أثارت صفحة "التوحيديين الجدد" بما تبنته وأوردته في منشوراتها من دعم للحراك الثوري في محافظة السويداء وبشكل خاص حراك المشايخ الأخير وما صدر عنهم من بيانات، الكثير من الجدل والتساؤلات عند أهالي السويداء عامة وناشطيها خاصة والتي كانت معظمها، حسب ما تناقلته صفحاتهم الإعلامية وحواراتهم في مجالسهم، تدور حول من تمثل صفحة "التوحيديين الجدد"؟!
وهل تتبع لشريحة دينية استقلّت في مسارها الديني عن طائفة الموحدين الدروز؟ وما هو جديدهم المختلف؟ كما واختلفت آراء المعارضين حول تقييم هذه الصفحة وتحديد ماهيتها، والتي تعتبر إلى الآن مجهولة للكثيرين، فمنهم من نعتها بالطائفية سيما وأن معظم منشوراتها تقتصر على أخبار الطائفة الدرزية سواء في سوريا أو لبنان أو فلسطين. ومنهم من اعتبرها منبرا إعلاميا معنيا بالهم الوطني لا غير.
*إشكالية الاسم
أجرت "زمان الوصل" استطلاعا لآراء بعض معارضي وناشطي السويداء حول صفحة "التوحيديين الجدد". فمما لا شك فيه أن اسم صفحة "التوحيديين الجدد" أثار إشكالية في الوسط الاجتماعي بالسويداء، إذ إن الاسم الدال على الطائفة الدرزية هو الموحدون وليس التوحيديين، وعن هذا اللغط الحاصل حول اسم الصفحة ومضمونها تحدث لـ"زمان الوصل" السيد فاضل المنعم المختص بالقانون الدولي والعلاقات الدولية قائلا: إن إشكالية الاسم (التوحيديون الجدد) أثارت انتباهي منذ البداية وكتبت في هذا الموضوع، منوها بأن اسم الطائفة هو الموحدون وليس التوحيديين، وأن ثمة فرقا كبيرا في المعنى اللغوي بين موحد وتوحيدي. وأوضح السيد المنعم بأنه سبق وقدم تساؤلات للصفحة عن الوصف بـ(الجدد)، وما إذا كان يعني ذلك تجديد في الفكر الديني أو تفسير جديد له، أو أنها نظرة فلسفية جديدة للدين، فكانت إجابة الصفحة عليها غير مقنعة حسب تعبيره.
وأضاف المنعم بأن الصفحة أكدت تطابق المعنى بين التوحيد والموحد، وإن كلمة الجدد لا تعني أكثر من محاولاتهم توحيد الجهود على المستوى الوطني بين كل الأطياف الفكرية المعارضة والموالية، من أجل وقف نزيف الدم ومن هنا جاءت التسمية.
وأجاب السيد المنعم عن سؤالنا حول رأيه بمنشورات الصفحة، وما إذا كانت تمثل حراك فئة من مشايخ السويداء وعلى رأسهم الشيخ وحيد البلعوس، أوضح أن منشورات الصفحة تدين النظام بشدة وهي منحازة للتغيير في سوريا، وتدعم الثورة بصفتها سوريّة ديموقراطية بعيدة عن الإقصاء والاحتكار، دون أي تمييز على أساس ديني وطائفي، وأن هذه نقطة مضيئة للصفحة حسب رأيه، رغم أن الصفحة تنشر وبشكل خاص آراء وبيانات أبناء ما تسميهم بني معروف، وتهتم بأخبار طائفة الموحدين في سوريا ولبنان وفلسطين.
ويرى السيد فاضل أن هذا حق تمنحهم إياه حرية القول والكتابة طالما يحترمون الطوائف والأديان الأخرى ولا يتجاوزون عليها بالاتهام، كما وأكد بأنه لم يجد في هذه الصفحة أي دعوة لمشروع سياسي طائفي يدعو للانفصال ولكيانية سياسية خاصة، بل إنها تدافع بحمية عن الوحدة الوطنية، لذلك فهو ليس مع من يصفها بالطائفية، وإن اقتصر اهتمامها بأخبار الطائفة الدرزية.
وأوضح السيد المنعم رأيه فيما إذا كانت هذه الصفحة تمثل تيار مشايخ الكرامة قائلاً: رغم تفرد صفحة التوحيديين بنشر البيانات الصادرة عن المشايخ وخاصة البيان الأول للشيخ وحيد البلعوس الذي تلا حراكهم وتظاهراتهم، ونشرها بيانه الثاني بعد اجتماع المصالحة الذي تم بين مشيخة العقل ورئيس فرع الأمن العسكري في السويداء وفيق الناصر ونفي البلعوس حضور أي وفد يمثل تيارهم في هذا الاجتماع، إلا أن القيّمين على الصفحة نفوا بأكثر من مناسبة تمثيلهم لهذا التيار، وليس لدي أي سبب لعدم تصديقهم.
كما اختصر المعارض فايز القنطار إجاباته في هذا السياق قائلا: التسمية غير موفقة، فالمصطلح المتعارف عليه هو الموحدون، أما الجدد فتذكر مباشرة "بالمحافظين الجدد"، ويرى السيد القنطار بأن مضمون الصفحة غير طائفي، بل على العكس يجد القنطار أن طروحاتها متقدمة، وفيها عمق ورؤية دقيقة للأوضاع القائمة حاليا، كما ويعتبرها صوتا مختلفا عما عرف سابقا في الأوساط الدينية.
*ردة فعل على التدجين
وفي سؤال توجهنا به للمعارض فاضل الخطيب عن رأيه في هذه الصفحة، وما إذا كان يعتبرها تمثل شريحة من المجتمع موجودة على الأرض أجابنا:
ربما تعبّر هذه الصفحة عن ردة فعل فئة من مشايخ السويداء على تسييس النظام لغالبية رجال دين ومشيخة العقل تحديداً، أو على الأقل مسايرة مشيخة العقل لسياسة النظام وتدجينه، وربما يكونون مجرد صمام أمان لتنفيس الاحتقانات وتتلاعب به شخصيات ليست بريئة بالكامل، على كل حال، كان لابد من حدوث ردة فعل شديدة على ذلك التدجين الذي لحق بالجبل كطائفة أو أقلية يربط فيما بينها أكثر من روابط الدين. وأكد السيد الخطيب أنّه مع حدوث حركة إصلاحية تضع العلاقة بين مشيخة العقل والمجتمع على أسس جديدة وصحيحة، على أن تكون مستقلة عن أي سلطة حكومية أو عائلية، وأن تتخلص من مسخرة التوريث في مشيخة العقل. وتحدث السيد فاضل الخطيب عن مفهوم توريث المشيخة بسخرية قائلا "قد يرث رجل عباية أهله ومعاميل القهوة حتى لو كان يلبس الشورت ويطبخ النسكافيه"، وأوضح أن مفهوم التوريث في مسألة المكانة الدينية أمر يثير الاشمئزاز، لأن الموقع الديني يحتاج كفاءة دينية واجتماعية، وهذا ما لا تضمنه عملية التوريث، ناهيك عن عدم انسجامها مع جوهر العلاقة مع الله. ثم أورد الخطيب مثالا آخر أكثر حساسية يمس بشكل واضح مشيخة العقل في محافظة السويداء فيقول: رجل عديم الأخلاق يصبح شيخ عقل الطائفة خلال شهر (فقط مدة ترباية شواربه)، بينما رجل دين آخر يُشهَد له برقي أخلاقه وحسن سيرته وسلوكه وثقافته، يبقى هامشياً لأنه ليس من الأربع عائلات التي تحتكر مشيخة العقل.
وعند سؤالنا له عن رأيه بمنشورات الصفحة ردّ ساخرا:
كانت منشورات الحزب الشيوعي جميلة أيضاً، هكذا كنت أراها يوم كنت في الحزب، لكننا بحاجة إلى أكثر من هذا، وأخشى أن يكون ذلك بحاجة إلى تضحيات بطولية يحترق فيها بعض المندفعين بعفوية ومصداقية.
وأضاف الخطيب بأنه لا يُعرف عن أسماء القيّمين على صفحة التوحيديين الكثير وحسب رأيه فإن المجهول عن هذه الصفحة أكثر من المعلوم.
في حين رأى أبو مارسيل "ناشط من تجمع أحرار السويداء" في صفحة "التوحيديين الجدد" الكثير من الالتباسات، من حيث منشأ هذه الصفحة وتوقيت بدء عملها، وماهية الأشخاص الواقفين وراءها، حيث أكد الناشط أن الصفحة موجودة منذ مدة، ولكن اعتصام المشايخ، وما نتج عنه من مواقف وبيانات وتبني الصفحة لها قد لفت الانتباه لمنشوراتها وأعطاها حيزا من الاهتمام من قبل المتابعين، وأوضح أن خلاف الناشطين معها متعلق بالخط الطائفي الذي تتبناه ابتداء من اسم الصفحة وانتهاء بتوصيفها للأحداث والوقائع في الثورة السورية، في الوقت الذي يُعترَف لهم على حد تعبيره بقيمة العمل فيما يخص الأخبار الداخلية للمحافظة وبعض التحركات.
*طائفية من العلم إلى القلم
هناك الكثيرون ممن يعتبرون أي توجه ضيق كالتوجه المناطقي أو الطائفي هو خطاب غير مطلوب ويضر بالثورة، ومن هذه الاّراء ما صرح به الكاتب والمخرج المسرحي غسان الجباعي حيث اختصر إجابته لسؤالنا عن توجه هذه الصفحة قائلاً: هذه الصفحة طائفية من العلم للقلم. وأكد بأنه ضد أي تجاذب طائفي، وحسب رأيه بأن السوريين الآن بأمس الحاجة لرصّ الصفوف على أساس وطني.
أخذت "زمان الوصل" بعين الاعتبار مجمل ما طرح من أسئلة واستفسارات, وتمكنت عبر مصادرها الخاصة في السويداء من إجراء حوار مع القيّمين على صفحة "التوحيديين الجدد" مستكملة من خلال لقائها معهم بعض التساؤلات التي شكلت التباسا في أذهان الكثيرين.
فأكد القيّمون على هذه الصفحة بأنها تلتزم بنشر أخبار وأحوال بني معروف في كل مكان عموماً وفي جبل العرب خصوصاً، والعنوان فيه من التلاعب اللفظي المقصود "التوحيد لا التفريق" بدل الصيغة السائدة "الموحدون"، فالمقصود بهذا توحيد الكلمة ولمّ الشّمل أكثر من أي مسألة أخرى وفي هذا الوقت بالذات.
وعن الجدد أوضح مسؤولو الصفحة أنه اقتضى التمييز أن ندعى بالجدد فلا معنى للتوحيد بالمعنى المطروح هنا إلا اذا كان جديداً ومتجدداً، موضحين أن صدور صفحتهم كان بعد تحرك المشايخ في معسكر "العين" وقبيل تحركهم أمام مقام "عين الزمان"، وليس مصادفة أن تطال صفحتنا هذه الشريحة الفاعلة من المجتمع المعروفي، لكنها لا تدعي أنها تنطق باسمها، فقد رأوا مشايخ الكرامة ضرورة أن تبقى نشاطاتهم وتحركاتهم بلا راعٍ إعلامي –وهذا من حقهم- ولهذا تقوم الصفحة بتغطية إجراءاتهم ونشاطاتهم بشكل عام كما تغطي فعاليات موازية لغيرهم من المكونات الاجتماعية والفعاليات الأهلية في جبل الريان.
*منبر إعلامي وليست تنظيما
ومن حيث تمثيلهم لشريحة واقعية موجودة على الأرض تحدثوا قائلين: صفحتنا منبر إعلامي وليست تنظيما سياسيا أو مدنيا أو دينيا أو روحيا، ولا تسعى إلّا لنشر الحقيقة ذات الصلة باهتمامات وشؤون بني معروف ولا تدعي تمثيل أحد، وبأنها ليست طائفية على الإطلاق فهي تهتم بهذا المكون الاجتماعي المهمل من زاوية ارتباطهم النفسي والروحي والمجتمعي وتغطي نشاطات الناس وفعالياتهم بغض النظر عن مشاربهم وتنوع خطابهم.
وفي سؤالنا لهم عن حقيقة المصالحة التي تبناها رئيس فرع الأمن العسكري (وفيق الناصر) مع مشايخ السويداء والتي نفت صفحة "التوحيديين الجدد" مشاركة المشايخ الثائرين فيها أوضحوا هذه الالتباس قائلين:
المصالحة مسرحية أتقنها الأمن السوري وأجهزة السلطة بالعموم، حيث تم دعوة مشايخ السلطان (العقل ومشايخ آخرين) ممن يحركهم النظام إلى المركز الثقافي بالسويداء لإخراج المشهد إعلاميا وكأنه لم يحصل مكروه بالسويداء، وذلك رغم فيديو مظاهرة مشايخ الكرامة المسلحة والتي دعت صراحة لإسقاط العميد "وفيق ناصر"، الحقيقة يمتلك النظام أدوات فاعلة بالمحافظة تستطيع تسويق كل الفبركات والمسرحيات وحتى الشائعات، حتى ولو عَرف مطلقوها ومروجوها الحقيقة لكنهم يصدرونها لأنها تخدم مصالحهم وغفلتهم، وهذا أمر مباح في سلوك ضعاف النفوس وما أكثرهم.
وأكدوا أن بيانا كان قد صدر نفى فيه الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس مشاركته في المصالحة، ونشرته الصفحة في حينه كما ورد، مشيرين إلى أنهم علموا بأن العميد "ناصر" يرغب بمقابلة الشيخ "وحيد" لكن الأخير رفض وبقوة، بل هدد قائلاً بأن "زيارة العميد ناصر الى بلدة المزرعة ـبلدة الشيخ البلعوس ـ مرفوضة قطعاَ ولن تمر كما يشتهي" حسب ما وصلنا من بعض مريدي الشيخ المذكور، وهذا الحد الأدنى لمواجهة تلكؤ وتقاعس الأجهزة عن تنفيذ مطالب مشايخ الكرامة، التي وردت بالبيان المشار إليه سابقاً.
كما أكد القيّمون على هذه الصفحة نفيهم صفة الطائفية التي اتهمهم بها بعض متابعيها، معتبرين أن تناول صفحتهم أحوال مكون اجتماعي مثل الدروز ليس من باب الطائفيّة، بل تغطية إعلامية من قلب المكون ودون تورية أو تغليف، وكونهم لا يستهدفون أيّ مكون طائفي آخر بالسوء فصفحتهم ليست طائفية، بل يعتبرون هذا غنى وقبول بالآخر ورغبة بالعيش والتعايش والسلم الأهلي على أساس التنوع وحماية الحقوق للضعيف قبل القوي، وأكدوا بأنهم ينقلون الحدث بأمانة كما ويسعون لإيصال كل الآراء الحقيقية التي تجول في أروقة بني معروف.
*ضد الفتنة والتقسيم
واستقصت "زمان الوصل" رؤية القيّمين على صفحة "التوحيديين الجدد"، فيما يشاع عن سيناريو تقسيم قد يحدث في سوريا وعن حاضر ومستقبل السويداء في ظل الوضع السوري الراهن فأجابوا: ليس لصفحة فيسبوكية دور بوقف تقسيم بلد ما بالطبع، ولكن بعض ما يريده الأقوياء قد يتحقق، فالتاريخ يصنعه الأقوياء، ولهذا ندعو إلى قوة ومنعة بلدنا بأهله، ونحرص على وحدة التراب السوري كما أراد أجدادنا المجاهدون.
وأكدوا أن السويداء كانت ومازالت عصية على أن تكون ملكاً لأحد, وأنها نضحت وتنضح بالكثير تاريخياً وبشرياً، ولا يمكن لأي جهة ما مصادرة مسارات هذه المحافظة يوماً، ومثالهم هنا صوت مشايخ الكرامة الذي صدح في ساحات المحافظة لعتقها من صلف رمز من رموز الاستبداد والتآمر عليها ـ "العميد وفيق ناصر"ـ الذي طالما تدخّل بدهاء الماكر والخبيث لتأجيج نار الفتنة مع البدو الذي حرض بعضهم وزودهم بالمدد وشكل غطاء لممارسات الاختطاف وسرقة أرزاق ومواشي أهالي الجبل، كما ادعى الدفاع عن بلدة "خربا"، مثيراً الشائعات على الأرض للتهويل وتخويف الدروز من "النصرة" وجيرانهم "الحوارنة"، وهو صاحب القول المشهور في توجيهاته الرعناء الموجهة إلى الشباب المغرر بهم من الدفاع الوطني بالسويداء أثناء سوقهم ليهاجموا "الإرهاب" في سهل حوران: (هذه حوران مستباحة لكم برجالها ونسائها وأولادها وأرزاقها..). مما اضطر شيخ العقل يوسف جربوع إصدار فتوى رادعة فحواها (منع الاعتداء على أراضي الغير من الجوار فالذي يشارك بهذه الاعمال "مبعود"، والذي يُقتل بهذه المداهمات لن يصلى عليه..) الأمر الذي ساهم بدرء الفتنة وعودة الكثيرين عن هذا.
وأضافوا إن السويداء ساحة للتعقل والحوار والسلم والحمية ولها أدوار في بناء الوطن، وبنفس الوقت هي نار على أي معتدي...قد يختلف أبناؤها بالرأي -وهذا طبيعي- ولكنهم متحدون بوجه الاعتداءات، لا يفرقهم تنوع آرائهم ومشاربهم، فتاريخ الجبل حصانة مهمة لعدم التورط داخلياً، فضلاً عن غياب مصلحة الدروز بصراع طائفي بين السنّة والشّيعة، ما رشّح الجبل بسكانه لاحتضان الأمن والسلم الأهلي وهذا ما تجلى باستقبال الكثير من العائلات السورية المنكوبة والتي هربت وأطفالها من ويلات الحرب والقتل والتّدمير، ويرى القيّمون على هذه الصفحة أن السويداء وإذا ما تعرضت للاعتداء من المتطرفين أو غيرهم -هنا الأعداء كثر وغير محددين بصنف أو جهة– ستلتف المحافظة برمتها وبوقفة جسد واحد وبكل ساكنيها ضد أي معتدٍ.
سارة عبد الحي –السويداء –زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية