أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حزب الجمهوريّة: دعوة وطنيّة لكل السوريين… شادي الشوفي

هل هناك من معنى لتأسيس حزب سياسي في ظل الظروف التي تمر فيها سوريا, التي تشهد ثورة شعبية منذ آذار 2011 كانت سلمية لأشهر قبل أن تقسر و تتحول إلى عمل مسلح بفعل مواجهتها من قبل النظام بأعتى صنوف القمع والقوة؟ وهل يمكن الحديث عن السياسة في ظل طغيان صوت الرصاص على المشهد العام, وبمناخ تبدو فيه السياسة ترفاً لا معنى له في ظل المأساة الإنسانية التي لا يزال يتعرض لها الشعب السوري؟ وهل يمكن العمل بالسياسية أصلا في ظل وجود نظام الطغمة؟

أسئلة مشروعة وجهت لحزب الجمهوريّة الذي عقد مؤتمره التأسيسي في 17 نيسان 2014, ليعلن انطلاق حزب سوري جديد. والحقيقة أن نفس هذه الأسئلة كانت محور نقاشات موسعة بين الأعضاء المؤسسين, ولمدة تزيد عن العام قبل انعقاد المؤتمر التأسيسي. و في سياق بحثنا عن أجوبة لهذه الأسئلة وغيرها كان علينا الإجابة أولاً على سؤال مركزي وأساسي يقول : ماذا لو استمرت حالة اللا انتظام والفوضى لقوى المعارضة بمختلف أنواعها ومستوياتها, والتي كانت عاملا أساسيا من عوامل الفشل في كثير من المحطات، في مقابل مركزية وانتظام شديدين للنظام؟. الإجابة كانت ببساطة ولا تزال : " الكارثة ". التي بدأت تظهر، ويتحسسها كل سوري مع كل يوم من الأيام العصيبة التي تعيشها سوريا, وهذا ما دعانا للعمل على تأسيس حزب وطني يشبه كل السوريين, ولكل السوريين. 

لقد أفرغ الداخل السوري من السياسية لمدة تزيد عن خمسين عاماً, ظهرت آثاره السلبية خلال السنوات الماضية من عمر الثورة, والتي أبرزت حجم الخواء السياسي والتنظيمي داخل المجتمع السوري بفعل اختطاف الدولة ومؤسساتها من قبل نظام الإستبداد, وغدت كلمة حزب كلمة مثيرة للإشمئزاز لدى شرائح كبيرة في الداخل السوري لما تركته ممارسات البعث الكارثية في ذاكرة السوريين, والذي تحول إلى طغمة تشبه كل شيء إلا أن تكون حزباً سياسياً. هذا عدا عن التجربة غير المنتجة للأحزاب الإيدولوجية الأخرى التي كانت ضحية للإستبداد العام الذي خطف الدولة والمجتمع من جهة, ولاستبداد داخلي حكم بنيتها التنظيمية من جهة أخرى. 

لم يكن حزب الجمهورية الحزب السوري الوحيد الذي ولد بعد الثورة, ولن يكون الأخير بطبيعة الأحوال, ولكن لا نبالغ اذ قلنا أنه الحزب الوحيد الذي قدم وثائق فكرية وسياسية متماسكة تصلح لأن تكون ركيزة متينة لمؤسسة سياسيّة تعيد للهويّة الوطنيّة السوريّة الجامعة بريقها. حيث تشكل هذه الوثائق قطيعة فعليّة مع ماضي الإيدولوجيات المغلقة التي غلفت العمل السياسي في سورية لعقود, من حيث انطلاق الحزب من الواقع, ومن المنجز المعرفي والإنساني التي وصلت له البشرية لرسم مبادىء ممكنة لإقامة الدولة الوطنيّة الحديثة المؤسسة على مبادىء المواطنة, والشعب, وسيادة القانون. 

الدولة الوطنيّة الحديثة مبدأ أصيل من مبادىء الحزب, يعتمد على نزع الصفات الإيدولوجية عن الدولة نفسها ( الإسلامية, العربية, الإشتراكية الخ ). هي دولة جميع المواطنين التي تقف على مسافة واحدة اتجاه كل أفرادها, وهي حيادية اتجاه المكونات المختلفة الفكرية, والعرقيّة, والطائفيّة, والدينيّة. وهو حياد إيجابي يعنى مسؤولية الدولة عن رعاية كل التنوع المجتمعي.
هذه مفارقة وقطيعة عن منظور السياسة السابق اتجاه الدولة, الذي كان يرى في الدولة إما مطيّة لتحقيق أيدولوجيّة ما, أو غنيمة يجب إخضاعها لهذا الشخص, أو تلك الجماعة, أو ذاك الحزب. الدولة, أو الدولة / الأمة كما جاء في وثائق الحزب هي التعبير السياسي والقانوني والأخلاقي للعقد الإجتماعي بين المواطنيين, وهي الحامي للحقوق, والمسؤولة عن رعاية كل التنوع المجتمعي للشعب. 
من هنا كان اسم الحزب " حزب الجمهوريّة " كما عبر عنه البيان التأسيسي للحزب الصادر في 25 نيسان, 2014  تعبيراً عن الدلالات العميقة لمعنى " الجمهوريّة " الرافض لانتهاك الدولة من قبل نظام الإستبداد, و ارتباط الإسم بمفهومي الدولة والديمقراطيّة, فضلاً عن العمل و الآمل في الإنتقال إلى الجمهورية الجديدة التي تعبر عن مصالح الشعب السوري بأكمله. 

هذه الخطوة الشجاعة التي أقدم المؤسسون عليها ترافقت مع وعي للواقع المعقد التي وصلت إليه البلاد نتيجة لإرهاب الدولة المنظم الممارس على الشعب السوري منذ أكثر من ثلاث سنوات, وبروز قوى ظلامية لاتمت للثورة وللشعب السوري بصلة, ودخول البلاد على تقاطعات المصالح و التغيرات الاقليميّة والدوليّة التي قد تحتاج الى جيل كامل لفك خيوطها المتشابكة, بالإضافة إلى الإنقسامات المجتمعية الحادة التي برزت بشكل واضح نتيجة العنف الممنهج الذي مارسه النظام, واللعب على التناقضات المجتمعية بمنارة الحفاظ على السلّطة. كل تلك المخاطر تدق ناقوس الخطر للبدء بمأسسة العمل السياسي السوري المؤمن بدولة الحق والقانون, و المؤسس على مبادىء الثورة في الحرية والكرامة, بوصفهما نقيضين لاحتكار السلّطة والثروة، وسعياً لإنهاء عار التوريث، والانتقال بالبلاد إلى الجمهورية الجديدة التي يحلم بها كل سوري. 

كما لم تكن مصادفة إعلان الحزب استمرار عمله كحزب تحت التأسيس حتى المؤتمر الأول المقرر بعد عام, بل كانت نتيجة وعي القائمين على هذه المؤسسة الوطنيّة للحاجة إلى مشاركة كل القوى والشخصيات الوطنيّة المعنيّة في إنتاج مشروع وطني جامع من خلال المشاركة الفعالة, والتجاوب الإيجابي مع إطلاق هذه الخطوة, و التي لا تعني فقط الإنتساب إلى الحزب, بل تعني أيضاً الحوار والنقد والنصيحة حول الوثائق التي ستقدم في وقت قريب لكل أطياف الشعب السوري لإطلاق عمليّة حوار بناء من أجل رفد الحزب بأفكار وآليات عمل جديدة، تفضي لتحقيق أهداف الثورة في الإنتقال من الدولة الأمنيّة إلى الدولة الوطنيّة الحديثة.

إعلان التأسيس كان بمثابة دعوة عامة لكل السوريين ليعيدوا السياسية للمجتمع عبر الحاضن الأمثل لها, المتمثل بالأحزاب السياسيّة والتي باتت الحاجة لها ملحة أمام الأخطار التي تتهدد وحدة واستقلال الدولة والشعب في سورية، وهذا ما لمسناه من خلال ردات الفعل الإيجابيّة التي وردت رداًعلى إطلاق حزب الجمهوريّة، المتعطشة لمؤسسة سياسية تحتضن آمالهم في الخلاص من الإستبداد، وإنهاء العنف، وبناء وطن حر وكريم.




(126)    هل أعجبتك المقالة (124)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي