أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل سيستمر كابوس الدولة العميقة في ملاحقة مستقبل السوريين ... أين المفر؟

جمهورية الخوف أو مملكة الصمت هكذا يتم الإشارة لسورية تحت سلطة عائلة الأسد من قبل الكتاب والباحثين السياسيين.

لم تشهد البلاد منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في انقلاب 8 أذار 1963 أي حالة دستورية تسمح بممارسة ديمقراطية حقيقية؛ وبالعكس من ذلك فقد توسعت الأجهزة الأمنية باطراد وازداد تغوّلها على كافة مؤسسات الدولة التي باتت تعمل لصالح أجهزة الأمن ووفق توجيهاتها وتعليماتها بدون أن تتمتع بأي استقلالية.

مع سعي النظام للانفتاح الاقتصادي لإبعاد شبح أزمة خانقة كانت تتهدد البلاد فقد طلب الشراكة مع منظمات إقليمية ودولية؛ أهمها الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية؛ وهذه المنظمات كانت تطالب النظام بإجراء إصلاحات شاملة على مختلف الأصعدة؛ مما اضطر المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث المنعقد في 2005 لتبني حزمة من الإصلاحات؛ تجلت في الجانب الاقتصادي بتحويل الاقتصاد السوري لنمط اقتصاد السوق الاجتماعي؛ مع حزمة واسعة ومهمة من الإصلاحات السياسية.

سارع النظام لانفتاح اقتصادي جعل الاقتصاد السوري يتجه نحو الليبرالية والخصخصة واقتصاد السوق دون الأخذ بالاعتبار شروط العدالة الاجتماعية المفترض أن ترافق تلك الخطوات؛ مما سبب في توسع الهوة بين الأغنياء والفقراء.

ساهمت أجهزة الأمن بمنع ظهور حالات احتجاج اجتماعية واسعة ضد الحكومة؛ عندما بدأت شرارة الربيع العربي كان بشار الأسد يعلن أن سورية ستكون في منأى عن أي احتجاجات محتملة بسبب التوافق بين القيادة والشعب. في الحقيقة كان الأسد يعتمد على شيء آخر تماما وهو قدرة أجهزته الأمنية بقمع أي نشاطات ضد النظام والسيطرة عليها سريعا.

كانت الدولة الموازية والعميقة هي التي تحكم البلاد بالفعل؛ وهي منظومة معقدة ركبها الأسد الأب بطريقة عجيبة من مجموعة تحالفات اجتماعية وإثنية وطائفية واقتصادية تربط بينها أجهزة الأمن وتسيطر عليها بإحكام وسرية بشكل جعل من الممكن وصف ذلك بالسيطرة الغامضة.

منذ البداية أعلن بشار الأسد تحديه للانتفاضة الشعبية التي اندلعت من درعا ورفض تقديم أي تنازلات أو إصلاحات وحتى تنفيذ تلك التي أقرها المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث؛ كان الأسد واضحا عندما أعلن الحرب حتى النهاية مهما يكن الثمن.

انهارت جمهورية الخوف مع بدء الثورة الشعبية لكن الدولة العميقة الموازية بقيت ضاربة جذورها بقوة في مفاصل المجتمع ولا يزال النظام يراهن عليها بتحقيق انتصار أو القيام بثورة مضادة تضمن إعادة إنتاج النظام من جديد في حال سقوطه على غرار ما حصل مع الثورة المصرية.

شكلت التنظيمات المسلحة المتطرفة ضربة قاسية للثورة السورية؛ فمن جهة أثبتت رواية النظام عن إرهاب المعارضة وتطرفها وشكلت عائقا أمام الدول من تقديم سلاح نوعي للمعارضة؛ ومن جهة أخرى أعاقت عمل باقي التنظيمات ضد قوات النظام وشتت جهودها وأضعفت إمكانياتها مما سمح للنظام بإعادة التوازن لا بل والتقدم في أماكن عديدة.

من جهة أخرى بدأ موضوع المنشقين عن النظام سواء العسكريين أو المدنيين السياسيين يتحول لمصدر قلق وشك بالنسبة للثورة بعد أن كان مؤشرا على ضعف النظام واحتمال سقوطه؛ وربما ساهم في ترسيخ ذلك اختراق النظام لتنظيم "داعش" بشكل واسع والأداء الضعيف المتردد للمعارضة السياسية الذي سبب المزيد من التشرذم والخلافات وتبادل الاتهامات بين كتلها وأعضائها.

استمر المشهد السياسي يتحدد بين جهتين رئيسيتين هما المعارضة الخارجية والنظام؛ بالرغم من محاولات بروز أو إظهار تيار ثالث منذ مؤتمر سميراميس الذي عقد في دمشق بعد أشهر من بدء الثورة؛ لكن في الأونة الأخيرة وبعد فشل مؤتمر جنيف وانسداد الأفق أمام المعارضة والنظام معا، بدأ الحديث يعود بقوة عن ضرورة وجود تيار ثالث يكون وطنيا خالصا بعيدا عن التدخلات والإملاءات الأجنبية يدعو لمؤتمر حوار وطني ينتج عنه حل سياسي.

بدأت محاولات إيجاد هكذا تيار في اجتماعات مدريد وقرطبة ونتج عنها تشكيل هيئة عمل وطني للإعداد لمؤتمر وطني وهي مستمرة بعملها بهدوء وصمت شديد؛ كما أن هنالك لقاء سيتم في أوسلو في الخامس من حزيران تحت تسمية حوار وطني برعاية من مراكز دراسات وأبحاث أوروبية وأمريكية ويضم شخصيات كانت تصنف رمادية في مواقفها من الثورة السورية وربما يكون بعضها أقرب للنظام.

وربما يكون لقاء القاهرة الذي جمع عشرة شخصيات سياسية مع وزير الخارجية المصري مؤشرا مهما على تحول في التعاطي مع المعارضة السورية والبدء بالقبول بشخصيات جديدة كانت جزءا هاما من النظام كجهاد مقدسي على سبيل المثال والذي شكل وجوده مع وفد المعارضة صدمة كبيرة كونه لم ينشق ولا يعارض النظام.

البعض يتكهّن بتحالف وشيك بين نواف الفارس ورياض حجاب يمكن أن يقلب الموازين السياسية للمعارضة كون الاثنان مخضرمين في العمل السياسي والحكومي.

وبنفس الوقت يلاحظ تراجع دور وأهمية القيادات التقليدية للمعارضة مما يوشي بالفعل باحتمالات التغيير.

في مواجهة كل هذه التطورات بات الثوار يشعرون بالقلق والخوف الشديد على مستقبل الثورة السورية حيث بدأت ثقتهم تهتز بقوة بعد وجود دلائل ملموسة على اختراق النظام لقيادات عسكرية وسياسية للمعارضة بتأثير من الدولة العميقة الموازية. وبات من المحتم لديهم عدم الثقة بأي حل يتضمن بقاء أجهزة الأمن والجيش التابعة للنظام أو حتى إعادة تأهيلها كما طرح الائتلاف في وثيقة الحل السياسي في جنيف.

في الحقيقة لم يستطع أحد معرفة كيف سيطرت الدولة العميقة على حياة السوريين خلال العقود الماضية ويتساءل السوريون هل بإمكانهم التخلص من مفعولها وتأثيرها حتى لو سقط النظام؟ وهل يستطيعون القضاء عليها تماما قبل أن تقوم بثورة مضادة؟

من كتاب "زمان الوصل"
(118)    هل أعجبتك المقالة (128)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي