عصر السابع من أيلول الماضي حاصر أربعة رجال يبدو عليهم مظهر "الشبيحة"، رجلا في خمسينيات العمر في سوق الصالحية وسط العاصمة دمشق، وقاموا "بتشليحه" وأخذوا ما في جيبه من أموال دون أن يكون قادرا على فعل أي شيء سوى الامتثال لطلبهم أو التعرض لعواقب وخيمة.
“التشليح” مصطلح عامي يعني السرقة تحت تهديد السلاح، وتعني تماما سلب الضحية كل ما تملك حتى تبقى عارية من كل شيء.
مال، وأوراق رسمية، وهاتف نقال، وكل ما بحوزة الضحية من أغراض وممتلكات، وهو منتشر منذ أشهر عديدة بشكل واضح على الطرقات العامة بين المحافظات، وخاصة في ساعات الليل بوسائل منظمة وعصابات مسلحة بشكل جيد، ولذا انتشرت تجارة المواد المسلوبة في عديد المدن السورية سواء الخاضعة لسيطرة النظام أو الثوار.
وتعد طرقات حمص - تدمر، وحمص - حلب وسط البلاد والصحراء المحيطة بها، ومؤخرا طرقات دير الزور باتجاه الرقة والحسكة شرق البلاد، من أهم مناطق تواجد عصابات التشليح المعروفة لدى جميع أهالي المنطقة.
إلا أن انتشاره وسط العاصمة دمشق يعد مؤشرا خطيرا على ما آل إليه الوضع الأمني في المدينة وزيادة سطوة عصابات الشبيحة على المواطنين.
يقصد بالشبيحة، العناصر المدنية المسلحة المؤيدة للنظام، وغالبا ما يكونون من الطائفة العلوية، وخلال سنوات الثورة الثلاث، كانوا ينفذون عمليات أمنية إلى جانب عناصر الأمن وقوات الجيش.
الضحية في هذه الجريمة السابقة هو ابراهيم والذي يفضل مناداته بأبو خليل مع التأكيد على عدم كشف اسمه الحقيقي كاملا أو حتى التقاط صورة له لأنه يسافر إلى دمشق بشكل دوري لمتابعة أوراق رسمية عائلية ولأهل مدينته.
أبو خليل هو اسم مستعار، لأنه يخاف كشف شخصيته الحقيقية، ما سيعرضه للاعتقال على حواجز النظام وبالتالي الهلاك.
خلال حادثة السرقة، أعطى أبو خليل اللصوص خمسين ألف ليرة سورية (حوالي 300 دولار)، وأملا في أن يتركوه حيا، استجمع قواه، وقال لهم بهدوء، كيف سأعود لمدينتي وأنتم أخذتم كل ما أملك، فرق قلب اللص عليه وأعطاه 2000 ليرة (15دولار) لكي يعود لمدينته فورا.
أبو خليل الذي تعرض للتشليح والسلب تحت تهديد السلاح في وسط العاصمة دمشق جهارا نهارا دون أن يتمكن حتى من الاستغاثة بأحد، لم يكن الضحية الوحيدة في شوارع العاصمة فعصابات الشبيحة تستهدف كثيرا من المارة في عمليات التشليح وخاصة في سوق الصالحية وساحة المرجة وسط العاصمة دمشق، والتي يتوافد إليها الكثير من أبناء المنطقة الشرقية من سوريا، حيث تذكر أنباء عن تعرض الكثير منهم للتشليح على يد تلك العصابات، منها رجل سلب منه الشبيحة وسط ساحة المرجة الشهيرة 700 ألف ليرة ( 5000 دولار)، وأبقوا على حياته.
التشليح على الحواجز
لحواجز القوات النظامية واللجان الشعبية والشبيحة حكاية أخرى في التشليح، تشليح يأخذ شكل الاتاوة لمرور السيارات الخاصة والشاحنات وحافلات نقل الركاب ولكل منها تسعيرته الخاصة للمرور.
اللجان الشعبية، هي مجموعات مدنية مسلحة من سكان القرى الخاضعة لسيطرة القوات النظامية، وغالبا ما يكونون من الأقليات الدينية والطائفية.
ووفق ركاب يسافرون بشكل دوري ويمرون من تلك الحواجز فإن كثير منها وخاصة حواجز اللجان الشعبية و الشبيحة تفرض غرامات على الأوراق الرسمية الناقصة، فعلى الراكب أن يبرز للشبيح على الحاجز دفتر خدمة العلم ووثيقة تأدية الخدمة العسكرية والهوية الشخصية وجواز السفر إن كان مسافرا خارج البلاد، ونقصان أي منها يعني ألف ليرة سورية على الأقل (10 دولارات)، غرامة تذهب لجيب الشبيح.
ويروي كثير من الركاب عمليات التشليح التي تقوم بها حواجز القوات النظامية حيث تفرض أتاوة على كل راكب او سيارة أو حافلة أو شاحنة تنقل الخضار أو أي مركبة تعبر من الحاجز وتتراوح بين ألف ليرة وعشرة آلاف ليرة وفق مزاج القائمين على الحواجز، وطبعا، هذا كله يحصل مع الأشخاص الذين يعبرون من تلك الحواجز وهو غير مطلوبين للجهات الامنية، ولا ترد أسمائهم في كشوف المطلوبين.
تشليح ذوي القربى
على طريق دير الزور تدمر ( 300 كم شمال شرق دمشق ) وتحديدا عند منطقة هريبشة ( 420 كم شمال شرق دمشق)، بعيدا عن أي حاجز للجيش النظامي أو الحر، تنتشر مجموعات تشليح على دراجات نارية تقوم بسلب المارة وسرقة السيارات الصغيرة من أصحابها تحت تهديد السلاح، وعلى طريق دير الزور الحسكة بعيدا عن حواجز الجيش الحر تنتشر عصابات أخرى تقوم بتشليح السيارات المارة على الطريق.
وغالبا ما يكون اللصوص من سكان المنطقة أو القرى المحيطة بمنطقة نشاطهم وغالبا ما يكونون معروفين لدى السكان المحليين دون اتخاد تدابير حقيقية اتجاههم من قبل كتائب الجيش الحر أو النظام على حد سواء، فالعامل العشائري والقبلي يطغى على أي اعتبار آخر.
ووفق مصادر مؤكدة، قتل مؤخرا شخصان بدم بارد اثنان آخران بجروح وألقيت جثثهم في الصحراء على يد عصابة تشليح على طريق بئر نفط الملح في ريف دير الزور الشرقي ( 100 كم شرق ديرالزور)، وسلب صهريج نقل النفط الذي كانوا قادمين لملئه من البئر، وحجة التشليح والقتل التي تعرضوا لها هي أنهم غرباء.
فالغريب وفق التعريف المحلي في تلك المنطقة، هو كل شخص ليس من القرى المحيطة بالبئر، سواء كان من قرى بعيدة أو من مدينة دير الزور أو أي مدينة أخرى من المحافظة، أو من محافظة أخرى من سوريا، حتى أن حاجز "المشلحين" يوقف السيارة أو الشاحنة التي تمر في طريقهم ويسألونهم عن أصلهم وفصلهم ومكان سكنهم قبل اتخاذ القرار بالسلب والقتل أو السماح لهم بالمرور.
وأما ابن المنطقة فسيمر دون التعرض لأذى، يحميه عرف العشيرة وسلاحها المتوفر بغزارة، وأما الغريب فلا بأس من تشليحه بل حتى قتله في عرف العصابات المحلية المعروفة في المنطقة، دون الخوف من أي محاسبة، بل أن هنالك من يذهب إلى تبرير ذلك الفعل بأنه من حقهم أن يسطوا على الغريب.
نجاة أبو خليل هذه المرة كانت بأعجوبة، من ظاهرة باتت تنتشر بشكل مرعب في المشهد السوري، وإن كان المواطن السوري تحت سطوة النظام في دمشق وبقية المناطق الخاضعة له، بلا حول ولا قوة أمام التشليح على يد الشبيحة وحواجز اللجان الشعبية والجيش، فإن ظاهرة التشليح التي تنتشر في المناطق الخاضعة للثوار تحتاج علاجا مستعجلا ولو كان اللص ابن عم أو من ذوي القربى وإلا، ...
داني مراد - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية