الشهيد مصطفى النكدلي أو "الرمح" كما آثر رفاقه من ثوار الغوطة الشرقية على تسميته، شاب حمصي حقق بطولات محلية وعربية وعالمية في رياضة المصارعة قبل أن يلتحق بصفوف الثوار ليسطر باستشهاده صفحة ناصعة في البطولة والفداء.
كان مصطفى طفلاً صغيراً عندما بدأ يرى الصور المعلقة للبطولات التي أحرزها والده وأعمامه باعتبارهم أبطالاً قدامى في لعبة المصارعة، فأحب هذه اللعبة من خلال انبهاره بمشاهدة صورها كما يقول والده -بطل سوريا في المصارعة مطيع النكدلي- مضيفاً: كان مصطفى يلحّ علي أن آخذه إلى النادي وفعلاً أخذته ودربته مع حوالي عشرين طفلاً شاركت بهم في العديد من البطولات العربية والعالمية ومنها بطولة الطفل العربي في إيران كما شارك في بطولة أخرى من دون أن أكون معه ونال الميدالية البرونزية، وفي السنة التالية كنت معه ونال الميدالية الفضية ولم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره، وتابع تمرينه فيما بعد ووصل إلى مرحلة البطولات العربية والعالمية وأحرز الميدالية الذهبية في بطولة العرب والفضية في بطولة العالم العسكرية والبرونزية في بطولة البحر الأبيض المتوسط وفي أكثر البطولات التي شارك محلياً وعربياً ودولياً.
باب الحارة !
وحول بداية التحاقه بالثورة السورية يقول والد الشهيد مصطفى:
كان مصطفى يخرج في المظاهرات السلمية منذ بداية الثورة، وفي أحد الأيام سمعنا أصوات تكبير من جامع الحي، فطلبت منه أن يذهب ليرى ما القصة وعندما عاد رأيت تغيراً في وجهه، فسألته ما بك فقال لي رأيت جثث أطفال مذبوحين بالسكاكين أتوا بهم من حي كرم الزيتون إلى الحي وكان هذا المشهد بمثابة تحول نوعي في حياته حيث كان يداوم في معسكر المنتخب السوري التابع للاتحاد العسكري فاختار الانشقاق والالتحاق بالثورة ليدافع عن المظلومين وكان له إسهامات في الإغاثة لأكثر من عام وبعد أن التحق بصفوف الثورة مجاهداً أطلق عليه ثوار الغوطة لقب "الرمح" لشجاعته وإقدامه، وأصيب مرات عدة.
وحول كيفية استشهاد ابنه يضيف مطيع النكدلي: عندما أراد الثوار تحرير الغوطة استلم قيادة إحدى المجموعات وكان مع اثنين من رفاقه أحدهما يدعى معاوية والآخر يدعى الزيز يحاولان اقتحام ما يُعرف بباب الحارة وهي بوابة استوديوهات المسلسل المعروف على طريق المطار التي كان تحت سيطرة النظام، فأطلقت دبابة نيرانها عليهم فاستشهد مع رفيقيه لأنهم كانوا أول من حاول اقتحام المنطقة، وفي صورة استشهاده التي وصلتني بدت كل إصاباته من الأمام في صدره ورقبته ووجهه فكان مقبلاً غير مدبر والحمد لله.
وحول صفات الشهيد مصطفى النكدلي كرياضي وابن يقول النكدلي الأب: كان هادىء الطبع قليل الكلام، لكنه شرس فيما إذا قلل أحد من شأنه وفي هذا السياق أذكر أنه في إحدى المرات كان يلعب في بطولة الجيوش العربية وكان رئيس الأركان السوري "علي حبيب" مع عدد من كبار الضباط حاضرين في البطولة وكان ابني مجرد عسكري مجند، وأثناء المباراة لم تُحسب له بعض النقاط، فاعترض على ذلك وطلبوا منه مسؤولوه أن يمرر الأمر أمام رئيس الأركان، ولكنه قام بسب رئيس الأركان والضباط من حوله فتم اعتقاله وسجنه تحت الأرض لمدة أربعين يوماً واستطعت بصعوبة أن أخرجه.
النظام أجبر الرياضيين على حمل السلاح !
وحول رأيه بلجوء الرياضيين إلى حمل السلاح ومنهم ابنه الشهيد، وهل هو مع هذه الخطوة يقول البطل السابق مطيع النكدلي:
هناك جانب لا يعرفه الكثيرون عن الرياضيين من ملاكمين أو مصارعين فهم قد يُدمون بعضهم على الحلبة ويُظهرون شراسة قاسية على بساط اللعبة، وبعد ثوان وبانتهاء الماتش تراهم يُقبلون على مصافحة وتقبيل بعضهم البعض، وفي المساء يسهرون مع بعضهم البعض وكأن شيئاً لم يحدث، والكثير من الناس لديها انطباع خاطىء عن أبطال الألعاب وخاصة العنيفة منها أنهم شرسون في حياتهم اليومية مثلما هم في ميدان الرياضة ولا يعرفون أن الرياضيين قلوبهم طيبة وأريحيون في التعامل، ولكن إجرام النظام السوري أجبر حتى الرياضيين على اللجوء إلى السلاح.
ويضيف النكدلي: من خلال تجربتي الرياضية التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً لم أرَ رياضياً واحداً يحمل قطعة سلاح حتى ولو كانت سكيناً صغيرة، ولكنه أرغمهم على حمل السلاح للدفاع عن كرامتهم ودينهم وعرضهم، لتقدم الرياضة السورية الكثير من الشهداء مثل غيرها من المجالات الأخرى.
وأردف: أنا وجهت نداءاً لكل الرياضيين الذين حملوا السلاح ان يقوموا بتسليمه فور سقوط النظام ويعودوا إلى ميادين الرياضة فنحن لسنا من هواة سلاح ولا هواة قتل.
شبيحة رياضيون !
وعن موقف الاتحاد الرياضي التابع للنظام من استشهاد العديد من أبطال لعبة المصارعة يقول النكدلي:
الاتحاد الرياضي لم يبالِ بالرياضيين ولم يهمه أمرهم في يوم من الأيام، فالقيّمون على هذا الاتحاد مجموعة من المستفيدين، وهم وكل الذين لا زالوا يلعبون باسم النظام هم "شبيحة" رياضيون، سيأتي اليوم الذي سيحاسبون فيه، ومن المعروف أن المناصب سواء في الرياضة أو غيرها لا تعطى إلا لمن كان موالياً للنظام قلباً وقالباً فهم موالون لا يهمهم إن اعتقل رياضي أو عُذّب أو استشهد، علماً أن هناك الكثير من الرياضيين معتقلون، واستشهد منهم الكثيرون وهناك مصابون ومرضى أصبحت لديهم إعاقات من التعذيب.
ويبدي مطيع النكدلي أسفه لتهميش الرياضيين السوريين في بلدان اللجوء من قبل الائتلاف مضيفاً: قمت بأول انشقاق رياضي جماعي مع عدد من زملائي الرياضيين، ولم يقم أحد من أعضاء الائتلاف السوري بالاتصال بنا أوسؤالنا عن حاجتنا أو ماالذي نريده رغم أننا على استعداد لتدريب الشبان وتقديم أبطال يرفعون علم الثورة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية