لست من أنصار أن الإسلام هو دين الوسطية؛ فصحيح أن الإسلام هو الدين الوسط بين الديانات السماوية، فليس دين الروحانية المطلقة مثلما هي المسيحية، ولا دين المادية المفرطة مثلما هي اليهودية، بل هو دين وسط بينهما، لكن هذا لا يعني أبداً أنه دين الوسطية بالصورة التي ترسم له الآن، والتي يقصد منها تقريب صورة الإسلام في شدة روحانيته، وإفراط تسامحه من المسيحية، أو حتى من الفلسفات الروحانية البشرية، فهذا ليس صحيحاً فكما أن الإسلام هو دين ''اذهبوا فأنتم الطلقاء'' فهو أيضاً دين ''اقتلوهم حيث ثقفتموهم''، والإسلام انتشر بالدعوة والجهاد معاً، لكن كان هناك وسطية في هذه تختلف عن الوسطية التي يراد أن يصور الإسلام بها؛ فالمحارب المسلم كان يسبقه الداعية ويتبعه الداعية وأثناء حربه كان محارباً معتدلاً لا يقتل طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً ولا يمثل بجثة، ولكنه يبقى محارباً مهمته الحرب والقتال اللذان تتبعهما الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
الذي دفعني إلى هذه الكلمات أمران: أولهما أنني قبل أيام شاهدت لأول مرة أغنية الضمير العربي، والتي بت متأكداً أن كل العرب قد شاهدوها قبلي، ورغم أن الكلمات والألحان لم تعن لي شيئاً كثيراً، ومعظم الصور والمشاهد كنت قد رأيتها قبلاً، لكن مشاهدة كل ذلك دفعة واحدة وبصورة تهاجم الحواس جعلني أشعر بحالة من الغليان أوشكت معها على الانفجار بصورة لم يسبق وأن شعرت بها قبلاً، وفجأة وجدت نفسي أبرر ما يحدث في طول العالم وعرضه من قتل وتفجير وعمليات استشهادية وأنشطة أصبحنا نسميها بالإرهابية، سواء على يد المسلمين أو غيرهم، لأنه لا بد أن من قام بمثل هذه الأعمال قد وصل إلى حالة تشبه تلك التي كنت بها أو ربما تجاوزها ولم يعد يجد أمامه وسيلة للتعبير إلا تلك الوسيلة، تماماً مثلما وجدت نفسي في تلك اللحظة أفكر تفكيراً جدياً في تبرير تلك الأفعال مهما كانت صورتها أو وسيلتها أو على من وقعت، لأنها ببساطة كانت الوسيلة الوحيدة أمام ناظري التي يمكن بها التعامل مع قوى القمع والظلم والاستكبار العالمية ورد ولو جزء يسير من الصفعات التي نتلقاها كعرب ومسلمين أولاً، وكجزء من شعوب العالم المضطهدة والمقهورة ثانياً، ولأنها بحق هي السلاح الوحيد الذي نمتلكه في حين يمتلك أعداؤنا ومضطهدونا القنابل النووية والهيدروجينية.
أما الأمر الثاني: فكان سلسلة الفتاوى والخطب الدينية والاجتهادات المتخاذلة التي أصبحنا نسمعها ونراها من علمائنا ومشايخنا في هذه الأيام، وكان آخرها ما قام به شيخ الأزهر عندما استقبل السفيرة الأمريكية الجديدة إلى القاهرة في مكتبه وأخذ يوضح لها الفرق بين الجهاد والإرهاب بصورة لا أبقت الجهاد جهاداً ولا الإرهاب إرهاباً، هذا علماً أن هذه السفيرة وقبل أن تستلم مهامها بأكثر من شهر أطلقت التصريحات حول ضرورة التشديد على مصر والدول العربية في سبيل تحقيق أكبر مصالح ممكنة لإسرائيل - التي تحتل أجزاءً من أراضي هذه الدول وتحتل أحد أهم مقدسات المسلمين القدس الشريف - إلى درجة دعت مجلس النواب المصري والقوى الشعبية المصرية إلى مهاجمتها تحت قبة البرلمان والاحتجاج على تعيينها سواء في الشوارع أو حتى داخل الأزهر ذاته، ومع ذلك فقد استقبلها شيخ الأزهر بكل صدر رحب، وأكاد أكون متأكداً أنه أفتى لها بأن حصار غزة لحماية إسرائيل ضرورة شرعية وقتل أبناء المقاومة العراقية لحماية المصالح الأمريكية هو واجب إسلامي.
لست أفهم من أين يأتي هؤلاء ''العلماء والمشايخ'' بفتاواهم هذه، فرجل مثل المدعو عمرو خالد لم يستح من الله ولو قيد أنملة وهو يجر أبناء المسلمين، ممن غسل عقولهم إلى الدنمارك للاعتذار عن رد فعل المسلمين على الرسوم المسيئة، وغيره لم يخش الله في المسلمين وهو يفتي بجواز قتل أبناء غزة دفاعاً عن الحدود المصرية إن هم حاولوا اختراقها طلباً للماء والكلأ والنار، وغيرهم مئات من خطباء المساجد فقدوا صوابهم قبل أن يصعدوا على المنابر ليهاجموا المقاومة الإسلامية في لبنان وغزة والعراق إرضاء للحكام أو لإسرائيل وأمريكا وأذرعهما في المنطقة ويحرموا الجهاد والقتال حتى لو كان على صورة ما يسمونه إرهاباً، وهو ليس إلا حرباً، بل وحرباً مقدسة تماماً مثلما هي حرب بوش ضدنا صليبية مقدسة بالنسبة له، فلم يكون إرهابهم حلالاً مقدساً وحربنا ضده إرهاباً محرماً؟؟!، وأين هؤلاء من ابن تيمية الذي كان يفض حلقة الدرس لينزل إلى ساحة الجهاد؟؟! وأين هم من عمر الفاروق الذي كان يدخل بغبار الحرب إلى المسجد ليفتي ويقضي بين الناس؟!...
«أم أن على قلوب أقفالها»؟؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية