دكتوراه في الإعلام - فرنسا
في ذكرى النكبة، نقف على الأطلال، أطلال يافا وحيفا واللد والرملة والجليل، وفي ذكرى النكبة، تحدثنا "الجزيرة" عن الواقعية، وعن " إنشاء دولة إسرائيل"، ويرسل الرئيس محمد حسني مبارك، رسالة تهنئة للصهاينة مقدراً فيها جلدهم وجهدهم في اغتصاب الأرض وتشريد الناس.
في ذكرى النكبة، تلقي ليفني دروسها التعليمية في الديموقراطية من وسط الدوحة، وتزور رايس بعض الدول العربية، ثم يأتي سيدها إلى المنطقة، ليتعهد بدعم الصهاينة إلى الأبد، وليقول أن الصهيونية هي كلمة الله.
في ذكرى النكبة تتصارع الفضائيات على تقديم آخر فنون العري والابتذال، وتنشغل وسائل الإعلام، بمسابقات الجميلات، والمغنيات والراقصات، ولا ينسى بعض مسئولينا أن يشرفوا على مسابقة جمال الأغنام والديكة والجمال.
في الأيام نفسها التي شرد فيها أهلنا من ديارهم، وقتلوا بمئات الآلاف وذبحوا كما تذبح الشياه، يضع قادتنا نظاراتهم الشمسية ويربطوا أحزمتهم وأحذيتهم ليشاهدوا مسابقات الخيول وليتمتعوا بمسابقات جمال الماعز، وتسرد الفضائيات تاريخ التيس الفائز، من أين جاء وماذا أكل ومن يمشط له شعره وينظف له بعره. بينما تموت معلومات الجيل الشاب خاصة عن النكبة، وتظهر في كل عام على أبنائنا معالم نسيان النكبة، وتيههم بين الحق والباطل، حتى ليسأل بعضهم لماذا يؤذي الأطفال في فلسطين الجيش الصهيوني المسالم والمدافع عن أرضه.
قصة وقعت لي، لا أحب أن أنساها تماماً كما لا أحب أن أنسى ولن أنسى النكبة، فقد سألتني شابة عربية، تحضر الإجازة في الإعلام، عن سر تآمر العرب الذي لا ينتهي على "إسرائيل"، وأبدت استغرابها، من سوء خلق الفلسطينيين في مطاردتهم لدولة "كإسرائيل" تشع ديموقراطية وتقدماً وحضارة!!.
ألا يحق لنا أن نتساءل عن دور الفضائيات العربية في هذه الجريمة، جريمة النسيان، والقبول بما يسمى الأمر الواقع الذي ظهر مع محطة "هيئة الإذاعة البريطانية" ثم الجزيرة، ثم من بعدها آلاف المحطات العربية التي لا تتوقف عن الحديث عن "الكيان الصهيوني" بوصفه دولة ذات سيادة.
ألا تلاحظون عندما تعود ذكرى النكبة في كل عام، ماذا يحدث للفضائيات العربية من إسفاف، فهي لا تتوقف عن الرقص والشطح والغناء، وتقديم البرامج الترفيهية، وكأننا نعيش في حياة بلا هموم ولا ينقصنها إلا الغواني والمغاني.
في ذكرى النكبة أصبح الإسلام تهمة، والجهاد إرهاباً، والمقاومة، اقتتالاً طائفياً. إنها عملية تدجين واضحة تريد أن تنتج منا دجاجاً أبيض، لا دجاجاً بلدياً وأرانب سهلية لا صحراوية.
وفي ذكرى النكبة تسلّمت وسائل الإعلام، إلا من رحم الله، ثلة من التغريبيين الحاقدين على أنفسهم أولاً، وعلى كل عربي ومسلم ثانياً، وثلة من الخانعين للغرب بشذوذه وجرائمه، وثلة من المتمرسين في العمل الإعلامي وأسراره، فسخروا جهدهم لتسويق ما حرم الله، ولتسويق الصهيونية، من "هرتزل" إلى "أولمرت".
حتى البرامج التي تعد حول النكبة، تدار بطريقة يتم فيها التركيز، على لفظة" إسرائيل" وعلى قرارات الأمم المتحدة، بما يعنيه أن المجتمع الدولي أقر بوجود هذه الدولة فعلينا ونحن جزء من هذا المجتمع أن نقر بها أيضاً، بل ونضمها للجامعة العربية، ونتعلم الديموقراطية من رجالاتها ونسائها، من "مناحيم بيغن"، و"شامير"، و"غولدا مائير" وأخيراً من "ليفني".
جورج بوش، في ذكرى النكبة، يؤكد ولائه وخضوعه للصهيونية، ثم يطير إلى البلاد العربية ليأكل مع قادتها ويستمتع بصيفها.
في ذكرى النكبة لا أحد يريد أن يتكلم عن النكبة، وبدأت تضيع كلمات مثل "اغتصاب فلسطين"، و"حق العودة"،"وفلسطين عربية من النهر إلى البحر"، وأصبح عرب فلسطين هم عرب ضيوف في دولة جديدة اسمها "إسرائيل"، والأفضل أن يغادروا بيوتهم ويتركوها لأهلها الحقيقيين من الصهاينة.
يبدو لي أن الأقلام المأجورة والفضائيات المدسوسة ومن دار في فلكها لا يعرف أن الذي يسرق بيته، ويهجر من أرضه لن ينسى، ولو نسي الحكام والمجتمع الدولي، ولن يغفر، وسيبقى ينتظر ذلك اليوم للانقضاض على عدوه وإنه لآت، إن شاء الله،. وليفعل الحكام ما يشاءون وليبيعوا قطنهم وطعامهم وغازهم للصهاينة، ولتقف الفضائيات العربية صفاً واحداً خلف الكيان الصهيوني فإن ذلك لن يغير من الأمر شيئاً وإن هذا الكيان إلى زوال، اليوم أو غداً أو بعد غد.
إن وجود جورج بوش في القدس، والاحتفالات الهائلة عند الصهاينة بذكرى احتلال أرضنا، والتهاني التي قدمها المجتمع الغربي المتمدن لسارقي الأرض وقاتلي النفس لهي أدل دليل على أن هذا الكيان إلى زوال،. إنها مجرد استعراضات من شدة خوفهم من الزوال وسيزولون، إن الدولة القوية المتماسكة لا تحتاج أن تتعهد لها ألمانيا بالتعويضات وفرنسا بالأمن، وأمريكا بالدعم. إن "فنزويلا" على سبيل المثال لا تتلقى كل هذا التأييد وهي موجودة وعمرها آلاف السنين، أما الكيان الغاصب فإنما يتلقى هذا الدعم لمعرفة أصحابه بقرب زواله، ويعرفون أن كيانهم لا يملك مقومات الدولة وإنه إلى نهاية قريبة إن شاء الله.
إن أهل فلسطين والشرفاء من المسلمين والعرب لن ينسوا، وحاش لله، أن هذه الأرض أرضهم، وأن الصهاينة اليوم يستغلون خيرات بلادهم ويبيعونها ويمكنون أنفسهم بدعم غربي كامل، وعندما تقع عيني على برتقالة كتب على مصدرها "إسرائيل"، تعود بي الأحاسيس والذكرى إلى أرض فلسطين كل فلسطين فهذه البرتقالة من بيارات أجدادنا ويجري فيها طعم فلسطين وسقيت بماء فلسطين بل بدماء الأطفال والعزل في فلسطين، فمن سينسى، ولو نعقت الفضائيات وبعض حكامنا بالأمر الواقع والمجتمع الدولي طوال عمرهم، فكل ذلك إلى زوال.
إن المقاومة في فلسطين ليست مقاومة رد فعل على اعتداء، إنها مقاومة مستمرة ، مقاومة وجود، إن هناك رجالاً يدافعون عن أرضهم ولن يتوقفوا حتى تعود تلك الأرض، فلابد أن تعود، ولا بد للمحتل أن ينتهي ويسقط، ولعل ذلك قريب إن شاء الله.
اليوم نحن لسنا بحاجة لإحياء ذكرى النكبة نحن بحاجة إلى ريح هوجاء، فتاكة لا تبقي ولا تذر، نحن بحاجة إلى البنادق والسيوف، دفاعاً عن الأرض والعرض، نحن لا نحتاج إلى غضن الزيتون، اتركوه وشأنه عله يثمر رصاصات، دعوه صورة على صفحات الجبناء، دعوا حمامة السلام وشأنها، نحن بحاجة إلى وحدة أمة وقلب رجل وكلمة حق. أما السلام، فهذا بعد الحرب لا قبلها، وجبان كل من يحمل غصن الزيتون.
في ذكرى النكبة ...جبان من يحمل غصن الزيتون .... د. عوض السليمان

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية