في مشفى "عاقلة" بمدينة عمان الأردنية وبعد رحلة مريرة مع الألم رحلت يوم أمس الناشطة "ألمى شحود" التي تحولت إلى أيقونة من أيقونات الثورة السورية، ولقبها الثوار بالحرة لنشاطها الكبير في مجال الطبابة والإسعاف والإغاثة لترتقي روحها مع أرواح شهداء الحرية والكرامة، وروى ناشطون قصصاً أقرب إلى الخيال عن شجاعتها وتفانيها في خدمة الثورة السورية. فأثناء تحرير الغوطة لبت الحرة " ألمى شحود" نداء الواجب لإنقاذ الجرحى نتيجة غارة جوية على أحد مشافي الغوطة الشرقية، فانطلقت بسيارتها ومرافقها إلى مكان القصف وأثناء سيرها إلى مكان القصف انقلبت بها السيارة فأصيبت في نخاعها الشوكي وبسبب قلة المعدات الطبية تم تهريبها إلى مستشفى المواساة في دمشق وعندما وصلت إلى المشفى اكتشف الأمن السوري هويتها تم حقنها بجرعة زائدة من المخدر لمدة 60 يوماً مما أدى إلى تقرح جسدها وإصابتها بإدمان، وكانت "الحرة" حينئذ حاملاً بجنينها الذي ولدته داخل المستشفى وقام الأمن السوري باحتجاز طفلها الوليد وبعدها قام الثوار بتهريبها من خلال دفع رشوة لأحد عناصر الأمن الموكلين بحراستها وتم نقلها إلى الغوطة حيث بقيت حوالي الشهر والنصف في إحدى المشافي الميدانية ولكن حالتها تدهورت ولم يكن أمام الثوار إلا إرسالها إلى الأردن، وهو الأمر الذي كانت ترفضه "الحرة" باستمرار، وكانت تأمل بأن تمضي أواخر حياتها في الغوطة وأثناء نقلها إلى الأردن حدثت معها قصة أغرب من الخيال حيث تركها الثوار مع اثنين من المرافقين فاضطر أحدهما لتركها والذهاب إلى شرطة الحدود لاستدعاء سيارة إسعاف وعندما تأخر الوقت ولم يحضر المرافق ذهب المرافق الآخر للبحث عن صديقه وبسبب عتمة الصحراء أضاع المرافقان "الحرة" ولم يعثرا عليها إلا مع بزوغ ساعات اليوم التالي وبمساعدة شرطة الحدود الأردنية واستغرب المرافقان كيف حافظت "الحرة" على حياتها فالبلغم الموجود في حلقها يحتاج إلى إزالة بواسطة جهاز وإلا تعرضت للاختناق بسببه وهي كانت في حالة شلل تمنعها من تحريك يدها وأرادت مشيئة الله أن تموت "الحرة" ألمى شحود على فراش المرض في أحد مستشفيات عمان، وروت "الحرة" بعد إسعافها إنها (كانت تسمع أصوات الحيوانات المفترسة ولكنها كانت تقرأ القرآن آنذاك لكي تتجمل بالصبر منتظرة فرج الله القريب)، على حد قولها.
ويروي الناشط محمود صدقة الذي ساعدها في الحصول على ورقة المفوضية –كما قال- إن الشهيدة الحرة أمضت في مستشفى عاقلة حوالي تسعة أشهر تحت العلاج ولكن المخدر الذي كان يُعطى لها تسبب بإماتة الكثير من مرممات الجروح مما سبب لها حالة من فتح دائم للجروح وأصيبت بشلل نصفي، وكثيراً ما كانت تطلب من زوارها إعادتها إلى الغوطة لتموت هناك ولم يستطع أطباؤها تقديم العون لها بسبب تدهور حالتها الصحية وأعلن طبيبها المسؤول عن وفاتها أمس وتم دفنها في أحد مقابر عمان لتطوى صفحة مشرفة من صفحات الثورة السورية.
ونعى رئيس الائتلاف الوطني السابق معاذ الخطيب الشهيدة "الحرة" قائلاً: هذه إحدى عظيمات الثورة السورية في غوطة دمشق، وقصتها أعجب من أن تصدقها العقول، ولم يبقَ نوع من العذاب لم تتعرض له، وبقيت صامدة، إلى أن أنهكها الحقن الشديد بالمخدرات على يد الأمن المتوحش الفاجر، ونجت بصعوبة بعد عدة محاولات شديدة الخطر، ويضيف الخطيب بلغة مؤثرة: "كثيرون ساعدتهم، وكثيرون أعانوها، وكثيرون أهملوها، وأخيراً مضت إلى بارئها تشكو إليه توحش البشر وضياع الضمير، وقد عاشت حرة وماتت بعزة نفس تغيظ العدا، كنت في أمان الله أختاه ستظلين علم الحق الذي تتقاصر دونه الهامات".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية