لعل كثير من السوريين ومن المهتمين يرون بأن مسألة ترشيح بشار الأسد مسألة مفصلية في مسار الأحداث في سورية. بينما يراها آخرون من قبيل تحصيل الحاصل ونتيجة بديهية لأسلوب تفكير المجرم وأعوانه ولأن هذا الأمر متوقع فمن غير السليم منحه أكثر مما يستحق من التفكير والتعليق. ولكن في سياق الأحداث الحالية وبعدما خفت الحديث عن جولة ثالثة من جنيف 2 أو جنيف 3 جديد فإن مسألة الترشيح والانتخاب لها من الأبعاد ما يستحق التعليق والدراسة، والأهم هو تبيان تهافت هذه الانتخابات وعبثيتها للرأي العام العربي والدولي.
يتعلق رفض الشعب لترشح بشار الأسد لرئاسة الجمهورية في هذه الظروف بانتهاكها لمبدأي الشرعية والقانونية. يقوم المفهوم الأول على أساس شرعية كل ما يحيط بعملية الترشيح والانتخاب بدءاً من الأساس الدستوري والقانوني للعملية الانتخابية الى المناخ القانوني والأمني السائد في المجتمع. أما مبدأ القانونية فهو مطابقة الاجراءات الفعلية لنصوص القواعد القانونية المتعلقة بتنظيم العملية الانتخابية بدءأ من شروط الترشيح الى عملية الترشيح نفسها ومن ثم الاقتراع وكذلك شروط المقترعين واعلان النتائج وكل ما يتعلق بالطعون الانتخابية. وفي الحالة السورية فإن مجرد ترشيح المدعو بشار الأسد لولاية رئاسية ثالثة ينتهك المبدأين السابقين انتهاكاً صارخاً.
فمن جانب المبدا الأول؛ لا تحمل عملية الانتخابات المزمعة الحد الأدني من الشرعية لأن سورية في حال من التمزق والصراع تسبب به المرشح المجرم نفسه ولأن الدولة المؤسسة قد غابت تماما عن المشهد منذ بدايات الأحداث. فبينما ترتبط العملية الانتخابية عادةً ارتباطاً وثيقاً بوجود الدولة المؤسسة ككيان شرعي فقد غابت الدولة في سورية وتحولت قواتها المسلحة الى جماعات قاتلة من قطاع الطرق والعصابات، لذلك إن الاصرار على تلك الاجراءات وتسميتها بالانتخابات هي من قبيل المزاح السمج.
ومن جهة أخرى ليست الدولة فقط هي الغائبة وانما أيضاً السيطرة الفعلية للعصابة على تراب الوطن. فحتى لو ردد أبواق النظام ادعاءات السيطرة على أجزاء واسعة من سورية فإن الحقيقة الراسخة أنه وعلى الرغم من الدعم الهائل التي تلقته عصابات النظام الاجرامية من قوى الطائفية والتطرف ومن جحافل المرتزقة فإن ميليشيا السلطة لا تتحكم الا بجانب محدود من البلاد بعد أن خرجت محافظات كاملة عن سيطرتها. ولا يمكن اعتبار السيطرة الجوية العسكرية التي يستعملها النظام كآلة للقتل الجماعي بديلاً عن السيطرة الحقيقية أوسبباً لاعتبار الميليشيا الأسدية مسيطرة فعلياً على تلك المساحات الواسعة من البلاد.
ويجب أن لا يغيب عن ناظرنا المشهد الدمشقي العميق، فدمشق التي يعلق النظام كثيراً على اخراج المشاهد الأساسية لمسرحية الانتخابات فيها لا تقع تحت السيطرة الكاملة للنظام الميليشياوي فهي محاطة بالقوات العسكرية للثورة بينما تنتشر فيها الحواجز الأمنية بالمئات. كما أن الوضع المتغير دوما في معظم مناطق دمشق وريفها وقابليتها الدائمة للانفجار في أي هاربة من الحسابات الدقيقة لراعيي النظام يخيف العصابة ويقودها الى القصف العشوائي للمناطق التي تعتبرها هي نفسها موالية. ولا يمكن اعتبار السلطة التي تفرض سيطرتها بالحواجز وقصف الهاونات سلطة شرعية قادرة على اجراء انتخابات رئاسية.
أما من الجانب القانوني البحت فإننا نعلم أنه لا قيمة حقيقية لكل ما يتعلق بالعملية الانتخابية الحالية من قوانين ولوائح لأنها صدرت أصلاً في ظل دستور غير شرعي. كلنا يعلم أن دستور عام 2012 مان نتيجة عمل لجنة مشكلة بمرسوم وليس سلطة تأسيسية منتخبة ذات مصداقية ، ناهيك عن عدم التصويت عليه الا من قبل حفنة صغيرة من المواطنين المغلوبين على أمرهم أو الموالين للسلطة الحاكمة لأسباب عديدة لا مجال لذكرها في هذا المقام. وقد تبع الدستور الزائف سلسلة من القواعد التشريعية الصادرة اما عن القاتل القابع في سدة الرئاسة أو من مجلس الدمى المتحركة، وكأن عدم الشرعية غير كافي فإن التناقضات الداخلية في تلك القواعد فاقعة جداً. فكل ما وضعته السلطة الحاكمة من شروط للمرشح يناقض المبدأ الدستوري الأساسي في تكافؤ الفرص لجميع المواطنين السوريين، ناهيك عن اشكالات عديدة يتعلق بعضها بوجود المرشح داخل حدود الوطن خلال الفترة الماضية على الرغم من الحرب التي تشنها السلطة على الشعب واشكاليات أخرى تتعلق بتأييد لترشيح من خمس وثلاثين عضواً من مجلس الدمى المتحركة لا يستطيعون تأييد الا مرشح واحد (35 ...لا احد يعلم تماماً كيف تفتقت عبقرية النظام عن هذا العدد بالذات) أما مخالفة تلك القواعد التي نناقشها على سبيل الاستطراد فهو أيضا في حالة فاضحة من التناقض فيكفي ما نشهده من حشد الآلة الاعلامية لما بقي من الدولة في خدمة المرشح القاتل لنعرف عن أي حال نتحدث.
ومن جهة أخرى كيف لعاقل أن يقبل قيام وزارات الداخلية والعدل والخارجية بدورها في مراقبة الانتخابات بينما تفتقر الى الحد الأدنى من الصفات المؤسساتية والحيادية التي يفترض وجودها في الجهاز المنظم للعملية الانتخابية والضامن لنزاهتها، بينما تقع تلك الوزارات في صلب عمليات القمع اليومية.
وعلى الرغم من وضوح الانتهاكات السابقة الذكر لمبدأي الشرعية والقانونية فإنها لا تصل الى الجريمة الأكبر الذي يقترفها النظام بتلك المسرحية الهزلية وهي جريمة انتهاك الارادة الشعبية السورية واحتقار الانسان السوري. فهاهو الذي تسبب باندلاع هذا الشر المطلق وهاهو من دمر مدناً بكاملها على رؤوس أهلها ومن استعمل كل أنواع الاسلحة الذي دفع ثمنه الشعب من دمه ودمائه في قتل ذلك الشعب الأعزل يحتقر كل تلك الدماء ويصر على سحق أي أمل بالتغيير السياسي. إن أساس الأزمة الحالية هو وجود شخص محدد على رأس السلطة وامعانه في العنف والقتل والتدمير واعادة ترشيحه لانتخابات الرئاسة يعني اعادة انتاج الأزمة نفسها واعادة سحق أسس الشرعية الدستورية والقانونية المفترضة بأي نظام للحكم. من البديهيات أن لا يثاب المجرم على اجرامه ولكن هذا الأمر الذي نراه بديهياً قد لا يراه غيرنا كذلك فمن الواجب علينا جميعاً من جمهور للثورة ومؤسسات قريبة منها أو معبرة عنها وبخاصة سفراء الائتلاف في الخارج المبادرة والمسارعة الى حملات منظمة لتعرية مسرحية الانتخابات المزمعة وأهدافها وانتهاكاتها الفجة لابسط المبادىء القانونية والاخلاقية.
من كتاب "زمان الوصل" - دبلوماسي منشق
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية