لم يمض يوم واحد، على جريمة استهداف مدرسة (بدر الدين الحسني) في حي الشاغور الدمشقي بقذائف الهاون، في الثامن والعشرين من نيسان (إبريل) الجاري، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 17 طفلاً وجرح العشرات، في وقت تشير فيه كل الدلائل إلى أن قوات نظام الأسد هي من أطلقت تلك القذائف... إذ لا مصلحة لـ (المجموعات الإرهابية التي تستهدف الأقليات) كما يدعي النظام... في استهداف مدرسة شرعية في حي سني، وترك المستوطنات العلوية التي تحيط بدمشق، والتي تمتلأ جدرانها بعبارات: (الأسد أو نحرق البلد) تنعم بالأمن والأمان... حتى وقّع نظام الأسد يوم التاسع والعشرين من نيسان (إبريل) توقيعاً مميزاً وحصرياً، بسلاح الطيران الذي لا تمتلكه المعارضة المسلحة، على مجزرة مدرسة (عين جالوت) في حي الانصاري بحلب، أثناء إقامة المدرسة لمعرض يتضمن رسوماً للأطفال... فاستشهد نحو (30) طفلاً مع أهاليهم من أبناء حلب.
قناة (الجزيرة) عنونت فترتها الإخبارية (حصاد اليوم) بالقول: (صمت دولي بعد مجزرة أغلب ضحاياها أطفال في قصف مدرسة بحلب) مشيرة إلى أنه لم يصدر، حتى بعد اكثر من اثنتي عشرة ساعة، أية أصوات تدين او تندد بالمجزرة التي يجب أن نلاحظ، أنه لا مجال لاتهام المعارضة فيها، لأنها جاءت نتيجة غارة جوية، وان معظم ضحاياها من الأطفال الذين اختلطت دماءهم بألوان رسوماتهم التي اصطبغت بالأحمر القاني!
في سياق آخر... ذكرت صحيفة (ديلي تلغراف) البريطانية أن لديها أدلة، تثبت أن قوات الرئيس السوري بشار الأسد شنت هجمات بغاز الكلور على المدنيين، خاصة الأطفال. وقالت إن تلك الأدلة أظهرتها نتائج فحوص أجريت حصريا للصحيفة، بعد جمع عينات من التربة من مناطق استهدفتها هجمات قوات الأسد في الآونة الأخيرة. وأكدت الصحيفة البريطانية أن النتائج أظهرت آثاراً من غاز (الكلور) و(الأمونيا) في تلك المناطق. وأفادت أن تلك الغازات أطلقت عبر مروحيات، واتهمت النظام السوري بشنّ تلك الهجمات لأنه وحده القادر على توجيه ضربات جوية!
هذا غيض من فيض مسلسل الجرائم اليومي هذا الأسبوع فقط... في حين أن هذا المسلسل الدامي لم يتوقف منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وهذه عينة من حوادث تشير كل الدلائل إلى أن مسؤولية نظام الأسد عنها حصرية، وغير قابلة للتكهن... وضحاياها من الأطفال، وليسوا لا مسلحين ولا جهاديين ولا قاعدة ولا نصرة... ومع ذلك فالعالم صامت. العالم تعب من التنديد وبيانات الشجب والإدانة... فراح يتفرج ببرود على مسرحية النظام الهزلية، التي ترشح فيها مجرم الحرب بشار الأسد لولاية ثالثة، مع عشرة مرشحين آخرين، نبتوا هكذا فجأة بعد (7) ولايات رئاسية على مدى (44) عاماً، اعتاد فيها الأسد الأب، ثم الوريث الابن، على الترشح بمفردهما دون أي مرشحين منافسين!
سوريون مهجرون بالملايين في المخيمات، ومئات الآلاف من الشبان قضوا شهداء وهم ينتزعون بشجاعة لا مثيل لها، حرية وطنهم من عائلة وطائفة استبدت في حكمه على مدى أربعة عقود، والعالم يكتفي بالتفرج... عشرات المجازر التي طالت أطفال لا ذنب لهم سوى أن ضوءا أخضر أعطي للنظام المجرم كي يفعل بهم وبأهاليهم ما يشاء، ويقتلهم في بيوتهم وفي مدارسهم وباحات ملاعبهم، والعالم يتفرج... خمسة وخمسون ألف صورة نشرت لإحدى عشر ألف شهيد تحت التعذيب في سجون الأسد، سلمت لشركة محاماة بريطانية معترف بتقاريرها دولياً، للتحقق من مدى صحتها... وصدر التقرير يشير بصحة كل الصور، ونشرت على نطاق واسع، ولم يقم العالم باتخاذ أي إجراء ولو شكلي لمعاقبة النظام على هذه الجريمة البشعة والموثقة بالصور... وبقي العالم يتفرج!
العالم العربي الذي جمعته بالسوريين وحدة الدم والمصير كما كنا نقرأ في كتبنا، بات ينكل بالسوريين جهاراً ونهاراً، وكأنهم هم المسؤولون عن قتل النظام لهم. الكثير من الدول العربية أصدرت قرارات بمنع استقبال السوريين، فهاهنا لا معنى للظروف الإنسانية، ولا محل لأسرة مكلومة هربت من تحت القصف والدمار ومن وحوش الاغتصاب من عصابات الأسد... ولا مكان لطالب يريد أن يتابع دراسته الجامعية خوفاً من ضياع مستقبله. السوريون في (بلاد العرب أوطاني) مطرودون من المطارات، ممنوعون من الإقامة كضيوف أو لاجئين في كثير من الدول حتى لو كان باستطاعتهم ان يعملوا ويستأجروا بيوتاً ويدفعوا ضرائب. في الأردن: كل مشكلات المعيشة بات سببها السوريون... وفي لبنان الذي طالما فتحت سوريا أبوابها لأبنائه، تؤجر الخيمة للأسر السورية المتشردة بمبلغ لا يقل عن (600) دولار سنوياً، ويعامل السوري بعنصرية وازدراء ولغة كراهية، تبدو عنصرية إسرائيل مع عرب 1948 سلوكاً مشكوكاً في فظاظته!
لا أريد أن أسرد قائمة الكوارث التي انزلها العالم والأشقاء العرب على رأس السوريين، عقاباً على مطالبتهم بالحرية بعد أربعة عقود من القهر والذل وحياة السجون والتعذيب والاستبداد الذي لم يعد يحتمل، لا أريد أن أتحدث عن مرتزقة المحللين اللبنانين والمصريين والفلسطينيين الذين يدافعون عن جرائم الأسد، ويبرؤونه من جريمة الكيماوي وسائر الجرائم الأخرى، وهم يعلمون عن أي نظام مجرم يدافعون؛ لكنني أريد أن أتساءل فقط: كيف لهذا الشعب ان يحتمل كل هذا الظلم الدولي والعربي؟! كيف له فوق وحشية النظام الطائفي الذي يستخدم الطيران والصواريخ والمدفيعة والبراميل المتفجرة منذ أكثر من عامين، على مرأى من عالم لم يصدر أي قرار يحمي المدنيين... أن لا يفقد إيمانه بعدالة هذا العالم وأنتم لا تتفرجون على مأساته فقط، بل لا غضاضة لديكم في دعم قاتليه... وفي مهادنة جزاره... وفي صم آذانكم على سماع أصوات آباء يحملون أشلاء أبناءهم على الشاشات أمامكم، وتطلقون كرنفالات الألعاب النارية كي تغطوا على كرنفالات الدم اليومية، وصقيع البرد القاتل، والحر القائظ في خيام التشرد واللجوء؟!!
أيها العرب والمسلمون: التاريخ يسجل، وذاكرة الضحايا لا تنسى، والمعروف عند الله لا يضيع، والحساب عند رب الخلق والحساب... فلا تدفعوا أخوانكم السوريين لكي يكون شعباً من الحاقدين... لا تسدوا منافذ الأمل في وجه السوريين إلى الحد الذي يتحول كل سوري إلى عنوان لليأس والقهر والخذلان. لا تشيحوا أبصاركم وأسماعكم عن السوريين البسطاء حين يكتبون: (اللهم اخذل كل من خذل سورياً في غربته)... تخيلوا أنفسكم للحظة واحدة محل أب مكلوم، وأم ثكلى، وطفل يخرج من تحت أنقاض بيت قصفته طائرات وصواريخ الأسد... فما الحياة إن لم تكن نصرة لأخ مظلوم، وإغاثة لمهلوف تقطعت به السبل، وكلمة حق في وجه سلطان جائر وقاتل واخرق؟!
أيها العرب... أيها المسلمون... أيها العالم: السوريون أمانة في أعناق الأحرار، وستسألون يوم لا ينفع مال ولا بنون... إلا من أتى الله بقلب سليم!
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية