالة من الاستقرار الأمني وإبعاد التدخلات الخارجية؛ وفي الوقت الحالي لا يظهر أفق واضح لإمكانية تحقيق ذلك في القريب المنظور ولكن السوري لا يزال مستمرا بحلمه وثورته رغم كل شيء لتجاوز مستنقع الدول الفاشلة إلى سلم الدول المتقدمة.

(100)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي