هل هي مجرد مصادفة فحسب أن يتم اعلان فوز السيسي بانتخابات الرئاسة في مصر بشكل ساحق كما وصف ذلك أنصاره في الوقت الذي كانت تجري فيه انتخابات الرئاسة في سوريا.
قبل ذلك جرت الانتخابات البرلمانية العراقية التي أعطت المالكي فوزا قد لا يتيح له تشكيل حكومة مرة أخرى ما لم يحظَ بتوافق الكتل الكردية والسنية معه التي هي أيضا لن تستطيع تجاوز المالكي وحلفاءه من الكتل الشيعية. ويبدو أن العراق تحول لبلد منهك سياسيا وبات محكوما تماما بلعبة التوازنات السياسية الطائفية ولن يستطيع التخلص منها بسهولة.
الأغرب كانت انتخابات الكرسي المتحرك الجزائرية التي كرّست عبد العزيز بوتفليقة العجوز المنهك صحيا لدرجة لا تسمح بالوقوف والتحدث أمام ناخبيه سوى عبر "سكايب" ومن ثم الحضور للتصويت على كرسي متحرك بعد إعطائه جرعات علاجية قوية ليبدو في أفضل لحظات تماسكه أمام الجمهور ومع ذلك بدا المشهد أقرب للكوميديا السوداء.
منذ إسقاط نظام القذافي لا تزال ليبيا تعاني باستمرار من أزمة سياسية وعدم توفر الأمن والاستقرار، ولم تتبلور قيادة تستطيع الإمساك بيد من حديد مقاليد الأمور، ولم تنجح عدة محاولات لفرض قيادة عسكرية على البلاد عبر انقلاب على السلطة الهشة القائمة وكان آخرها محاولة "حفتر" المدعومة حارجيا.
مجريات الأحداث السياسية في لبنان ومساراتها كالعادة تبقى هي المحدد لتوجهات السياسة الإقليمية في المنطقة وتعكس التحولات في مواقف دولها المرتبطة بالصراعات الدولية؛ وفي هذا الإطار يمكن فهم الفشل في انتخاب رئيس جديد للبنان الأمر الذي تكرر منذ بدء الأزمة اللبنانية، حيث لم يستطع مجلس النواب اللبناني انتخاب رئيس قوي للبلاد وبات محسوما لدى اللبنانين أن رئيسهم يتم انتخابه، لا بل تعيينه في الخارج عبر توافق القوى الإقليمية والفاعلة في الساحة اللبنانية؛ ومن هنا يبدو أن حل مأزق الرئاسة اللبنانية الحالي سيؤشر لمدخل في حلحلة الملفات المعقدة والمتشابكة في المنطقة وسيبقى اللبنانيون محكومين بذلك على ما يبدو.
رغم أن اليمن أنهى مؤتمر الحوار الوطني بعد طول عناء وتم إعلان خارطة الطريق للمسار السياسي، إلا أن الاستقرار لا يزال بعيدا في البلاد مع ازدياد أخطار القاعدة والحوثيين من جهة والانفصاليين في الجنوب من جهة أخرى وتبقى البلاد معرضة لكل الأخطار والاحتمالات.
هو صيف انتخابي حارق إذن تعيشه العديد من البلاد العربية وعلى ضوء نتائجه سيتم تحديد ورسم الخارطة السياسية الجديدة للمنطقة العربية.
الأهم في الموضوع بلا شك فوز السيسي برئاسة مصر في ظل مقاطعة شعبية واضحة للانتخابات؛ وهل سيستطيع فرض الأمن في البلاد وتجاوز المقاطعة الداخلية الواسعة لحكمه مستندا لدعم خليجي واسع ومباشر بقيادة السعودية والإمارات؛ ولو استطاع تحقيق ذلك فربما سيشجع على تكرار التجربة في بلاد أخرى كليبيا واليمن.
انتخابات رئاسة الدم في سوريا لم يراهن أحد على إمكانية إجرائها وكانت التكهنات تصب جميعها في خانة عدم استمرار بشار الأسد بالرئاسة وفي أحسن الأحوال الاتفاق على التمديد له عامين لا أكثر كرئيس بصلاحيات محدودة في إطار حل سياسي يتم وفقه تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات واسعة.
يبدو من المشروع التساؤل عن مصير الضمانات التي قدمتها الدول الصديقة للائتلاف في سبيل دفعه للمشاركة في جنيف2 مع النظام وجها لوجه لأول مرة الأمر الذي لم ينتج عنه شيء على الإطلاق مع تعنت النظام وعدم قبوله حتى الدخول في نقاش مخرجات جنيف1. ويبدو أن قوة ومصداقية الائتلاف في صفوف المعارضة ستتعرض لمواجهة قاسية.
مواقف الدول الصديقة للثورة استنكرت إجراء الانتخابات في سوريا في ظل الظروف السائدة ولكن تلك الانتقادات بقيت في الإطار السياسي، ولم تترافق بإجراءات دعم حقيقي وبأسلحة نوعية تحديدا كما تم تقديم الوعود بها مرارا.
صورة الربيع العربي بعد كل ما سبق عرضه لا تبدو زاهية كما يبدو؛ فلم يتم تقديم نموذج مقبول ومستقر عن حلم الربيع العربي سوى في تونس التي انطلق الربيع العربي منها.
صورة الانتخابات الهزلية في سوريا لم تكن يوما تهم السوريين ولا الآخرين بشيء كونها محسومة النتائج لصالح نظام الأسد، ولا تمت للعملية الديمقراطية بصلة؛ لكن هذه المرة الوضع مختلف تماما؛ ففي حال نجاح الأسد بالاستمرار في الحكم لمدة أطول وتحول ميزان القوى لصالحه مع تراجع مستمر للمعارضة السياسية وضعف في الحاضنة الشعبية للثورة وانقلابها لصالح النظام عبر مواقف رجال دين سنة مؤيدة للنظام وعبر مصالحات وهدن مستمرة في العديد من المناطق بدأ يستثمرها النظام لصالحه وخاصة ما حدث في حمص القديمة مؤخرا؛ كل ذلك ربما يجعل الدول تعيد حساباتها وتعود للتعامل مع النظام من جديد ويبدو أن مؤشرات التهدئة مع النظام دليل على ذلك وعندها يتم طرح خيار الحل السياسي من جديد عبر تشكيل حكومة وحدة أو مصالحة وطنية بوجود الأسد ومشاركة معارضين من تيار ثالث بدأ العمل على تشكيلهم فعلا وبدأت اجتماعاتهم تتوالى وبعضها يجري سرا بمباركة غربية وأمريكية لافتة.
مخاوف حقيقية تتهدد الثورة السورية ومصيرها بلا شك وقد باتت خارج سيطرة السوريين وقرارهم وباتت مرهونة بالتوافقات والمصالح الدولية بين اللاعبين الكبار في العالم وانعكاس ذلك على الملفات الإقليمية؛ فمن الواضح إن تم توقيع التفاهم النووي مع إيران مقابل مصالح تم تقديمها لإيران في المنطقة ويخشى أن يكون ذلك على حساب الثورة والشعب السوري.
لعبة الانتخابات العربية مستمرة هذا الصيف وربما سيكون اسم الرئيس اللبناني الذي سيتم الاتفاق عليه في النهاية مؤشرا لكيفية اتجاه الأمور في سوريا والمنطقة؛ ولكن حتى الآن لا تبدو احتمالات حدوث مواجهة حادة وكسر عظام قائمة أو محتملة في إنتخابات رئاسة لبنان ويبدو أنه لا بديل عن التوافق ورئيس ضعيف.
السيسي الذي بات رئيسا منتخبا وطريقة أدائه وإمكانية نجاحه واسم الرئيس اللبناني القادم هما اللذان سيرسمان مستقبل بشار الأسد وهل سيستمر في الحكم ويعاد التطبيع معه كرئيس شرعي للبلاد؛ هذا في حال لم يستطع الثوار تحقيق مكاسب على الأرض تغير ميزان القوى لصالحهم وفي كل الأحوال يبدو أن صيف الانتخابات الساخن سيقرر مصير الربيع العربي.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية