صباح الأربعاء الماضي توجهت إلى دائرة ترخيص السواقين والمركبات لأجدد ترخيص سيارة تعود للعائلة، ورغم أن هذه الإجراءات يمكن أن يقوم بها أي كان، إلا أن الدائرة تطلب ''لغاية أجهلها'' أن يقوم بهذا الأمر مالك المركبة، أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى.
دخلت المركبة إلى طابور الفحص، ثم إلى رئيس اللجنة، حيث أتمت الفحص بلا مشاكل، ثم أتممت كل الأمور المتعلقة بالإجراءات المكتبية من إصدار سجل المخالفات وتسديدها، وإجراءات التأمين وغيرها، وأنهيت المعاملة، لكن الوقت لم يسعف كي تتم قبل الساعة الواحدة، وهو الموعد الذي تحدده الدائرة لاستقبال أخر معاملة أو مراجع، وبسبب الانشغال رجعت لأنهي المعاملة يوم السبت، حيث لم يتبق سوى إصدار الرخصة الجديدة، وبعد طابور طويل فوجئت بالموظف المختص يطلب إلي أن أعيد ختم المعاملة من مكتب المخالفات، رغم أن كل ما على السيارة تم تسديده، وأنا أعلم يقيناً أنه حتى لو صدر بحق المركبة أي مخالفة في ظرف اليومين السابقين، فلن تكون قد نزلت على نظام تسجيل المخالفات، إلا أنني سلمت أمري لله، وعدت لختمها وبعد طابور جديد أكثر طولاً وصلت إلى ذات الشخص الذي نظر إلى المعاملة، وطلب أن أجدد ختم رئيس اللجنة، وعندما حاولت الاستفسار عن السبب، خصوصاً أن المفروض أن هذه المعاملة بطبيعتها لها صلاحية تمتد لشهر كامل، دون أن أضطر لتجديدها لم يكلف الموظف خاطره بالإجابة وأصر أن أجدد ختم رئيس اللجنة، وفي محاولة لاختصار الوقت وتوفير الجهد توجهت إلى رئيس اللجنة - الذي وللصدق كان متفهماً - مشياً على الإقدام بعد أن أوقفت السيارة في الكراج في موقع يقابل تماماً مكان وقوف اللجنة، فنادى رئيس اللجنة على أحد الأفراد المسؤولين عن الختم، وقال له ''اختم المعاملة'' وانصرف الرئيس ، فوجدت الشرطي الذي كلفه الرئيس بالختم يطلب مني أن أحضر السيارة إليه، وعندما أشرت له إلى مكان السيارة التي لا يفصلها عنه سوى بضعة أمتار أصرّ أن أحضرها إليه عبر طابور الفحص المعتاد ''بحجة أن توقيع الفاحص مر عليه يومان''، وطبعاً هذا استدعى الوقوف لحوالي نصف ساعة في الطابور، وعندما أردت أن أشرح للفاحص المسألة رفض النقاش، وأصر على إعادة فحص السيارة، وطبعاً فقد فحصها ثم دخلت إلى فحص الكمبيوتر، لأفاجأ بالضابط المسؤول يستفسر عن سبب وقوفي في طابور الفحص لأن السيارة من موديل حديث لا يستوجب فحصها فنياً، وطلب إليّ أن أتوجه مباشرة إلى رئيس اللجنة، وبعد طابور طويل آخر من السيارات وصلت رئيس اللجنة فقام بإعادة الختم، بعد أن تبين أنه في المرة الماضية كان الضابط الذي يجب عليه أن يختم المعاملة قد وقعها دون أن تختم، أو بالأحرى كان الختم على طريقة ''التحسيس'' أي أنه بالكاد ترك أثراً على الورقة فختمها الرجل ''وثقل ايده بالختم''، وعندما ذهبت لأنهي المعاملة كانت الساعة قد دقت الواحدة، مما يعني العودة مرة ثالثة، وإهدار يوم عمل ثالث لإنهاء المعاملة.
في اليوم الثالث عدت منذ الصباح الباكر، وكانت المعاملة تامة مئة بالمئة، وبعد طابور قصير هذه المرة طلب إليّ الموظف ملء نموذج بيانات مالك السيارة الذي لم يطلب مني ولا من غيري في المرتين السابقتين، وكان كل من أنهى معاملته لا يحمل مثل هذه الورقة، المهم توجهت إلى مبنى آخر، حيث ملأت النموذج واضطررت لإجراء عدة مكالمات هاتفية للتأكد من بعض البيانات، وعندما قدمت النموذج للموظفة لختمه، لم تكلف خاطرها مجرد النظر إليه، فختمته مباشرة وأظن أنني لو قدمت لها ورقة بيضاء لختمتها أيضاً...
مرة أخرى عدت إلى طابور التجديد، وبعد طابور عاشر أو أكثر وصل دوري، ومع دوري تعطلت آلة الطباعة، فأمرت أنا وزملاء سُخرة الطابور بتوزيع أنفسنا على طوابير أخرى والوقوف في دور جديد، وبعد وقت طال أو قصر وصل دوري، لأفاجأ بأن الموظف الذي كنت أقف عنده أول مرة، وتعطلت آلته، أحضر إلى الموظف الذي كنت أقف أمامه عدة معاملات كان استلمها من أصحابها، ولم ينجزها بسبب تعطل طابعته، وطبعاً اضطررت لانتظار آخر ريثما أنهى المعاملات، ثم تفرغ لمعاملتي وأنجزها....
إذن، فإنجاز معاملة بسيطة واعتيادية ويحتاجها مئات الآلاف من المواطنين استغرق مني ثلاثة أيام، والله أعلم كم يستغرق من غيري، والسبب كان ''تناحة'' موظف حيناً، وجهل آخر حيناً آخر، ورفض ثالث لأن ينفذ أمر رئيسه حيناً ثالث...
لكن أكثر '' ما يبط الكبد'' ويقهر النفس في الموضوع أنه من باب الدائرة إلى محرابها عشرات اللوحات التي تحمل شعارات برّاقة عن سرعة الإنجاز، وكفاءة الأداء، وأهمية الدقة والإخلاص والتفهم بالعمل، وكلها كما اعتدنا في وطننا الحبيب ''مطبقة مئة بالمئة'' على قاعدة ''بلو واشرب ميته''....
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية