تحول السوريون إلى كائنات قاسية متوحشة ليس في قلوبهم ذرة رحمة أو شعور إنساني، هذا ما تحاول، على الأقل، الإيحاء به قناة (L.B.C) اللبنانية من خلال لقاء مع امرأة قيل إنها لاجئة سورية في لبنان بدت بكامل زينتها وهي تتحدث ببرودة أعصاب لا توصف كيف رمت ابنها في الحقل لأنها فشلت بإعالته، وتريد لنا أن نصدق هذه الرواية البعيدة عن المنطق رغم كل ما جرى ويجري للسوريين من مآسٍ وأحزان وفواجع.
اللاجئة السورية آمنة الفضل التي بدت في منتصف الثلاثينات من عمرها ردت على سؤال المذيع "مالك مكتبي" في حلقة من برنامجه (أحمر بالخط العريض) ماذا جرى معك حين فقدت السيطرة فقالت: (تخليت عن ابني) وعندما سألها: (كيف يعني تخليتي عن ابنك) أجابت (رميتو بالحقل) مضيفة أن الحادثة جرت منذ شهر وحينما استوضح المذيع عما جرى لها قالت وهي تتصنع الحزن ولكنها تبدو وكأنها مشرفة على الضحك إنها ذهبت إلى منظمة دولية كانت مسجلة فيها على أمل أن يعطوها مساعدة وكان معها ابنها الصغير الذي لم يتجاوز الشهر الأول من عمره فقال لها موظفو المنظمة إنهم أوقفوا المشروع (دون أن تذكر ما هو هذا المشروع)، وهنا يستدرك المذيع وكأنه استفاق من نومه لتوه: يعني أنت لاجئة سورية، وبارتباك واضح تعيد كلامها (رحت لعندهم وع الباب قالولي ما بيصير تفوتي احكي اللي بدكياه من برة قلتلهم اني مسجلة بالمنظمة من أكثر من شهرين ولهلق ما عطيتوني خبر وكل اللي سجلوا معي وبعدي وقبلي أخذوا واستفادوا إلا أنا، وتضيف (وأنا طالعة من عندهم كنت عم ابكي وحاطة أملي بالله وبهالمنظمة تساعدني، كان ابني بحضني تطلعت فيه وكان هوي عم يبكي ما كان عندو حفاظات وحليب).
وتردف بافتعال واضح: خاطبت طفلي -الذي لم يتجاوز الشهر-: (حبيبي أنا ما فيني جبلك اللي بدك ياه سامحني أنا بدي أرميك والله يبعتلك ناس تحن عليك أكثر مني).
وتضيف: (كان نايم بحضني بوّستو وحطيتو ع الأرض وغطيتو ومشيت وكنت عم أبكي وما عم التفت لورى مشان ما شوفو) وعندما سألها المذيع مكتبي: أي أرض ووين، قالت له مقابل المنظمة الدولية (كان في حقل حطيتو ع الأرض ومشيت.
وتضيف: (كنت متضايقة كتير إني رميتو بس بنفس الوقت مبسوطة! لأنو أنا ما عندي شي قدموا لولادي).
وتكرر كلاماً يبدو تلقينياً وغير مقنع: (بدي حفاظات، بدي حليب، بدي علّم ولادي بدي آخذهم ع الحكيم بدي عيشهم متل كتير ولاد غيرهم).
ويسألها المذيع: أنت تركت ابنك على أمل أنو يجي حدا ياخذو ويعيش حياة تانية، ولكن تركتيه بحقل وعمره شهر ما خفت حية تعقصو، حشرة تجي عليه، فأجابته: (أكيد خفت بس دعيت لربي يارب ما تأذيه –هكذا قالت- وسألها المذيع مجدداً كان هدفك تتخلصي منه أو فعلاً يجي حدا يأخذ الطفل، فأجابت (ما كان هدفي أتخلص منو أو أرمي المسؤولية على حدا).
وبأسلوب مستهجن لامرأة يُفترض أن تكون أماً تضيف: (إذا قالولي ما بنقدر نساعدك وين بدي آخذوا، بالبيت ما في شي لألو، رميتو على أمل يجي حدا ياخذو يعتني فيه يعيشوا أحسن، يطعميه أحسن يعيش حياة مليحة غير الحياة اللي عايشها (طبعاً هي تتحدث عن طفل لا يتجاوز الشهر من عمره!).
وعندما سألها المذيع: طفل رضيع شو بدو غير حفاظات، وحليب ممكن ترضعيه فقالت له: (بدو تياب إذا مرض بدو حكيم ودوا)، وسألها المذيع (هل هالشي كافي انك تتخلي عن ابنك؟) فأجابته ببرودة: (أي لما يكون في تلات أطفال محرومين من كتير أشياء وأهمها الغذاء ولما يكون أطفال عم يطالبوا بدهم ألعاب ومدرسة وأنا ما قادرة أمن لهم هالشي أي بفكر أتخلى عنو أنا ما فيني أظلمهم معي (رغم أن الأم المزعومة تلبس عباءة فاخرة تعجز الكثير من أمهات اللجوء عن شرائها وتضع عدسات لاصقة وأحمر شفاه).
وحينما سألها مقدم البرنامج: (كيف يمكن للوضع الاقتصادي الصعب أن يتغلب على غريزة الأمومة وعلى شعور الأم)، قالت له (الإنسان ما نو عدواني، بيخلق ما عندو عدوانية بس الظروف اللي حواليه بتجبروا يصير عدواني. وأضافت: (أنا ما تخليت عن ابني لأني شريرة وبكره ابني، أنا تخليت عنو لأنو هوي معي مظلوم وأنا ما بدياه ينظلم معي).
وبانفعالية، تبدو مفتعلة، تقول: (ما في حدا بيعطي بالدنيا متل الأم وما في حدا حنون متل الأم، وما في حدا بريء ونظيف وبيعطي بصدق إلا الأم، بس لما بيكون هادا الإنسان ماعندو شي يعطيه بدو يعمل متلي)...
ثم تنخرط في موجة بكاء واضعة يدها على وجهها.
وفي آخر "الخط الأحمر" نكتشف أن لآمنة زوجاً وأنه لم يكن يعلم بما فعلته وهي الآن استرجعت ابنها بعدما رآها موظفو المنظمة وهي ترميه رغم أنها قالت قبل قليل إنها تركته ومشت دون أن تلتفت، وفي لحظتها قالت آمنة: (لقد شعرت أننّي لا أستحق أن أكون أمّا لأطفال لا أقدّم لهم شيئاً) فهل واقع حال هذه الأم "خالية الدسم" يشي بأكثر من ذلك؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية