أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حمص..الطريق نحو الهدنة

حــيّ جــورة الشّـــيـاح في حمص - عدسة شاب حمصي

لم تكن هدنة حمص القديمة وخروج المقاتلين منها بعد حصار فاق 700 يوم شيئا مستغربا أو حدثا غير عادي سوى لدى غير المطلعين بدقة على وقائع وتفاصيل ما يجري على الأرض هناك.

كان الحصار في البداية غير محكم تماما، كان هنالك الكثير من الثغرات التي يمكن أن يتلقى المقاتلون الدعم بشتى أشكاله عبرها، واستخدموا طرقا متعددة لخرق الحصار من أنفاق وقنوات الصرف الصحي وغيره.

كانت الروح المعنوية والقتالية لدى الثوار عالية في تلك المرحلة؛ كان لديهم كل الأمل بالصمود والقتال حتى النصر.

استمر النظام في إحكام سيطرته وبسط نفوذه وإغلاق المنافذ والثغرات التي كان يستغلها الثوار رويدا رويدا.

بدأ الحصار يصبح خانقا، وبدأ يتحول من حصار عسكري إلى حصار إنساني مع مرور الوقت ونفاذ الاحتياجات الإنسانية دون إمكانية تعويضها.

تحت ضغط الحاجات الإنسانية والمرضى والجرحى والنساء والشيوخ والأطفال المحاصرين بدأت الدعوات تنطلق لفك الحصار أو لإيصال المساعدات الإنسانية على أبعد تقدير.

محاولات فك الحصار عن طريق مقاتلين من الجيش الحر من خارج حمص باءت بالفشل عبر عملية "الجسد الواحد" ومن ثم عملية "قادمون".

بدأت الآمال برفع الحصار من الداخل أو الخارج تتضاءل تدريجيا، ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية سوءا؛ بات الحديث عن ضرورة البحث عن حل ما يطرح بقوة سواء بين المحاصرين أنفسهم أو من الخارج.

رفض النظام بقوة المبادرات الدولية لإدخال مساعدات إنسانية إلى حمص القديمة المحاصرة؛ وظهر أنه يريد استثمار حالة الحصار واستغلالها كورقة سياسية في الوقت المناسب.

بدأت تظهر مبادرات من داخل المحاصرين لعقد اتفاق ما مع النظام؛ وتلقف النظام ذلك، وبدأ يناور بشكل غير مباشر أو رسمي عبر بعض الوسطاء المقبولين منه ومن الثوار.

منذ أكثر من ثمانية أشهر بدأ يظهر في أوساط خاصة وضيقة اسم الطبيب الحمصي "أمين حلواني" كوسيط مقبول بين الثوار والنظام.

كان الدكتور أمين ينقل الرسائل بين الطرفين ويطرح صيغا توافقية بينهما؛ وقد توصل إلى صيغة شبه نهائية اتفقا عليها؛ ما جعله يسافر إلى السعودية للقاء بعض قيادات حمص الإخوانية وغيرها، ومن ثم سافر إلى دبي للقاء مندوب إيراني للحصول على ضمانات لتنفيذ الاتفاق.

بنفس الوقت كان هنالك مسار آخر للتفاوض غير المباشر مع النظام يقوده العقيد فاتح حسون قائد جبهة حمص بالتواصل مع بعض قادة الكتائب ويتم التفاوض برعاية الأمم المتحدة عبر المبعوث الخاص الأخضر الابراهيمي ومكتبه في دمشق.

كان هنالك تقارب كبير بين نتائج التفاوض في المسارين مع وجود بعض النقاط الخلافية التي يضعها النظام والتي تظهر في اللحظات الأخيرة لإفشال الاتفاق وكان يبدو ذلك متعمدا من قبل النظام.

عندما جاء استحقاق جنيف2 عمد النظام لاستغلال الحصار والظهور أمام الرأي العام العالمي بأنه يقدم مساعدات للمحاصرين؛ فتم إبرام اتفاق خاص بذلك برعاية الأمم المتحدة؛ تم عبره إدخال بعض المساعدات الإنسانية وإخلاء بعض الحالات الإنسانية من جرحى ومرضى وأطفال ونساء وشيوخ.

لكن المفاجأة كانت بخروج بعض المقاتلين وتسليم أنفسهم للنظام مخالفين بذلك شروط الاتفاق.

استغل النظام بشكل جيد مسألة خروج المقاتلين، فقام بإجراء تسويات معهم وأطلق سراحهم فيما بعد؛ كذلك يبدو أنه نجح في إدخال بعض العناصر المتعاملة معه في ظل حالة الفوضى والارتباك الناشئة.
كانت الهدنة بمثابة جرس الإنذار الأخير للمحاصرين بأن موضوع البقاء أو فك الحصار أصبح وراءهم وأن الخروج هو الحل الوحيد.

وما ساعد على تلك الحالة تناقص أعداد المقاتلين باستمرار وتلاشي الموارد الإنسانية لديهم.
بدأ التفاوض يتم بين لجنة أمنية ممثلة للنظام ولجنة من المقاتلين المحاصرين أنفسهم برئاسة الشيخ غزوان السقا.

توصل الطرفان لاتفاق بينهما كان من المزمع تنفيذه على الفور.

لكن الأوضاع تدهورت بشكل كبير بعد قيام الشبيحة بخرق الهدنة، حيث إنهم كانوا يريدون القضاء على المحاصرين قضاء تاما.

إلا أن قيام جبهة النصرة بعملية واسعة في جب الجندلي التي قتل على إثرها عدد كبير من الشبيحة، جعل النظام يرضخ ويقبل بالاتفاق الأخير بين الطرفين.

كانت المفاوضات الأخيرة تجري بإشراف مندوب حمصي اسمه جواد، من لواء الحق في الجبهة الإسلامية، وكان يتم التواصل مع وسيط إيراني.

وضع الإيرانيون شروطا موازية لاتفاق حمص يتعلق بفك الحصار عن مناطق شيعية في شمال البلاد رغم أن حصارها ليس محكما أو خانقا كحمص وهي مناطق نبل والزهراء والفوعة.

العرض السابق يؤكد لنا أن الهدنة ليست حدثا طارئا أو مفاجئا؛ بل هي عملية مستمرة منذ أشهر.

التنازلات التي قدمها النظام بحمص بالسماح للثوار يخرجون أحياء بسلاحهم سيعمد لاستثمارها بالحد الأقصى.

مسار الثورة والعمل العسكري بعد هدنة حمص يحتاج مراجعة جادة وجدية، ويجب تنظيم حملات إعلامية ممنهجة من قبل إعلام الثورة لاستيعاب الآثار النفسية نتيجة دخول قوات النظام لحمص القديمة عاصمة الثورة ورفعها علم النظام فوقها.

من كتاب "زمان الوصل" - خاص
(139)    هل أعجبتك المقالة (137)

أحمد الشامي

2014-05-07

أحيلكم إلى هذا المقطع من فيلم الإرهاب والكباب والذي يحاكي مايجري في حمص http://www.youtube.com/watch?v=FrObzR8jrGM.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي