منذ ثلاث سنوات ونيف صدحت حناجر السوريين والسوريات بالحرية وباتت اضغاث أحلامهم في بناء دولة ديمقراطية عادلة ليست حكراً على عائلة واحدة وحزب واحد حلماً قابلاً للتحقيق وأصبح قاب قوسين أو أدنى مع أول شرارة في الثورة.
كان الحلم في بناء دولة ذات سمات ديمقراطية قائمة على أسس سليمة من سلطة تشريعية منتخبة،سلطة تنفيذية منتخبة ،تفعيل مبدأ استقلال القضاء ،المساواة امام القانون ،التوازن والرقابة والفصل بين السلطات ،تعزيز قيم النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد في أجهزة ومؤسسات الدولة ،اعادة هيكلية الأجهزة الأمنية على نحو يضمن الحقوق والحريات ،مجتمع تعددي يقبل الرأي الآخر ويصون الحريات ،مجتمع مدني ،حقوق انسان ،صناديق اقتراع حقيقة ...
أغلب السوريين كانوا على دراية بدموية ووحشية النظام الحاكم وإجرامه وكانوا يعلمون علم اليقين بأن ثمن الحرية سيكون باهظاً فتجد أغلبهم كان يردد ويكتب:{وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ, بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ}
ولكن الروح الثورية التي تأججت في نفوس السوريين وعبروا عنها في مظاهرتهم السلمية لم تكن كافية لإسقاط النظام وبناء دولتهم المنشودة فلابد من وجود موجه،وهل يوجد سفينة وصلت الى بر الأمان دون ربان ؟؟؟
فكان لابد من استدعاء النخب السياسية والحزبية المعارضة للنظام لمسك زمام الأمور والتحكم بمقود السفينة وتوجيهها ومنعها من الغرق وجعلها أكثر تحملاً للأمواج العاتية التي ستعترضها ريثما تصل الى بر الأمان .. فهل كانت تلك النخب على قدر المسؤولية والقيادة ؟؟
لنستعرض بعض النقاط العريضة والهامة التي اعترضت الثورة السورية واثرت على مسارها ووحدتها وكيف تعاملت النخب السياسية المعارضة مع تلك النقاط الفارقة في مسيرة الثورة ..
تغيير العلم السوري:
لربما يرى البعض أن التغير جاء بعد ان لطخ النظام الهمجي العلم السوري بدماء السوريين حينا وحينا اخر حينما رفعت صورة الاسد الابن في منتصف العلم بين النجمتين فآثر الشباب الثوري على تغيير هذا العلم ورفع علم يمثل ثورتهم..ولكن هل ادركت النخب السياسية ان هذا التغير سيعمل على تفرقة وتقسيم الشارع السوري ولن تجد بعده راية توحد السوريين خلفها ؟؟
التسارع والتناحر في تشكيل هيئة أو مجلس أو ائتلاف معترف به دولياّ على غرار ما حصل في الثورة الليبية دون أن يستفيدوا ولو بقيد أنملة من تجربة الثورة الليبية :
تسارعت وتصارعت القوى المعارضة في احقية من سيكون حامل الصفة الشرعية التي ستمثل الشعب السوري دولياً فتجد كل مجموعة مؤلفة من على الاكثر من 10 أشخاص يقفزون من سفارة الى دولة الى قناة اعلامية أياً كان توجهها علهم ينالوا الرضى بالاعتراف بهم ناسين دورهم الرقيب والقيادي فيما يحدث داخل سوريا، وفي تلك الفترات كان الشعب السوري يعاني أشد أنواع القهر من قتل ممنهج وتعذيب واعتقالات التعسفية فوجد البعض بأن التسليح سيكون فيه الحل للوقوف في وجه هذا النظام المتغطرس ،وخشيتاً من أن تفقد بعض قوى المعارضة بريقها في الشارع الثوري السوري من تخوين و تهميش فاختارت أن تلحق بالشارع أياً كان اختياره سواء كان صحيح أم خاطئ وبدأت المعارضة تطالب بالتسليح في اي محفل واي اجتماع وكلما خرجت من جنيف الى جنيف آخر خاوية اليدين تهل علينا بمؤتمر صحفي تختتمه بضرورة التسليح ،والمضحك بأنه على مدار ثلاث سنوات لم تتعلم تلك النخب اي شئ وان اصدقائهم من اصدقاء سوريا لن يفهموا سوى لغة المصالح ووضع ليبيا وتدخل حلف الناتو والحظر الجوي لن يطبق في سوريا طالما هناك تضارب في مصالح القوى الكبرى .
كيف لتلك القوى أن تكون قرأت وتعلمت سياسة ولم يمر عليها دراسات تاريخية تؤكد حينما يكون الجيش أداة في يد النظام إياك و الإنجرار في النزاع المسلح وإلا دخلت في أزمة طويلة المدى ووخيمة العواقب ؟؟
الجماعات التكفيرية تدخل سوريا فتحولها الى بيئة خصبة للإرهاب
منذ بداية الثورة السورية اقترف النظام ابشع الجرائم في حق الانسانية ضارباً بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية في احترام حق الانسان في الحياة ،ولتبرير تلك القوة المفرطة وتبرير استخدام النظام لمرتزقة أتت بها من داخل سورية أو خارجها كان لابد من استحضار ملف الإرهاب لداخل البلاد ليعلق عليها جرائمه ودمويته ،فأصدرت عدة مراسيم تمنح عفو عام لكل المعتقلين والسجناء لتشمل كل ارهابي تكفيري ،كما تم ترك الحدود السورية مفتوحة أمام كل من هب ودب ليهلو علينا المرتزقة من كل حدب وصوب لتصبح سورية ساحة خصبة لاستيراد الإرهاب وخاصة بعد انشغال الجيش بقتل ابناء شعبه تحت ذريعة التخوين والعمالة.
فبدأت بعض الأفكار الغربية تظهر على الشعب السوري لم نعتدها من قبل من تكفير وإقصاء وحقد طائفي ،وبدلاً من ان تتنبه النخب السياسية لهذا الفكر الهادم الذي أراده النظام وتقف له بالمرصاد وتعلن بأن تلك الأفكار ماهي إلا مسرحية قمعية بثياب ثورية وإسلامية زائفة هدفها تدمير العقل السوري ،وقعت في شباك تلك المسرحية وأخذت تبرر بنفس الأساليب التبريرية للنظام لتنتهج سياسة الكيل بالمكيالين وازدواجية المعايير.على مبدأ طالما الهدف واحد في اسقاط النظام لماذا لا نستخدمه اداة من ادواتنا وبعد الاطاحة بالنظام لكل حادث حديث.
ألم تدرك تلك النخب بأن تفكيرهم الفوضوي نقل صورة مشوهة عن الحرية التي امتلأت بها القلوب والعقول وسالت لأجلها الدماء وأزهقت الأرواح.
ألم تدرك بأن تعاملها بمعايير ازدواجية مع ملفات انتهاكات حقوق الانسان وفاشية الاقصاء أدت الى خلال في مصداقيتها الأخلاقية والسياسية والى انفضاض الشارع السوري من حولها لا وبل الاكثر من ذلك فقد كفر أغلب الشعب السوري بالثورة .
ألم تدرك تلك النخب بأن الشباب والشابات السوريين ومن كل أطيف المجتمع هم عصب الثورة و عصب النهوض من الأزمة الراهنة والحل يبدأ من خلال زيادة وعيهم في ترسيخ مفهوم احترام حقوق الإنسان وصون الحريات وتطبيق العدالة ونبذ التمييز والتصدي له...
اليوم وبعد ثلاث سنوات يقف الأسد الابن يخوض الانتخابات الرئاسية لتكون له الولاية الرئاسية الثالثة، وشعبناً يقف تحت سماء ارضه ليس له حامي غير الله يحصي عدد القتلى من الأطفال والنساء والشباب ومن يدعون النخبوية مازالوا متنقلين من باب سفارة الى باب سفارة أخرى لا يشحذون سوى الأوهام.
الى النخب السياسية .. هل من بينكم رشيد ؟ ... سوسن العريان

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية