من ذا الذي يظن أن آلة الاعتقال والبطش في سوريا قد تستثني الرياضيين؟! وهي التي تهز وتدك وتقتل وتنفي وتسبي كيفما اتفق، نهارا جهارا !
كانت مثيرة للدهشة حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها ولا تزال قوات النظام السوري على عشرات الرياضيين ممن أيد وشارك في ثورة آذار عام 2011، خاصة في المناطق القليلة التي ماتزال ترزح تحت سطوة النظام، ومنها العاصمة دمشق، عشرات الرياضيين أجبروا قسرا على الفرار خارج سوريا، بينما نزح آخرون إلى المناطق المحررة التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة، خاصة أولئك الذين تم إطلاق سراحهم بعد أشهر من اعتقالهم، تجرعوا خلالها صنوف التعذيب والتنكيل والمهانة.
ما ساروا سيرة الثائرين، ولا اختاروا حمل بندقية، أو الخوض في معركة لا يحسمها غير دم وبارود، في وطن كتب عليه القتال إلى أجل غير معلوم.
بين معتقل وفار، تنقضي أيام الكثير ممن عول عليهم لحمل اسم سوريا رياضيا، لكن اليوم، ماعاد شيء في الوطن يغري بالبقاء، في حرب استرقت منهم فائض مواهبهم حتى استكانوا بؤسا وقهرا.
*عامر...حلم "معتقل"
عامر، شاب إدلبي لم يمهله القدر ليحترف اللعب في نادي برشلونة الإسباني لكرة القدم، كما استبد به الحلم مذ صباه، وجد نفسه داخل المعتقل، يترك جلده على الآلات التعذيب، يبحث عن بصيص نور، وشمس الوطن تتوارى وراء نقاب الشفق، يمس على رأسه، عله ينفض بعضا من غبار ذاكرة سنوات عمره التي جاوزت 19 بغير قليل من الخيبات.
عامر الذي عرف صامدا جسورا على صغر سنه، كان بمثابة العون والسند لأسرته المكونة من ثلاث فتيات وثلاثة شبان، فر من حي القابون الدمشقي بعدما احتمدت فيه وتيرة المعارك، واستأجر بيتا يؤويه وأهله في منطقة مساكن برزة الآمنة نسبيا، لم يمارس أي نشاط سياسي أو إعلامي، لكنه سيق بتهم التحريض والإرهاب خفية صوب معتقل يعج بمن وجهت لهم ذات التهم، منذ ستة أشهر.
*وليد...لا مفر من الفرار
"وليد تلو" ، لاعب نادي الكرامة ومنتخب الشباب السوري لكرة السلة، لم يجد بدا من الهرب خارج سوريا، وهو الذي خبر يقينا أن أحلامه لا محالة ستضيع على جنبات زنازن النظام، كما ضاعت أحلام شعب هجر عنوة، ليعلم بعد حين أن حق العودة ليس سوى "يوتوبيا الآملين".
يقول وليد يغير قليل من الحسرة: "تركت البلاد في العام الأول من الثورة بعد تهديدات مستمرة بالاعتقال، لأنتقل بعدها الى شمال العراق وألعب مع نادي محلي براتب لا بأس به...".
*أب ...يروي
قصة رياضي آخر، يحكيها والده، رفض الكشف عن اسمه، "رغم أن ابني ترك ناديه الرياضي وأرسلته إلى المناطق المحررة بعد أن اضطررت لدفع مبلغ مليون ومئتي ألف ليرة سورية كرشوة لأحد ضباط المخابرات مقابل إطلاق سراحه، وهو الذي سيق من مكان تدريبه في العاصمة دمشق واعتقل لمدة شهرين".
ويؤكد والد الرياضي أن ابنه لن يعود إلى العاصمة دمشق ولن يستأنف اللعب مع ناديه، مادام النظام قائماً ومسيطراً على العاصمة، وأفرع مخابراته تعتقل الناس عشوائياً وتصفيهم في أقبيتها تحت وطأة التعذيب.
*بديع...رياضي عاطل
لا تختلف قصة بديع عن بقية زملائه، ممن فروا مكرهين خارج البلاد، بديـع لاعب في منتخب سوريا لكرة الطاولة، داهمت شبيحة وعناصر الأمن منزله الكائن في مدينة إدلب، فقرر الهرب إلى الأراضي التركية، باحثا عن أية فرصة عمل ليعين عائلته، مستبعداً فكرة الاستمرار في اللعب حالياً، لأنه وبحسب وصفه لم يعد لديه رغبة باللعب وسط حالة الموت اليومية التي تشهدها سوريا "ما ظل عنا نفس على شي...".
* النظام قتل 182 رياضيا
تعليقا على موضوع استهداف النظام للكوادر الرياضية الشابة في سوريا واعتقالها يقول عروة قنواتي الناطق الإعلامي للهيئة العامة للرياضة والشباب في سوريا إن الرياضة هي ركن مهم وشريان حقيقي بالمجتمع السوري، والنظام منذ بداية الأحداث حاول أن يحشد كل كوادر ألعاب القوى ليقوموا بمهمة التشبيح والمهمات الأمنية، لكن حين رفض البعض منهم المشاركة في القتل وقرر البعض الآخر الوقوف مع الثورة، كان لا بد للنظام أن يقتلهم أو يعتقلهم، لأنهم شقوا عصا الطاعة التي تحكم البلاد منذ أكثر من أربعين عاما.
من جانبه أشار منذر آقبيق مستشار الشؤون الرئاسية في الائتلاف السوري المعارض إلى أن النظام لا يستهدف فقط الرياضيين بل يستهدف الأطباء والمهندسين والمثقفين وحتى المواطن البسيط، موضحا أن الغرض من اعتقال اللاعبين نجوميتهم ومحبة الناس لهم، بالنظر إلى تأثيرهم في المجتمع السوري، وأضاف في تصريح خص به "زمان الوصل" نحن كائتلاف ندعم الهيئة العامة للرياضة والشباب، وكانت قد كرمت وزيرة الثقافة وشؤون الأسرة السورية عدداً من لاعبي الكاراتيه ممن أحرزوا ميداليات ذهبية في البطولة التي أقيمت في كوسوفو...".
ويضيف قنواتي بالقول إن جميع الرياضيين مستهدفون، سواء بالاعتقال أو القتل، "فحتى نهاية 2013 وثقنا أكثر من 182 شهيداً رياضياً من كافة المحافظات السورية باستثناء محافظة الحسكة وكان أولهم محمود الجوابرة لاعب نادي الشعلة لكرة القدم لكرة".
أما عن المعتقلين، فالهيئة وثقت أكثر من 198 رياضياً سورياً معتقلا في أفرع الأمن والسجون التابعة للنظام السوري ..".
وأعتبر قنواتي أن الغاية من تلك الاعتقالات هي ترهيب عائلات الرياضيين وبقية زملائهم للكف عن دعم الثورة أو المعارضة المسلحة، وعدم الانشقاق عن الفرق والأندية التابعة لنظام الأسد.
زمان الوصل - حازم داكــل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية