أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الرقابة الضائعة والمعارضة التائهة

كان من المفترض بل المتوقع أن تقدم المؤسسات التي أنشأتها المعارضة في الخارج صورة ناصعة ومثالا" يحتذى من حيث الحس بالمسؤولية وحسن التنظيم والإدارة والنزاهة والشفافية.

عوامل كثيرة تحفز المعارضة للقيام بذلك تبدأ من تقديم نموذج مغاير لنظام يستشري الفساد في كافة مؤسساته وإداراته، ومن أهداف الثورة القضاء على حالة الفساد والإفساد في المجتمع؛ ويضاف لذلك أن نجاح المعارضة في تقديم عمل ناجح يساهم في تحسين صورتها أمام الدول الصديقة والداعمة والمؤسسات الدولية المانحة؛ مما يساعدها على تلقي المزيد من المساعدات والدعم.

تشكيل المجلس الوطني تم على عجل في استنساخ مشوه وسيئ للتجربة الليبية، وقد تم ذلك بشكل محاصصة بين بعض التيارات والشخصيات السياسية؛ وهذه الحالة حكمت عمل المعارضة بشكل مستمر فيما بعد وأعاقت تحولها لعمل مؤسساتي حقيقي باستمرار؛ وطال ذلك عمل كافة الهيئات المعارضة بدون استثناء من سياسية وعسكرية وإغاثية وثورية؛ ولم يلحظ قيام حالة مثالية أو مقبولة للبناء عليها.

مع بدء تدفق أموال المساعدات والدعم للثورة والشعب السوري بدأت تتفشى بشكل واضح حالات واسعة من الفساد في مختلف المستويات وظهر أن مؤسسات المعارضة لم تكن مستعدة ومهيأة بالشكل المناسب لتلقي أموال الدعم وصرفها وفق أصول محاسبية وقانونية.

جاء تشكيل الحكومة المؤقتة ليكرس نفس أساليب عمل المعارضة؛ حيث جاء تشكيل الحكومة تحت وصاية الائتلاف الذي لم يستطع أن يمارس عمله بشكل مؤسساتي صحيح هو الآخر.

بعد مطالبات كثيرة أصدر المجلس الوطني تقريره المالي ولكنه جاء بصورة غير مقنعة ولم يقبل به أصحاب الشأن والاختصاص وظهر بشكل غير مهني رغم ما قيل أن شركة محاسبية مختصة عملت على إصداره.
بالنسبة للدعم الموجه لأفراد وجمعيات وهيئات غير مرخصة فلا توجد أليات للرقابة والإشراف عليه وهو يتم بشكل فردي ومزاجي.

وتنطبق سمة الفردية والمزاجية على الكثير من قرارات الائتلاف والأموال التي يصرفها؛ ويتم ذلك أحيانا لدعم وتغطية مواقف سياسية للائتلاف.

بعد موجة التعيينات للمزيد من الكوادر في صفوفها وصرف الكثير من الأموال أعلنت الحكومة عن بدء عملية الرقابة على أعمالها.

المفارقة أن الحكومة هي نفسها أنشأت هيئة الرقابة والتفتيش التي ستقوم بمراقبتها مع أنها تابعة لها مباشرة؛ وهذا يلغي استقلالية القرار ونزاهته لدى الهيئة وينسف مصداقيتها وبنفس الوقت يعيد تكرار تجربة النظام في الرقابة عبر الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي تتبع لرئاسة مجلس وزراء النظام ولا تستطيع إيقاف الفساد أو الحد منه لأن قراراتها لا تستطيع إلزام الحكومة بشيء.

لا توجد قوانين وضوابط لعمل الحكومة ولا أنظمة داخلية لوزاراتها، ولا يعرف على أي نصوص تشريعية أو قانونية تعمل الحكومة؛ ولا يعرف أي سلسلة من الرتب والرواتب تعمل؛ ففي حين يتجاوز راتب الوزراء آلاف الدولارات، فإن الحكومة دعت المفتشين السابقين في الدولة في المناطق المحررة للالتحاق بها براتب لا يتجاوز الخمسمائة دولار شهريا وهم موظفو درجة أولى كما يفترض.

أثار قرار صرف مبلغ عشرة ألاف ليرة سورية لكل مدرس في المناطق موجة من الاستغراب لدى البعض مقارنة مع راتب الوزير الشهري الذي يتجاوز 6500 دولار شهريا، وبدا وكأن الحكومة المؤقتة تعامل المواطنين بما يشبه الزكاة والإحسان.

حتى تتحول الحكومة المؤقتة باتجاه العمل المؤسساتي وتتحلى بالنزاهة والشفافية المطلوبة بما يليق بتمثيل ثورة عظيمة يجب تطبيق مجموعة من القواعد والإجراءات تتمثل بوضع رتبة للرتب والرواتب مبنية على واقع الثورة السورية وإمكانياتها، وليس انطلاقا من وزارات تعمل بترف بعيدا عن ميادين العمل في الداخل المحرر، وتصرف الأموال الباهظة في نفقات إدارية. ويجب على الوزراء وكبار الموظفين تقديم بيان مالي بما يملكونه من أموال منقولة وغير منقولة وأن يضعوا أنفسهم تحت المساءلة وليس فوقها.

كما يجب وضع معايير واضحة للاستخدام عبر جهة محايدة مستقلة؛ والأهم هو إيجاد هيئة مستقلة للرقابة والتفتيش تستطيع ضبط عمليات الصرف والإنفاق بشكل كامل ومنع التسيب والفساد.

المفارقة أن من عيّن الحكومة هو الائتلاف وأن الإثنين لم يقسما اليمين القانونية كونهما غير منتخبين من الجمهور مباشرة وبالتالي أمام من ستقسم اليمين هيئة الرقابة الموعودة؟ 

يظهر من العرض السابق أن الخلل الأساسي في عمل الائتلاف والحكومة والأجهزة المنبثقة عنهما هو عدم وجود منظومة قوانين تحكم وتضبط العمل، ويجب أن يكون إيجاد هذه القوانين والأنظمة واعتمادها والعمل فيها هو العمل الأول والأساسي للحكومة لضمان استمرارها ونجاحها ودرء الشبهات عنها .... فهل تعي ذلك وتبدأ بالعمل على الفور؟

من كتاب "زمان الوصل" - برلماني منشق
(112)    هل أعجبتك المقالة (115)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي