الحديث عن جولة أهل حمص بين ركام المدينة القديمة يوم الجمعة 9-5-2014 (أي بعد أكثر من 700 يوم من بدء الحصار وسويعات قليلة على خروج الدفعة الأخيرة من أبطالها المحاصرين)، أكد عمق الاختلافات في المجتمع شئنا أم أبينا، وأثبت أن كثيراً من المفاهيم لم تتغير بعد 3 سنوات من الثورة.
لا شك أن النزعة العاطفية لدى أي منا كانت ستدفعه لا شعورياً لاستعادة شعور حرم منه وبات بمثابة الحلم، ولا شك أن كثيراً من اللائمين والمنتقدين (خصوصاً المغتربين) كان ليتجول مندفعاً بين أزقتها حتى ولو كانت مدمرة..
لكن تحكيم العقل يقودنا لحقيقة تقديم فرصة ذهبية للنظام وإعلامه..
*الثورة صنفت المجتمع على أسس جديدة، فلماذا التعميم بحق كل من نزل إلى ساحة الساعة ونعته بالخائن؟ أليس هناك حمامصة لم ولن تعنيهم الثورة وهم من العائلات "المعروفة"؟ ألم تأت الخيانة والغدر في مواقف عديدة من قلب تشكيلات الثورة المدنية والعسكرية وأصابتها في مقتل؟ ألم يتاجر البعض في الثورة بالمخدرات والسلاح وحتى بالجنس؟ فلماذا يفاجأ البعض إذاً من ظهور "محجبة سنية" فرحة بخروج "المسلحين" من حمص على شاشة "الدنيا" و"الميادين"، ولماذا يقارن آخرون تلك الفاجرة؛ بأم أو زوجة هائمة على وجهها تبحث عن أثر من رائحة ابنها أو زوجها الشهيد؟
وهل صور المحجبات مع الشبيحة وعناصر الجيش أمر جديد؟، ولكم في الصور المتواترة من الجامعة سابقاً خير شاهد !
لا شك أن اختيار النظام ليوم الجمعة مفسحاً المجال أمام الناس بالتجول في الأحياء المحاصرة ليس عبثياً، وما استعجاله في فتح الطرق وإزالة الحواجز والسواتر الترابية وإزالة شيء من الركام والآليات المدمرة إلا أسلوب خبيث لتشكيل صدمة عكسية لدى من بقي في حمص تجاه ما فقدوه.
ولا شك أن دخول الأهالي بعد خروج الثوار يعكس مرارة من نوع آخر، لكنها ليست بحق الثوار أو الشهداء، فالكرارون بإذن الله لن يزيد أساهم بعد خروجهم من أرضهم أي حدث آخر، والشهداء في عليّين لن يضيرهم ما في الدنيا، إلا أن تعرّف الناس بأم العين على الظروف التي عاشها المرابطون والشهداء يفرض وقفة من أحرار حمص وحرائرها، وقفة مع النفس وتفكّر في قول الله تعالى في سورة الرعد: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].
*من الظلم التعميم وإصدار أحكام مطلقة على ثكالى وأرامل ويتامى ونازحين، من الظلم محاسبة من لا ينام الليالي هماً وكدراً ويسير أحياناً وهو يكلم نفسه، من الظلم أن نتكلم ونقيّم ونحن لم نعش لحظة واحدة تحت رحمة صوت قذيفة أو صاروخ، من الظلم أن نلوم ونحن لم نعش مرارة هدير الأبنية وهي تتساقط، من الظلم أن نغضب ونحن لم نرَ أشلاء قريب أو صديق أو جار أمام أعيننا، من الظلم أن نعتب ونحن لا نملك الجرأة على التفكير بالعودة، من الظلم أن ننصب أنفسنا قضاة حتى لو فقدنا أعزاء وأقرباء فذلك لا يمنحنا أي ميزة يختص بها الشهيد وحده.
كنت أتمنى بعيداً عن العواطف أن يتريث الناس بدخول قلب مدينتهم من جديد، لأسباب كثيرة، أهمها حرمان النظام من كسب إعلامي أمام زبانيته ومناصريه وداعميه، وثانيها تثبيت صمود المدينة وتمردها، وإن كان ذلك لا يحتاج لإثبات جديد، ودون نسيان حالات مشابهة لم تصب إجماعاً وأثارت جدلاً مماثلاً (إضراب الكرامة).
أخيراً... علينا أن نكون واقعيين وننسى الدراما قليلاً ونعترف بأن الجدل والتخوين ليس أمراً جديداً بين أهل حمص، وبالعامية خلوني ذكركم: "كل الناس بيحاسبهم رب العالمين إلا أهل حمص بيبلشوا الحساب بين بعض"!
أبو الوليد الحمصي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية