أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فتاة و8 ذئاب.. الاغتصاب، سلاح الحرب القذر الذي يعتم عليه الجناة وضحاياهم!

تصاب الفتاة باهتياج شديد، كلما اضطرت لسرد معاناتها أمام من يريدون سماعها مباشرة من فم الضحية، وقد وصلت إلى حالة من الانهيار التام

إنها بمثابة قطع الألغاز.. ليس هناك قطعة واحدة تجيب عن كل شيء، ولكن تجميع القطع مع بعضها يساعد على دعم فرضية ما حدث

انطلاقا من ظروفهم المأساوية، يركز السوريون في حديثهم لأي محقق أو صحافي على شرح أوضاعهم الحياتية المزرية، أكثر من تركيزهم على ملاحقة قضائية، تبدو فرصتها ضئيلة


سلطت مجلة "ذي نيشن" الأمريكية الأسبوعية الضوء على جانب مليء بالفظاعات والآلام من المأساة السورية، ولكنه بالمقابل جانب يحاول الكثيرون التعتيم عليه، الجناة والضحايا على حد سواء، فالجناة يريدون النجاة من العقاب على أفعالهم المنحطة، والضحايا يحاذرون "وصمة العار" التي قد تلتصق بهم وبذويهم زمنا طويلا.
"زمان الوصل" ترجمت أهم ما ورد في تقرير المجلة، الذي أعدته الناشطة والصحافية "لورين وولف"، وهي من أبرز المهتمات بمتابعة قضايا العنف الجنسي في سوريا، لاسيما بعد اندلاع الحرب.
انطلق التقرير من حادثة فظيعة ضحيتها فتاة في عمر 14 عاما، تعرضت لانتهاك جنسي جماعي ومتكرر، جعل منها إنسانة مدمرة كليا.

فلنجمع الأدلة الآن
تحت عنوان "هل سيكون هناك عدالة لضحايا الاغتصاب في سوريا؟" كتبت "وولف": نحن لا نعرف أين يقع العنف الجنسي في التسلسل الهرمي للأضرار الرهيبة الناجمة عن هذه الحرب، ولكننا نعرف أنه يحدث وأنه من المهم جمع الأدلة الآن.
يبدأ التقرير من غرفة مدير مشفى في جنوب تركيا، حيث يتحدث المدير مع "وولف" عن واقعة اغتصاب وتعذيب فتاة سورية تبلغ من العمر 14 عاما، تقول "وولف" إنه كان لديها شعور أن الضحية كانت في المشفى، ولكن المدير لم يصرح بذلك.

ويروي المدير لـ"وولف" كيف احتجز 8 شبيحة الفتاة في الطابق السفلي ضمن احد المنازل في مدينة إدلب لمدة حوالي أسبوع، انتقاما لما زعموه عن صلة عائلة الفتاة بالجيش الحر.
يقول المدير إن علامات الاعتداء الجنسي على الفتاة كانت "واضحة جدا"، وإن الشبيحة مارسوا عليها أنواعا قذرة من الاعتداء بما فيها الاغتصاب؛ وبدت حروق السجائر على جسدها، كما كانت عيونها مجللة بالهالات السوداء عندما وصلت إلى المستشفى.

الضحية أخبرت الأطباء أن الشبيحة استخدموا قضبانا معدنية محماة لكي ذراعيها وساقيها، كما أرغموها على حضور عملية إعدام ميداني لشخصين أمام ناظريها.
يؤكد مدير المشفى أن الفتاة تصاب باهتياج شديد، كلما اضطرت لسرد معاناتها أمام من يريدون سماعها مباشرة من فم الضحية، وقد وصلت إلى حالة من الانهيار التام، ولهذا قررت "وولف" أن لا تلتقي الضحية، لأنها ليست بحاجة لمن ينكأ جراحها ويفاقم صدمتها عبر تذكيرها بما تحاول نسيانه، لاسيما أن حالة الفتاة وثقت لدى لجنة تقصي الحقائق الأممية الخاصة بسوريا، وبوسائل عدة لاتقبل التشكيك، منها سجلات الكشف الطبي في المشفى، والمقابلات المباشرة؛ لتغدو واحدة من أقوى حالات الاعتداءات الجنسية توثيقا على مستوى سوريا.

خريطة تفاعلية
تقول "وولف" إنه خلال عملها لمدة سنتين في توثيق ظاهرة الاغتصاب وفق خريطة تفاعلية يصدرها "وومينز ميديا سنتر"، كتبت شخصيا تقارير عن عشرات القصص عند الحدود السورية، كما جمعت أيضا مئات القصص التي تضم شهادات آلاف النساء والرجال والأطفال من مصادر مثل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، ووسائل الإعلام.
وتوضح "وولف" أن الخريطة التفاعلية للانتهاكات ضد النساء السوريات تضم حاليا 236 حالة من أنواع مختلفة، مع إشارات واضحة إلى المتورطين بهذه الحالات، وغالبيتهم الساحقة من قوات النظام أو الشبيحة.
تختلف هذه الحالات في فظاعتها ودرجة توثيقها؛ ولكن بعض الحالات مدعومة بإثباتات قوية، ومنها قصة الفتاة التي ذكرت في بداية التقرير.

وتتساءل "وولف" إذا كانت حالة الفتاة أو غيرها من حالات العنف الجنسي في سوريا كافية لقيام محاكمة؟ وحتى لو كانت كافية، فأين وكيف سوف تجري المحاكمة؟ ومن الذين سيحاكمون، وكيف سيمضي التحقيق؟ وهل سيطال من هم أبعد من المرتكبين المباشرين، ليشمل كل من خطط لها الجرائم أو مكّن لوقوعها؟ وماذا يعني ذلك لضحايا العنف الجنسي؟
وتتابع: بعد أن أنفقت وقتا طويلا لتجميع أجزاء الصورة بخصوص ما يحدث للمدنيين في سوريا، أردت معرفة ما سوف تعنيه كل هذه الوثائق، حالما تبدأ العدالة في أخذ مجراها بعد إنهاء الصراع.
الحرب مستعرة الآن، ولكن في مرحلة ما ستنتهي، وعند هذه النقطة، فإن الضحايا سيبدؤون "لملمة" ما تبقى من الصدمات النفسية التي مروا بها في حياتهم، وكما هو الحال في الحروب الأخيرة، في يوغوسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون، فإن العدالة تساعد على تعافي الأفراد والبلاد.

من حيث تستطيع
مع هذا العدد الكبير من الجرائم الجنسية في سوريا، من أين تبدأ؟ تقول "باتريسيا فيزور سيليرز" ، المستشارة القانونية السابقة للمساواة بين الجنسين في المحاكم يوغوسلافيا ورواندا: "إنها مثل الحالة عام 1942، من أين تبدأ التحقيق في "هلوكوست".. تبدأ من حيث تستطيع".
"سيليرز" التي كانت تتحدث هنا بصفة شخصية، لابصفتها الرسمية كمستشار خاصة للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، قالت إنه على الرغم من أن الحرب لم تنته، فالآن هو الوقت لفتح التحقيق، مستدركة: "التحقيق الآن، والتحقيق في وقت لاحق".

هناك العديد من الطرق للحصول على أدلة الدعوى الجنائية، وتشمل هذه الطرق تحليل الصور الجوية والأقمار الصناعية ؛ المكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني؛ الحصول على معلومات من المنشقين ؛ أخذ الأدلة الطبية المناسبة ؛ وثائق وشهادات من قبل الضحايا أنفسهم.. كل هذه الأمور يتم العمل عيلها الوقت الراهن.
ولكن هل هناك ورقة قد تشير إلى الأمر باعتقال وتعذيب فتاة تبلغ من العمر 14 عاما؟ وهل هي متصلة بأوامر من القيادة العليا لمعاقبة عائلة الفتاة؟ مثل هذا الدليل الثابت (أوراق رسمية) كان بمثابة "هبة" للمحققين الذين عملوا على ملف البوسنة.

"إيرين غالاغر"، محققة سابقة في لمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا، حققت أيضا العنف الجنسي في سوريا، وهي تشغل حاليا منصب مدير التحقيقات والاستجابة للطوارئ في منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، تقول: "كان لدينا ميزة في أن جيش صرب البوسنة كان نظاميا للغاية، حتى إنه احتفظ بمختلف الأوامر المكتوبة والمطبوعة وسجلات المركبات، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة للضباط، وخرائط العمليات".
وتضيف: "إنها بمثابة قطع الألغاز.. ليس هناك قطعة واحدة تجيب عن كل شيء، ولكن تجميع القطع مع بعضها يساعد على دعم فرضية ما حدث".

شهادات مجزأة
بالإضافة إلى الحصول على الأدلة، تشير "سيليرز"، إلى تحد آخر يواجه التحقيق في جرائم الحرب الشبيهة بما يحدث في سوريا، ألا وهو ضمان أن المحققين هم من المختصين القادرين على الأسئلة الصحيحة على من يتم استجوابهم بخصوص العنف الجنسي، والضليعين في جمع الأدلة المادية والشهادات والأدلة المباشرة والظرفية، حيث أن جمع الأدلة المادية في قضايا الاغتصاب يمثل إشكالية.
وطبقا لكلام "سيليرز" فإن من الأهمية بمكان للمحققين أن يتمتعوا بقدرة على فهم السياق المعقد لكل ما يشاهدونه ويسمعونه أثناء عملهم. فوصمة العار المحيطة بأعمال العنف الجنسي في سوريا إلى جانب التقاليد الثقافية والدينية كفيلة بإحداث عاصفة من الغضب ضد الضحايا، ومع ورود تقارير واسعة الانتشار عن قتل أو طلاق نساء تعرضن للاغتصاب، فإن هناك ما يلزم آخريات بعدم البوح بما تعرضن له.

بطبيعة الحال، فإن من الصعب جمع كل هذه الوثائق فيما الحرب لاتزال دائرة ومترافقة بحالة فريدة الفوضى في سوريا. الكثير من الشهادات تأتي مجزأة (بالقطارة!)، ونظرا لأن الناجين من أهوال الحرب يعيشون ظروفا قاسية، في خيام أو حتى ضمن أنقاض مبان منهارة، فإنه وبمجرد حديث أي محقق أو صحافي معهم يركزون على شرح أوضاعهم الحياتية المأساوية، أكثر من تركيزهم على قضية الملاحقة القضائية، لاسيما أن فرصة وقوع هذه الملاحقة ضئيلة في نظرهم.
ورغم هذه الصعوبات، ترى "سيليرز" أن من المهم بذل جهود متضافرة لإيجاد نهج منظم في مرحلة التحقيق، ومن ضمن هذا النهج عدم التركيز على الحالات بالغة المأساوية فقط، كما في واقعة الفتاة ذات الـ14 عاما.

مسؤولية القيادة
وتقول "سيليرز" إنه خلال العام الفائت ناقشت عدة مسائل مع بعض الخبراء القانونيين، ومنها: ما هي أفضل وسيلة للتحقيق في أعمال العنف الجنسي في سوريا؟ هل ينبغي أن يكون التركيز على الجرائم من قبل قوات النظام أكثر من قوى المعارضة، مادامت الأغلبية الساحقة من الأدلة تشير إلى تورط النظام؟ هل يجدر بنا أن نتابع تحركات ضباط معينين تكررت أسماؤهم في شهادات الضحايا، أو نذهب مباشرة إلى الجهات لأعلى، وصولا إلى بشار الأسد؟
وتجيب "سيليرز": الوضع المثالي هو أن تلاحق الجناة على جميع المستويات".

وبصرف النظر عن صعوبة القبض على بشار الأسد، وسوقه للمحاكمة بتهمة الاغتصاب، فإن عمل المحققين ينبغي أن ينصب على إثبات "مسؤولية القيادة" بحق بشار في حالات الاغتصاب.. عليهم إثبات أن بشار كان على علم بما كان يحدث، وأنه كان يسيطر على الوضع العسكري، والطرق التي كان يتبعها في تلك السيطرة، والقرارات التي يصدرها وكيف يتم تمريرها نحو القيادات الأدنى ووضعها موضع التنفيذ.
هناك بالفعل مجموعة كبيرة من الأدلة على أن الاغتصاب يحدث وأن النظام يعلم بذلك ويسمح له بالاستمرار. ويبقى أن نعرف ما إذا كان هناك أدلة يمكن أن تثبت أن القيادة السياسية العليا قد أمرت باستخدام العنف الجنسي كسلاح في الحرب.

نحن نحشو المسدس فقط
حتى هذه اللحظة، فإن أفضل طريقة تتلخص في المواظبة على جمع أكبر عدد من الحالات والكثير من الأدلة الجنائية؛ على أمل أن تتخذ الحكومات والمحكمة الجنائية الدولية أو محكمة خاصة شيئا حيال هذا الملف، كما يرى "ديزموند دي سيلفا"، المدعي العام السابق للمحكمة الخاصة لسيراليون، الذي شارك في إعداد التقرير بخصوص صور قيصر ( حوالي 55 ألف صورة وثقت قتل قوات بشار الأسد آلاف المعتقلين تحت التعذيب).
يقول "دي سيلفا": " كل ما يمكننا القيام به هو وضع الذخيرة في المسدس، وغيرنا هو من يتولى التسديد على الهدف والضغط على الزناد".
وخلال هذا الشهر قررت الولايات المتحدة دعم مساعي فرنسا إحالة جرائم الحرب في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبما أن سوريا ليست من الموقعين على ميثاق المحكمة، فإنه يجب الحصول على قرار من مجلس الأمن للأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب هناك. وهو أمر مستبعد جدا، نظرا لموقف روسيا، المتحالف بشكل وثيق مع نظام الأسد. فضلا عن الصين ، وكلتاهما تملكان حق النقض، وقد استخدمتاه بالفعل 3 مرات لوقف قرارات هددت بفرض عقوبات ضد نظام دمشق.

لكن هناك أيضا إمكانية إنشاء محكمة مخصصة، على غرار المحكمة الخاصة بيوغسلافيا أو تلك الخاصة برواندا، وإنشاء مثل هذه المحكمة غير مرجح أيضا؛ لأنه يتطلب قرارا من مجلس الأمن.
لقد أصدرت لجنة التحقيق الأممية في آذار 2013 تقريرا تضمن العديد من جرائم العنف الجنسي بوصفها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، حيث تورد شهادات عن قيام جنود من النظام وشبيحته بدخول المنازل واغتصاب نساء وفتيات أمام أسرهن؛ وهناك حالات قام فيها جنود النظام بإعدام ضحاياهن المغتصبات، وأخرى أجبر فيها رجال تحت تهديد السلاح على مواقعة زوجاتهم أو بناتهم.

حتى الرجال
خلصت اللجنة الأممية إلى توفر أسباب معقولة للاعتقاد بأن مثل هذه الأعمال من العنف الجنسي، يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب. كما وجدت اللجنة أيضا أن عمليات الاغتصاب التي وقعت خلال العمليات العسكرية في حمص خلال شباط وآذار 2012، و الحفة بريف اللاذقية خلال حزيران 2012.. إنما هي عمليات تندرج ضمن هجوم واسع النطاق وممنهج، موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، وهو ما يعد جريمة ضد الإنسانية.
وقال خبراء تحدثت إليهم "وولف" إن هناك بالفعل أدلة كافية للشروع بالملاحقات القضائية، لكن بالمقابل هناك أشخاص يحاولون التقليل من شأن ما تعانية المرأة السورية، وحتى الرجال السوريون أيضا، حيث يشكل الرجال 20 في المئة من أعمال العنف الجنسي، التي توثقها الخريطة التفاعلية، معظمهم تعرضوا لتلك الانتهاكات أثناء اعتقالهم لدى النظام.

وتعلق "سيليرز" على محاولات البعض التقليل من شأن وعدد جرائم العنف الجنسي في سوريا، معتبرة أن أن عدم الاعتراف بكون هذه الجرائم جزءا أساسيا في الحرب الدائرة، هو أمر مؤلم، فسوريا الممزقة اليوم، لا يمكن أن تخطو من جديد نحو الأمام، دون قدر من الحقيقة تتمثل في المصالحة والتعويض عن الضرر وردّ الاعتبار.

إيثار عبدالحق- زمان الوصل- ترجمة
(239)    هل أعجبتك المقالة (158)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي