أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"الجمهورية".. حزب جديد بمضمون جديد

تساءلت في مقال سابق لي منذ حوالي ثمانية أشهر عنوانه "هل تنقصنا الأحزاب" عن حاجة السوريين فعلا إلى تنظيمات سياسية جديدة في الوقت الذي يعج فيه البلد بالتنظيمات السياسية المختلفة الأشكال والألوان؟ وعما إذا كانت إضافة تنظيمات جديدة ستصنع فرقا؟ وكان جوابي حينها أنه صحيح أن لدى السوريين الكثير من التنظيمات السياسية، لكن الصحيح أيضا أن لديهم القليل جدا من السياسة، وأن الحياة السياسية شبه معدومة... والأحزاب والتشكيلات السياسية المتعددة حاضرة شكلا، غائبة فعلا، وهي بمعظمها هياكل فارغة المضمون، وتأثيرها الإيجابي على مسار الأحداث يداني العدم، بينما تأثيرها السلبي أكثر وضوحا.. والبلد يمر بمرحلة هي الأخطر والأصعب في تاريخه، مرحلة صراع شعب ينشد حريته وكرامته مع نظام همجي مجرم، وسيدخل بعدها مرحلة انتقالية لا تقل حساسية وخطورة، تنقله من حالة الاستبداد والخراب المعمم إلى حالة الحرية والديمقراطية، لتأتي بعدها مرحلة ترسيخ دعائم الدولة المدنية الديمقراطية الوليدة... وكل هذه المراحل لا يمكن إنجازها بشكل صحيح دون حياة سياسية نشطة ومشاركة سياسية واسعة ووعي سياسي متقدم، الأمر الذي يتطلب وجود تنظيمات سياسية معافاة تتمتع بالمصداقية والقدرة على الفعل والتأثير.. وجوابي بالنتيجة كان: نعم، نحن بحاجة ملحة إلى أحزاب جديدة، لكن بمضمون جديد وطريقة جديدة في التفكير والعمل...
في التاسع عشر من شهر نيسان الماضي انتهت في مدينة استنبول أعمال المؤتمر التأسيسي لحزب سوري جديد اسمه "حزب الجمهورية" وثمة ما يشير ويبشر بأنه سيكون من هذا النمط المختلف من الأحزاب التي يحتاجها السوريون، وتفتقدها الساحة السياسية السورية.

وثائق غنية متقدمة أنجزها مؤسسو الحزب بعد نقاش دام أشهرا، سنتطرق إلى بعض أجزائها، لكننا لا نعول كثيرا عليها، فالوثائق والبيانات، غالبا ما تأتي حسنة الشكل، جيدة المضمون، مزينة بكل ما يلزم من عبارات مريحة وأفكار طموحة وأهداف كبرى تطرب لها الأذن وتأنس لها النفس، لا يشذ عن القاعدة أسوأ الأحزاب تاريخا وممارسة، بما فيها حزب البعث.. وتبقى العبرة في الأداء والممارسة.. لكن الحزب وليد، والحديث عن الأداء والممارسة سابق لأوانه، إذن ما الذي أحاط بنشوء هذا الحزب حتى جعلنا نستبشر به خيرا؟ إنها مؤشرات عديدة سآتي على بعضها، وبما يتسع له هذا المقام. 

نبدأ بمجموعة المؤسسين، فنلاحظ أنهم يتحدرون من بيئات سياسية وثقافية مختلفة، وينتمون إلى أجيال مختلفة، ويشكل الشباب نسبة وازنة منهم، ويشكل من هم في الداخل السوري نسبة وازنة أيضا.. لا يجمعهم سوى ارتباطهم العضوي بالثورة وأهدافها، وإحساسهم العالي بالمسؤولية تجاه وطنهم وأهلهم، وإصرارهم على التغيير الديمقراطي، وعلى بناء جمهورية جديدة يسود فيها العدل، ويتسيد فيها القانون، وتصان فيها الحقوق، وتسمو فيها قيم الحرية، وتحتل فيها كرامة الإنسان وسعادة الإنسان موقع البوصلة والمرشد. 

إذن شيء لافت ومعبر الاعتماد على عنصر الشباب، ولافت ومعبر الحضور الوازن لناشطي الداخل في مثل هذه الظروف، لكن اللافت والمعبر أكثر من هذا وذاك هو توافق إرادات عناصر هذه المجموعة الشديدة التنوع والاختلاف على العمل يدا واحدة، والسمو فوق كل اختلاف وانتماء ووضع مصلحة سورية والسوريين فوق كل اعتبار.. في الوقت الذي يختلف فيه سياسيون ومثقفون سوريون متشابهون أحيانا إلى حد التماهي، على كل صغيرة وكبيرة! 
تحيل هذه الفقرة إلى مسألة هامة وجوهرية، هي أن الإيديولوجيا لم تكن الحاضر الأهم في هذا المشروع الوطني، بل إنها لم تحضر بتاتا، وأن طلاقا بائنا حصل بين هؤلاء المؤسسين وبينها، أن الجميع متوافق على أنها كانت، بكل أشكالها، سببا رئيسا من أسباب انعدام التفكير والإبداع والتجديد لدى الأفراد والأحزاب، وبالتالي سببا رئيسا من أسباب تقادمها وموتها السريري وخروجها من دائرة الفعل والتأثير.. إذن نحن أمام إعادة الاعتبار للعقل الحر النقدي المفكر الذي يقطع مع العقل المؤدلج العاقر.
مؤشر إيجابي آخر يستحق التوقف، فقد عكست المناقشات والوثائق المعدة، وبخاصة الوثيقة التنظيمية، عن حساسية المؤسسين العالية تجاه التجارب الفاشلة للكيانات السياسية القائمة، وفهما عميقا لها، ورغبة شديدة في تجنب أمراضها وأسباب فشلها.. ولا يخفى أن دراسة تجارب الكيانات السياسية الأخرى وهضمها واستيعاب دروسها هو من دون شك البداية الصحية والصحيحة لأي كيان سياسي جديد، وإلا فالفشل بالمرصاد.. 
ملفت أيضا هذا الإدراك لأهمية الإدارة ودورها الحاسم في تحقيق النجاح والوصول إلى الأهداف، فقد كان علم الإدارة وأدواته حاضرا بقوة في الوثيقة التنظيمية وفي نقاشات الأعضاء، فتم مثلا اعتماد المشاركة والقيادة الجماعية في الحزب باعتبارها "أساليب إدارية حديثة وديمقراطية تضمن الوصول إلى أفضل القرارات"، واعتبر ذلك من المبادئ التنظيمية للحزب، كذلك جاء ضمن المبادئ التنظيمية أن "النقد والمراجعة وإعادة النظر، وسائل أساسية تضمن اكتشاف الأخطاء والانحرافات ومعالجتها وتصحيح مسار الحزب على الدوام..." 

الحرص على العمل المؤسسي والعقلية المؤسساتية في الحزب الجديد، أضفى على هذا الكيان طابعا خاصا، ومنحه بجدارة صفة الاختلاف والتميز، جاء في النظام الداخلي تحت عنوان الأسس التنظيمية ما يلي: "يعمل الحزب بالعقلية المؤسساتية التي تعني الالتزام والاحتكام إلى المبادئ والأحكام القانونية الداخلية التي تحدد مهمات وصلاحيات ومسؤوليات الأفراد والهيئات وآلية عملها، وقواعد العلاقات فيما بينها، وقواعد مساءلتها ومحاسبتها".

لقد تبنى النظام الداخلي تنظيما إداريا متطورا متوازنا محكما، يكفل انتقال السلطات وينهي ظاهرة الاستئثار والعقلية الفردية والقادة التاريخيين التي قزمت الأحزاب، وما بني عليها من ائتلافات، وحولتها إلى مجرد دكاكين.. 

منح التنظيم الجهاز التنفيذي هامشا واسعا من الحرية والقدرة، ووضع تحت تصرفه مكاتب اختصاصية احترافية تقدم له الدعم والمشورة، لكنه ضمن من جانب آخر عدم خروجه عن الأنظمة وعن أحكام ومضمون الوثائق ومقررات المؤتمرات.. لذلك تم إيجاد جهاز قضائي رقابي مستقل عن الجهاز التنفيذي ومساو له في مستوى الشرعية، سمي "هيئة المسائلة والشفافية"، ينتخب أعضاؤه مباشرة من المؤتمر، وهو مكلف بالسهر على حسن تطبيق الأنظمة وقرارات المؤتمرات وعدم الخروج عليها، كما أنه مكلف بالفصل في النزاعات التي تعرض عليه، وقراراته ملزمة لجميع المستويات التنفيذية بعد أن تصبح مبرمة.    

نختم بالفقرة الأهم التي وردت في وثيقة النظام الداخلي تحت عنوان "الهدف الأعلى للحزب" والتي نصت على أن: "حرية الإنسان السوري وحقوقه وعزته وكرامته وسعادته، هي الهدف الأعلى الذي يسعى إليه الحزب على الدوام، وفي جميع الحالات والأوضاع، وهي البوصلة الدائمة له، والمعيار الأول لأهدافه الأخرى ولنشاطاته وخططه"

تعني هذه الفقرة بوضوح أن الراية لن تكون بعد الآن دكتاتورية البروليتاريا، ولن تكون الوحدة العربية، كما أنها لن تكون دولة الخلافة... لن تكون الراية بعد الآن سوى مصلحة الوطن السوري أينما كانت، وسعادة المواطن السوري مهما كانت.  

(135)    هل أعجبتك المقالة (145)

فؤاد نيسان

2014-05-18

لانزال نأمل بوجود تنظيم سياسي مهما بلغ رقمه التسلسلي اذا كان يجسد مصلحة المواطن والوطن في اولى اولوياته وقد سمعت احد مؤسسي هذا الحزب في مقابلة تلفزيونية وشنف آذاني وأطربني موسيقى جمله وعباراته والعبرة في التطبيق..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي