صناعة القادة والدمى العسكرية ... وائل اللوز


من القصير مروراً بالقلمون وصولاً إلى مدينة حمص ... كانت السيناريوهات متشابهة من حيث المضمون ( انسحاب لقوات المعارضة وسيطرة لقوات النظام وأعوانه ) متباينة من حيث الشكل والأسباب التي أدت إلى الانسحاب ... في القصير والقلمون استخدم النظام سياسة الأرض المحروقة التي أجبرت الثوار على الانسحاب من تلك المناطق ، أما في مدينة حمص فقد استخدم النظام سياسة التجويع والحصار الطويل الأمد الذي أجبر كتائب الثوار على التفاوض معه والانسحاب بأسلحتهم الخفيفة إلى ريف حمص الشمالي ... هذا دون أن ننسى سياسة المصالحة والهُدن التي استخدمها النظام في العديد من المناطق وسعيه لتطبيقها في مناطق أخرى تقع تحت سيطرة قوات المعارضة .

من أبرز الأسباب التي أدت إلى تهاوي المناطق المحررة الواحدة تلو الأخرى وقبول المهادنة مع النظام:

1- التفكير في مرحلة ما بعد الأسد : حيث كان سعي معظم شخصيات وأطراف المعارضة الخارجية وخصوصاً أصحاب النفوذ على الأرض وراء ضمان الوصول إلى مراتب رفيعة في سورية الجديدة عند إحساسهم باقتراب موعد سقوط نظام الأسد ، عندئذٍ تحول مسار كفاحهم من أجل إسقاطه إلى كفاح ضد الشركاء ومحاولة إزاحتهم بشتى الوسائل قبل الوصول إلى الهدف المنشود ، وهذا ما أدى إلى الفرقة والتشرذم في صفوف المعارضة سياسياً وعسكرياً في الداخل والخارج وأعطى الأسد وقواته فرصة لالتقاط الأنفاس والإمساك بزمام الأمور مرة أخرى .
2- مصطلح " صناعة القادة " : بعد سعي معظم أطراف المعارضة للحصول على أكبر قطعة من الكعكة السورية في مرحلة ما بعد الأسد كان السبيل لتحقيق المراد هو صناعة القادة وشراء الولاءات ، حيث كانت صناعة القائد لا تحتاج سوى إلى إغراق شخصية ما بالمال السياسي ، هذا المال كفيل بجمع أكبر عدد من الأفراد حول تلك الشخصية التي قرر صانعها أن يجعل منها شخصية قيادية ، وهذا ما أدى إلى عزل القادة الشرفاء الذين لم يقبلوا شراء ذممهم بحفنة من الدولارات ولم تغريهم السيارات الفارهة وعناصر الحراسة الشخصية ، وبالتالي استلم زمام الأمور والقرار العسكري على الأرض شخصيات غير مؤهلة للعب دور القائد في هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة من عمر الثورة السورية .

3- مصطلح " صناعة الدمى العسكرية " : أدت صناعة القادة من أجل تنفيذ أجندات خاصة إلى ظهور مصطلح الدمى العسكرية بمعنى أن القائد العسكري على الأرض الذي يستمد قيادته وشرعيته ونفوذه من المال السياسي المرسل إليه تُحرّكُه وتتلاعب به وبقراراته شخصيات وأطراف من المعارضة الخارجية من أجل تنفيذ أجنداتها الخاصة وأهدافها القريبة والبعيدة ، وهذا ما أدى إلى انسحاب قوات المعارضة من عدة مناطق استراتيجية كانت تُحكم السيطرة عليها بفعل الضغوط السياسية والإملاءات الخارجية التي تتبع إما لأجندات تكتلات سياسية سورية معارضة أو تتبع لأجندات دول عربية وغربية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب الدم السوري وتساعدها في ذلك الدمى العسكرية المأجورة التي باعت ضمائرها ودماء شهداء الثورة السورية " بكمشة دولارات " .

 صحفي سوري

(132)    هل أعجبتك المقالة (131)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي