تناقلت صفحات "فيسبوك" منذ أيام مقطعاً مؤلماً لطفل لم يتجاوز العاشرة من عمره يرتدي كنزة حمراء اللون مخططة يبدو مصاباً في يده اليمنى والدماء تنزف منه ويركض محني الظهر ثم يسقط بعد خطوات قليلة على الرصيف ليحمله مجموعة من المسعفين، وبعد ثوان يظهر شقيقه الأصغر وهو يركض خلف من حملوا أخاه ويصرخ بهسترية.
الطفل "مصطفى عرب" أو "بائع البسكويت" كما أصبح الكثيرون يطلقون عليه كان يبيع قطع البسكويت في أحد شوارع حي بستان القصر بحلب عندما سقط صاروخ بقربه منهياً حياته مع عشرات الضحايا الذين استشهدوا في ذات المكان ليعانق السماء بيد مبتورة.
لم يكن ذلك الصبي الجميل الذي كان يعيل أسرته بليرات قليلة يعلم عندما حمل صندوق البسكويت أن ذلك اليوم سيكون الأخير في حياته، وأن قطع البسكويت المغطسة بالشوكولا التي كان يحث أنداده الأطفال على شرائها ستصبح مغطسةً بالدماء في ذلك اليوم الجهنمي الذي تساقطت فيه على حي بستان القصر عشرات الصواريخ والبراميل المتفجرة التي أطلقتها طائرات غادرة يقودها أشخاص بلا رحمة.
قصة الصغير مصطفى الذي استشهد وهو يحصّل لقمة العيش وقصص غيره من صغار الباعة الجوالين دعت "فريق ملهم التطوعي" إلى تنظيم حملة باسمه لتأمين الكفالة للأطفال الباعة في مدينة حلب، ويروي مندوب فريق ملهم التطوعي بأنهم عندما زاروا والدة الطفل مصطفى وأخبروها بأنه سوف يتم تأمين الكفالة شهرياً لأن مصطفى كان المعيل الوحيد لكم قالت لهم بألم وحرقة: (مصطفى ساعدنا وهو عايش ورح يساعدنا كمان وهو ميت!)
بائع البسكويت والإرهاب !
المصور "فاروق الحلبي" الذي التقط صورة الطفل الشهيد وهو يحمل علبة البسكويت قبل استشهاده قال لـ"زمان الوصل": (وقت صورت مصطفى سألته كم واحد انتو قلي عم اشتغل أنا أكبر واحد بعيلتي وأنا المعيل الوحيد) وأضاف انه زار أهل الطفل الشهيد (ما قعدت بس شفت الأم ونزلت) وعقب بتألم (يا أخي أنا عم دوّر ع حدا يتكفل العائلة ... يعني أهم من التقرير).
ولاقت قصة الطفل الشهيد التي شبهها البعض بقصة بائعة الكبريت التي ماتت متجمدة من البرد لدى مرتادي "فيسبوك" الكثير من التعاطف وأثارت شجونهم وأحزانهم الدفينة فعلق "بسام عويل" على هذه القصة برواية بسيطة مؤثرة تقول: (يحكى أن طفلاً خرج يبيع البسكويت ليعيل أسرته وصادف من يشن حرباً على الإرهاب فتطاير البسكويت بصمت .. . وكان ما كان).
صندوق الأمل !
ويروي "مثنى ناصر الحلبي" إنه التقى بالطفل الشهيد واشترى منه ووعده من حينها أن يبدأ بالصلاة الله مضيفاً: (الله يرحمه ويتقبله ويصبر أهله) وعلق الكاتب مهند الفياض: (نجيب محفوظ، لما رأى طفلاً يبيعُ الحلوى عند إشارة المرور بكى ثم كتب أحلامُ الأطفالِ قطعةُ حلوى .. وهذا طفلٌ يبيع حُلمه. وشبّهت "هنادي شوا" الطفل الشهيد مصطفى بـ"أعظم المجاهدين" فهو طفل لم تترك له الحياة ملعباً ولا مدرسة، وإنما بعض الإخوة يعمل على إعالتهم من خلال بيع البسكويت... وتستطرد قائلة: (اليوم غادر عالمنا المنحط، شهيداً مكفناً بأحلامه بالعودة إلى إخوته الصغار مع بعض ما يبقيهم على قيد الحياة مات هذا المجاهد الصغير وقد بُترت يده التي كانت تعانق بشغف صندوق الأمل).
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية