أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صيد البطّ في موسم الانتخابات...!! ... راشد الأحمد





سوريا تجربة فريدة من نوعها، تختصر كلّ تجارب الدّول بكلّ مذاهبها وأيديولوجياتها وقومياتها ومللها ،فلم تكن لا رسالتها خالدة ،ولا أمّتها واحدة ،بل كشفت أنّها مجموعة أقليات ضمن أقليات ،مذاهب وقوميات تزوّجت زواجاً عرفيّاً لتكوّن أمّة واحدة ،ومن ينكر يستطع أن ينظر إلى التقسيمات والرايات والبيادق وأسماء الفصائل الطّائفيّة وميولها الأيديولوجيّ ،فكلّ حجج الدّنيا لا تكفي أن يقنع فصيلٌ ،فصيلاً آخر بأفكاره وسياسته في واقع حال الدّولار السّياسيّ ،الحلم الطّائفيّ المحليّ والعالميّ الذي أخذ من التنظير وسيلة في فرض أراء لشخصيات كوميديّة ساخرة ،فسوريا التي باتت أشبه بغرفة عناية مشدّدة يمكن معاينتها على مكاريد شبكات التواصل الاجتماعيّ ،فالخط البيانيّ الذي يمشي عليه حطام الرّبيع المجنون - الذي لم يخطر في باله مدى وساخة روسيا وأمريكا ،اللتان لم تقفا يوماً إلاّ مع مصالحهما – انحرف عن مساره بفعل فاعل لم يحسب له حساب فأردف المفعول به بكفٍ حاد نذق على قفاه جعله أن يعيد حساباته .


الرّبيع التونسيّ ،والمصريّ ،والتناحر القبليّ في ليبيا ،والولادة اليمنيّة ،كانت من أسباب تخبطهم هو عدم التّوافق مع القوى الدّوليّة ،وما هو قائم كفيل لإقناعنا أنّ وراء أي دولة عربيّة مستقرّة مشروع استعماريّ بتبريكات صهيونيّة ،والشّعار الرّائج أنّ الشّعب يريد إسقاط النظام دونما بديل تناسب دبلوماسيّة المجتمع الدّوليّ ، صار شعاراً مشروخاً يسقط نظام ليرفع نظام لا يستمر سوى شهور لتتلوّى تحت نفس الشّعار، فمن الصّعب أن تجد أغلبية متّفقة على برنامج حزب أو شخصيّة، أو طائفة ،أو مذهب ،وواهم من يعتقد أنّ الأنظمة والدّول والأقاليم تتشكّل بسواعد ،والقوة العسكريّة دون إجماع وموافقة دوليّة .


ثمّة مفهوم ديمقراطيّ بدائيّ يجتاح موسم الانتخابات في الدّول العربيّة بنفس أوتوقراطيّ مهيمن، في شقّه الأوّل كنسخة تجريبيّة نستطيع أن نستشهد بانتخابات بوتفليقة المتقاعد السّاخرة كبروفة دون أي خصومة، وترميم حكم مبارك في الدّولة البوليسيّة بصيغة انتخابية مفعمة بالمونولوج السّينمائيّ فيها السّيسيّ هو المعتدل الأنيق كبديل عن الإخواني مرسيّ الذي لم يقبل بمنطق فيفي عبدو ،وترميم الدولة بصرعة البوتيكس ،والمؤخّرة الثقافيّة بخصومة وهميّة لحكومة تعيد انتخاب ضابط برتبة مشير،و في الشّق الثاني نرى دبلوماسيّة إيران الّتي أسقطت أمنيات ما يقارب مئة دولة أرادتْ إسقاط النظام السّوريّ ،وإيجاد مفهوم ليبرالي وقانونيّ في لبنان والعراق ،بعزل هيمنة المرشد الأعلى ،فكانت النتيجة أن رضخوا للحلم الفارسيّ عن مضض مع المقاربات الدوليّة الّتي لم تكن بروباغندا إعلاميّة ،بل فكر وسياسة دبلوماسيّة باتفاق إيرانيّ أمريكيّ مزدوج لتشكيل أقاليم تكرس الطّائفة والعرق وبسط النفوذ ،بعد السّيطرة على الحكم ،فنجحا رغم التناقض في الإسهاب لعقود طويلة - كما في العراق ولبنان - في تكفير المذاهب الأخرى ،عن طريق خلايا نائمة وأخرى تنظر بعينٍ واحدة بالولوج تدريجياً إلى سلالة العائلة السّوريّة ،إيران التي كانت تمنع على ملاليها الدّخول إلى سوريا في حكم الرّئيس حافظ الأسد ،باتت اليوم تريد الخير للأخوة العلويّة ،وتدافع عن مراقدها تحت اسم المذهب المشترك ،فهل السّيدة زينب فارسيّة حتّى تعني لهم أكثر ما تعني للسنة..؟ استطاعت تأليب الشّارع السّوريّ والعراقيّ واللبنانيّ بكلّ مذاهبه ،وتركيباته الفسيولوجية المعقّدة ،لتصب كلها في مصلحتها ،بعد أن جعلت من المذهب عنواناً للتناحر العلويّ السّنيّ الشّيعيّ ،إيران التي تعجّ في مخيخ ملاليها أبغض أنواع الحقد والكراهية تجاه المسلمين كتجّار الدّين ،إيران التي دعمت حركات المقاومة في لبنان وسوريا وفلسطين وحتّى العراق ،لتنظر إليها كإله منتظر ،اليوم لم تعد محترمة ،فالثلج ذاب ،وبان المرج ،والرّبيع تحوّل إلى صيف محرق.


كل الانتخابات الجارية ،والتي جرت هزلية ،ضمن ديكورات خارجيّة ،فيها آليات الانتخاب ،وبرنامج الناخبين هو ابتكارات بمفهوم ،ومنطق السّادة والعبيد، والفيتو الانتخابيّ ،وقوائم الظّل ،والفوز بقدرة قادر ملامحها واضحة على وجه المنتصر قبل أن يترشّح أصلاً ،بينما المعارضات التي لا همّ لها سوى التنظير والشّتم والاستعراض بتفكير انتهازي كأوهام الصّحاف العراقيّ ،واقفين بين زمنين متناقضين ،مع حلفائها الكبار ،والتي كذبت على مناصريها ،وأكلت من الجمل حتّى أذنيه ،آملين أن يتحوّل كل الشعب إلى متسولين في شوارع دول لا تقبل بهم ،منطقهم أسوأ من منطق الحكومات المستبدّة القائمة ،كما المعارضة السّوريّة ،وحليفتها تركيا، بعد أن نجحت الأخيرة في النقر على الوتر الدّينيّ ،وأوهام الدّيمقراطيّة المتخندقة ،التي أصحابها سليل القتل المختلق ،في طريقٍ كلها فيضانات وسيول سياسيّة ،ومنخفضات ربع خالية ،ولكن عند اللزوم تفضل ضريح المقبور < سليمان شاه > وفكرومشتقّاتها على كلّ الشّعب السّوريّ ،ولأنّنا شعوب طيبة وكسولة هاجسنا الوحيد العيش بكرامة في ظلّ ما تسمّى الدّيمقراطيّة، فيها نخبنا السّياسيّة نالت علامة الصّفر بالمصداقيّة ،ها نحن نتفاجأ بسيول الصراعات ومفاوضات الأماني الشّاقة بين أنفسنا.



أمّا مختبرات الرّبيع المضحك للخلافات الكُرديّة في جوّ تلك الانتخابات - المرتبطة بمصير وتشابك الصّراعات والنفوذ بين سياسات التتريك ، والتفريس ،والتعريب البعثيّ- مازالت قائمة كانت آخرها ،عندما أغلقوا الباب الذي يصل مناطقهم ببعضها ،فاختلفوا على الشبّاك ، في ظلّ فرز كانتوني شبه تناحري في العائلة الكُرديّة ،فقُسّموا بين خيارات الممانعة ،والطيب رجب المعتدل ،تحوّلوا إلى مجموعات استهلاكيّة معزولة، ومحرومة حتّى من التمثيل السّياسيّ شبيهة بالبعث ،كان الأجدر بهم أن يعلنوا ربيعاً كُردياً ضدّ أحزابها ،التي تركض سعياً في أخذ لحسة أصبع ،أو كسرة خبز من الحساء الإقليميّ والدّوليّ المتبقّي ،ولمن يريد معرفة قصّة صيّاد البطّ ،الذي رأى سرباً من البطّ قريباً من شاطئ بحيرة أسرعت بالفرار عندما حاول أن يمسك إحداها ،كان في كيسيه قطعة خبز فراح يغمسها بالماء ويأكلها ،فمرَّ به أحدهم وقال له: هنيئاً لك ما تأكله فما هذا؟ فأجاب: هو حساء البطّ، فإذا فاتك البطّ فاستفد من مرقه.

كاتب و إعلاميّ سوريّ
twitter: @rashedalahmad2
facebook : rashed.alahmad



(113)    هل أعجبتك المقالة (126)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي