الدوحة ليست نهاية المشوار
بلال حسن التل
بدء الحوار الوطني اللبناني في الدوحة لا يجوز اعتباره نهاية لأزمة لبنان السياسية وتوابعها الاجتماعية والاقتصادية؛ فالدوحة لن تكون نهاية المشوار، حتى وإن حققت هدنة بين المتحاربين الذين يدافع كل منهم عن مشروعه، فما يجرى في لبنان صراع بين مشروعين: أولهما مشروع الأمة ومقاومتها، وثانيهما: المشروع الصهيوني الساعي إلى كسر إرادة الأمة عبر كسر مقاومتها. وما جرى في لبنان منذ الخامس من الشهر الجاري، وصولاً إلى حوار الدوحة ليس أكثر من حلقة من حلقات هذا الصراع ومن سلسلة التآمر على الأمة ومقاومتها، والناظر المتفحص لمجريات الأحداث التي شهدها لبنان الشقيق منذ صدور القرارين المشؤومين المتعلقين بشبكة اتصالات المقاومة، ومدير أمن مطار بيروت لا يجد كبير عناء في اكتشاف العلاقة المتينة بين هذه الأحداث وبين العدوان الإسرائيلي الأمريكي المدعوم من بعض الأنظمة العربية على لبنان في تموز عام 2006؛ فالذين رعوا العدوان ووفروا له الغطاء وسعوا لكسب الوقت على أمل أن يحقق أهدافه، و الذين شنوا حملاتهم الإعلامية على المقاومة الإسلامية أثناء عدوان تموز، هم أنفسهم الذين انبروا للدفاع عن القرارين المشؤومين وهم أنفسهم الذين سخّروا أجهزة الإعلام التي تدور في فلكهم للتحريض على المقاومة، ومواصلة محاولات تشويه صورتها والسعي لحصرها في إطار مذهبي ضيق، ساعين لإغراق المنطقة كلها في فتنة مذهبية بين السنة والشيعة.
والعجيب الغريب أن العواصم التي انبرت للنفخ في كير الفتنة المذهبية هي عينها العواصم التي تتبنى الدعوة للحوار بين أتباع الديانات بمن فيهم يهود الذين يحتلون أرضنا ويسعون إلى هدم أولى القبلتين وثالث الحرمين، فهل تريد هذه العواصم أن تقنعنا بأن أتباع الديانات الأخرى بمن فيهم يهود أقرب إلينا من أتباع المذاهب الإسلامية؟، وهل يستوي أن نحاور يهود ونقاتل الشيعة لمجرد أن هذه العاصمة أو تلك تريد الامتثال لتعليمات بوش الذي وصف ما يجري في لبنان بأنه حرب عقائدية كبيرة ينفذها وكلاء إيران؟. فهل صار بوش سنياً يخاف على أهل بيروت من التشيع؟، تماماً مثلما صار هو والدائرون في فلكه يخوفوننا من إيران باعتبارها عدوة للعرب على وجه الخصوص. وللسنة عموماً ويصورون لنا إسرائيل بأنها الجار الحليف الذي يجب أن نبني معه الشرق الأوسط الجديد وفق المقاييس ''الصهيوأمريكية''.
ولهؤلاء الذين يهولون بالخطر الإيراني، ويهددون بتردي العلاقات العربية الإيرانية إذا استمر دعم إيران للمقاومة، نقول: لماذا لا تهددون بتردي العلاقات العربية الأمريكية إذا استمر الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، وهو الدعم الذي توجته زيارة بوش لفلسطين المحتلة مباركاً لليهود احتلالهم لفلسطين معلناً وقوف ثلاثمائة مليون أمريكي في جبهة واحدة مع إسرائيل متجهاً بعد ذلك من جوار الأقصى الأسير إلى جوار البيت العتيق دون أن يرف له جفن. ودون أن يملّ من تحريض بعض المحسوبين على أمتنا على سائر أبناء الأمة، فلقد صار هذا التحريض شغل بوش الشاغل، بل لقد تحول التحريض على حمشاس وحزب الله وسوريا وإيران إلى لوثة أصابت الرجل لا شفاء له منها، إلا إذا رأى النيران تأكل كل أرض أمتنا، وهو ما لن يحدث - بإذن الله - .
لقد كان لافتاً هذا الإصرار الأمريكي على إلباس الصراع السياسي في لبنان لبوساً مذهبياً. سخرت له عمائم ما كان لها أن تجر إلى هذه الفتنة النتنة. ولكننا لا نستغرب هذه المواقف من الآكلين بدينهم، الذين يزعمون أنهم حريصون على أهل السنة في الوقت الذي يتحالفون فيه مع العملاء الذين قتلوا الآلاف المؤلفة من المسلمين، خاصة في بيروت وصبرا وشاتيلا، فقد سبق لبعض العمائم التي تحرض اليوم على المقاومة وتسعى لإثارة الفتنة المذهبية أن أفتت بجواز طلب النصرة من الأمريكان، وبغطاء من فتاوى هؤلاء دخلت القوات الأمريكية إلى بلادنا، وأقامت قواعد فيها. في الوقت الذي لم نسمع فيه أن مرجعاً مسلماً شيعياً أفتى بجواز طلب النصرة من الأمريكان. ولا أجاز دخولهم بلاد المسلمين ومنحهم قواعد فيها، ولم نعرف فتوى لمرجع شيعي تمهد للاحتلال الأمريكي لأي جزء من بلادنا، كما فعل علماء السوء الدائرين في فلك عواصم رهنت قرارها للأمريكي. وهؤلاء الذين أفتوا بجواز طلب النصرة من الأمريكان هم الذين يتحولون الآن إلى أدوات للفتنة المذهبية، التي أصبحت جزءاً من المؤامرة على الأمة كلها لتقتتل فيما بينها، ويتحول عداؤها من عدوها الإسرائيلي والأمريكي إلى عداء إسلامي - إسلامي في إطار سعي العدو إلى تشويه المقاومة ومحاصرتها على أمل القضاء عليها. لذلك فإننا ننظر إلى ما جرى في لبنان، وخاصة الجهود التي بذلت لإلباسها لبوساً مذهبياً على أنه مؤامرة على الأمة كلها. تستهدف تجريدها من مقاومتها، ولذلك يجب على الأمة أن تتصدى لهذه المؤامرة، وأن تعمل على وأد الفتنة المذهبية في مهدها. وأن توفر الحماية والدعم والمدد للمقاومة لأنها خيار الشرفاء من أبنائها، ولأنها وسيلتها الوحيدة لتحقيق أهدافها واسترداد حقوقها وحماية كرامتها. وهذا يستدعي أن تخرج المنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني العربي والإسلامي من صمتها وسكونها، وتنتقل إلى مرحلة إعلان الرأي الصريح والفعل المؤثر حماية للمقاومة وصوناً لوحدة الأمة.
إن ما جرى في لبنان مؤخراً هو جزء من مسلسل التآمر على الأمة ومقاومتها، وهو مسلسل لن يتوقف، بل سيشتد ويأخذ أشكالاً مختلفة، لأن العدو ورعاته وعملاءه لن يستسلموا لهزيمتهم في عدوان تموز 2006م، وهزيمتهم في بيروت في أيار 2008؛ فالمعركة بالنسبة لهذا العدو معركة وجود وبقاء، وقد بات هذا العدو يشعر بأن خطر زواله يتعاظم بفعل تعاظم المقاومة، ولذلك فإنه لن يستسلم ولن يسكت، وهذا ما يفسر لنا القلق الإسرائيلي مما جرى في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، وهذا ما يفسر لنا عويل النوائح المستأجرات على بيروت التي حاولوا أن يروّجوا بأنها استبيحت وأهدرت كرامة أبنائها. ونحن في الوقت الذي لا نقبل فيه أن تستباح مدينة عربية أو إسلامية، أو أن تهدر كرامة إنسان فإننا نستغرب هذه الهبّة المصطنعة لبيروت، وهذا التباكي على سنتها، فأين كانت هذه الحمية يوم حاصر شارون بيروت واستباحها، وأين كانت هذه الحمية يوم سقطت القدس؟، ويوم استبيحت بغداد التي كانت تخرج الطائرات والصواريخ لقصفها من أرض عربية تبكي اليوم على بيروت بعد أن نسيت القدس؟، فلماذا لا يجري استنهاض الهمم لإنقاذ القدس، كما جرى التحريض لإنقاذ بيروت وأهلها رغم أن الذين دخلوا بيروت هم جزء من أبنائها، ومن نسيجها الاجتماعي؟. أم أن يهود أقرب للمتباكين على بيروت من المسلمين من شيعة آل البيت؟، أم أن هذا التحريض لإنقاذ بيروت هو في جوهره تحريض على المقاومة الإسلامية التي تذكر بعض الحاقدين على المقاومة بدونيتهم وتراميهم على أعتاب العدو؟..
نعيد التأكيد على أن ما جرى في لبنان خلال الأيام القليلة هو جزء من مؤامرة لم تنته على المقاومة. أطرافها اليهود والصليبيون وبعض المماليك، وفزعهم لم يكن حرصاً على بيروت ولا على سنتها، ولكنه فزع على وجود إسرائيل. وهو نفس الفزع الذي سيطر عليهم في عدوان تموز، وعندما تمكنت حماس من إحباط مؤامرة دحلان في غزة، تماماً مثلما أحبطت المقاومة الإسلامية مؤامرة جنبلاط في لبنان، ولذلك ظهرت وحدة المصطلح والخطاب والوصف عند رعاة المؤامرتين والدائرين في فلكهم؛ فما قامت به حماس في عرف هؤلاء انقلاب، وما قامت به المقاومة الإسلامية في لبنان انقلاب، وما قاله بوش عن حماس هو عينه ما قاله عن حزب الله، فهل لدى أحدكم شك بوحدة الراعي للمؤامرة، ووحدة المواجهة ووحدة الهجوم على المقاومة بصرف النظر عن مذهبها سنياً كان أم شيعياً؛ فالأصل أن لا تقاوم الأمة، وأن لا تكون مقاومتها إسلامية جعفرية كانت أم حنفية؟.....
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية