عاد أهالي حمص القديمة إلى بيوتهم بعد غياب شهور قليلة بدت دهراً طويلاً فوجد بعضهم بيته أطلالاً دارسة وبعضهم وجده محترقاً أو منهوباً بكامله بعد عمليات "التعفيش" المنظمة التي قام بها شبيحة النظام وعصابته الذين وجدوها فرصة لنهب هذه البيوت وإلصاق التهمة بالثوار الذين كانوا في حمص المحاصرة.
وفيما صعق الكثير من أصحاب البيوت في الأحياء التي كان يسيطر عليها شبيحة النظام لمرأى بيوتهم وقد خلت من كل ممتلكاتهم، الأدوات المنزلية والأبواب الشبابيك وحتى مفاتيح الكهرباء، نقل ناشطون إن البيوت التي كانت تحت سيطرة الثوار وجدت كما هي، بل إن الثياب التي تركت مكوية ومطوية وجدت كما هي، ونشر الكثير من أبناء حمص على صفحات التواصل الاجتماعي صور بيوتهم قبل الاحتلال الأسدي وبعده وفرّغوا مشاعرهم المكبوتة وانفعالاتهم الصادقة تعبيراً عن هول ما رأوه، فقد كتب الإعلامي المعروف "أكرم خزام" الذي كان يسكن في بيت أهله في حي الحميدية يقول: "لم يبق في بيتنا في حمص القديمة سوى الكتب وبعض الصور وخفان محطم تحول بحصاً مفتتاً، بيت أختي الكبيرة تحطم بالكامل وكذا بيت ابنها ماهر أما أختي الصغرى ففقدت كل مالديها في البيت الذي أحرق تماماً، بيت أخي تعرض لقصف أطاح بنصفه، بيوت الجيران في الحي ليست أحسن حالاً ما يعني أن الكارثة جماعية".
وأضاف بتأثر وانفعال: "الحداد على الذكريات...تفاصيل الحياة اليومية التي كانت تزدحم، الآن الأسئلة عن الغد الذي يخيم عليه ضباب كثيف".
حمص حضننا الدافئ
من أكثر العبارات وجعاً عبارة "بخاطرك يا حمص"، لا تقولوها أرجوكم! هكذا علقت الكاتبة والدكتورة سلوى الوفائي ابنة حمص مضيفة: "حمص حضننا الدافئ، أمّنا التي لا تموت، أحبّ الأماكن إلى قلوبنا، وما أُخرج أحدٌ منها عنوة إلا ليعود إليها فاتحاً بإذن الله.
وأردفت قائلة: "أدعو كلّ من وجد بيته صامداً أن يعود إليه، أن يحتمي بين جدرانه، هو التحدي لنا جميعاً أن لا نستسلم و لا نسلّم، كونوا شوكة في حلوق أعدائكم، ولا تتركوا ممتلكاتكم لقمةً سائغة في فم الحاقدين، الأرض لنا والسماء تظللنا ورحمة ربكم خير لنا مما يجمعون.
وكتب صاحب دارالإرشاد الشهيرة في حمص قائلاً: "اليوم السبت سُمح لنا بزيارة صالة البيع التابعة للدار في شارع عبد الحميد الدروبي، الحيطان موجودة.. الديكورات لم يستطيعوا إخراجها.. المكيفات وأجهزة الكمبيوتر وأضاف بلهجة حزينة كل شيء راح الحمد لله.
وردت الأديبة نوال السباعي على إحدى كبيرات السن التي قالت لها (المسلحون فتحوا طاقة في جدار بيتي، ليمروا منه إلى بيت الجيران .. خربولي الحائط وعفسولي البيت) ياحجة ..ياااااااااحجة .. اتق الله، في جسد "غياث مطر" فُتِحت هوّة استأصلوا منها كليتيه وكبده! وفي جسد "حمزة الخطيب" مائة ثقبٍ بمثاقيب الجدران الكهربائية! غيركم دفع عرضه ودمه وأمنه وأمانه وساح في البلدان هائماً على وجهه ..اتق الله ياحجة ...اتق الله ..احمدي ربك أن بيتك قائم لم يُدمر.
وأضافت: "ألاتريدون أن يكون لكم في هذه الثورة، ولاحتى مجرد "سهم" ثغرة في جدار؟؟
الممتلكات المعفوشة لاترد ولاتبدّل!
وكتب ابن حمص "مازن غريبة" عن أحد الحماصنة بعد أن رأى بيته مهدماً: بعد نزوله إلى حمص القديمة, تلك الأرض الطيّبة, وبعد مشاهدته ركام منزله ورماد ذكرياته, ابتسم من قلبه وكتب: "فداكم يا شباب .. الحمد لله على سلامتكم" وبعد "تعفيش" شبيحة الدفاع الوطنيّ لممتلكاته المتبقيّة, كتب: "أعزائي الشبيحة .. الممتلكات المعفوشة لاترد ولاتبدّل" وأضاف متسائلاً: "بدكم تقنعوني انو اللي طلع من حصار الجوع على الريف الشمالي بباصات البلديّة هوي اللي أخدلي الستالايت).
ونشر المحامي "منير صافي" بوستا مؤثرا يقول فيه: "البارحة ذهبت مع من ذهب إلى مركز المدينة لأتفقد ما هو لي هناك، بالنسبة للخسارة المادية حالي كحال جميع الحماصنة، أما ما لاعلاقة له بالمادة وإنما ما يرتبط بالروح والوجدان، فقد شعرت أن عبق ذكرياتنا فيها يتململ تحت الركام والرماد كطائر فينيق يحاول النهوض ليعلن ولادة جديدة .... حمص لا تموت.)
زمان الوصل - فارس الرفاعي
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية