أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

شيطنة رموز حمص.. لمصلحة من؟... وليد الفارس*

من حمص المحاصرة

بكل تأكيد إن مواصفاتنا كبشر بعيدة عن المواصفات الملائكية، والإنسان وإن كان يحمل بين جنبيه صفات الخير وصفات الشر، إلا أن المطلوب منه إخراج أفضل ما عنده أثناء التعامل مع إخوانه البشر، ولو بذل أقصى ما عنده، فهو لن يرقى لمستوى الملائكة وعصمتهم وقدسيتهم.

المواصفات الخيرة والجيدة، بالمطلق ليست جيدة أثناء القياس والتعامل الدائم، فلنأخذ مثالاً صفة "التنظيم وحسن التدبير"، إنها صفة مميزة للقائد وتأتي بنتائج وثمرات مباركة، لكنها تحمل في طياتها روتيناً مقيتاً وبيروقراطية مكروهة، ولنأخذ مثلاً صفة "المهنية والتخصص"، هي صفات حميدة في الأعمال التي يتخصص بها صاحبها لكنها قد تؤدي غالباً إلى أن صاحبها جاهل بكثير من الأمور الأخرى خارج تخصصه، أيضاً صفة "الحماس والاندفاع للعمل"، صفة جيدة لكنها أحياناً تؤدي بصاحبها ومن معه إلى التهلكة أو إلى اتخاذ قرارات خاطئة.

هكذا علينا أن نأخذ صاحب الصفة على حاله، فكما هو يستخدمها في كثير من الأحيان في عمل ذي نتائج محمودة، علينا أن نتحمله عندما يستخدمها في قليل الأحيان لنتائج غير مرغوبة، فـ"الغنم بالغرم"!.

سنأخذ –مثالاً- المنظومة الإدارية في مدينة حمص، القيادات العسكرية، الطبية، الخدمية، الإعلامية، الذين استطاعوا أن يتصدوا لقوات النظام طيلة عامين ونصف سابقين، وقتل منهم –نحسبه شهيداً- من قتل، وأصيب من أصيب، وخرج من المعركة من خرج، لكن في النتيجة ألم يقزموا النظام ومن معه من إيران وروسيا وحالش أمام العالم أجمع!؟، ألم يضعوا المجتمع الدولي في غرفة أحرج الزوايا؟، ألم يعروا من تخاذل عن نصرتهم حتى لم تبقَّ حتى لم يجد ورقة التوت ليواري سوءته؟، ألم نصل إلى المستوى الذي بدأ الناس يذكرون حمص المحاصرة فتتبعها دمعة أو إطراقة رأس؟، وقبل كل هذا وبعده ألم يقدموا أسمى نماذج التضحية والثبات؟، أليست أخطاؤهم ومشاكلهم ناتجة عن هذه الأعمال الحميدة الطيبة؟.

دعونا نسأل شخصاً من محافظة أخرى، أو سورياً خارج بلده، عن رموز حمص وقياداتها، ستجده يبدأ بسيل من الأخطاء والعثرات يهدم الجبال، بل ربما تجده يلصق بهم من الأمور ما يجعلهم شياطين "بقرونٍ وذنب" كما تصورها برامج الأطفال، ولنذهب لـنتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لنجد أفظع وأكثر من ذلك.

لن نخوض في تحميل غيرهم المسؤولية معهم، فهذا بلد للجميع وعلى الكل أن يتضامنوا لبنائه، وليست مؤسسة أو منزلاً، لكن دعونا نسأل هذا السؤال الذي يتعلق بتحويل أولئك "الرموز" الذين قدموا وضحوا، دماً، ومالاً، وأولاداً، وحاضراً ومستقبلاً، وقدموا أبدانهم وأرواحهم أحياناً، فلنفكر بصوتٍ مرتفعٍ قليلاً، من له مصلحة بشيطنة ذلك الشيخ الجليل، الذي كان مغترباً في دولة خليجية ويعيش كأحسن ما يعيش البشر، ويتمتع بمستوى علمي عالٍ، ويتكلم بعض لغات، وقد زار الدنيا وتتلمذ على يد كبار العلماء، ثم ترك كل هذا وجلس على الجبهة مغبر الثياب، جائع البطن، مستقبلاً الموت!، ومن له مصلحة بشيطنة ذاك الشاب الذي تخرج من أعرق جامعات العالم وكان يعيش في أوربا، منعماً مكرماً، مع زوجه وأولاده ثم يأتي ليجلس تحت الصواريخ، ويتحمل كل السخافات والولدنات ممن يجادلونه بدون أدب، من له مصلحة بشيطنة ذلك العالم -الذي لم يبقَ لنا غيره داخل حمص-، وقد خصص وقته كله للثورة، ووزع أولاده على الجبهات فأتى الأول محملاً ليدفنه بيديه فرحاً بشهادته، ثم يحث الثاني على الصبر والثبات، ومن له مصلحة بشيطنة ذلك الضابط ذي الرتبة العالية الذي ترك الأسد ومن معه هرباً من نعيم الظلم إلى جحيم الكرامة والعدالة، متلقياً تهديدات بالموت من النظام الذي انشق عنه ومن "داعش" التي كفرته، وغيرها من الأمثلة... سبحان الله!.

هل التعامل مع هؤلاء الرموز بهذه الطريقة، مدخله الدين والشرع؟، المبني على حسن الظن وستر العورات والنصح بالسر، أم مبني على أخلاق الثورة التي قامت لأجل التسامح والتجاوز ورفض الإهانة وإحقاق الحق؟، أم على التربية الحمصية الطيبة التي يتمتع بها أهل حمص؟.

"الإنسانية"، هذه الصفة الجميلة المباركة المكرمة، التي اتصف بها البشر، تحمل في طياتها وبين جنباتها الصفات الحسنة الطيبة، وتحمل في طياتها أيضاً صفات الخطأ والسهو، فالغرم بالغنم! ولست في صدد الدفاع عن خطأ أحدٍ أو مناقشة ذلك الخطأ، لكنها لفتاتٌ إلى مرضٍ خطيرٍ انتشرت عدواه في الآونة الأخيرة، ألا وهو "إنزال الرموز إلى صفة الشياطين"، وما تحمله من مخاطر، وهي دعوةٌ لإرجاع الأمور إلى نصابها وتقويمها بالطريقة المنطقية، ومحاولة لفت النظر والتساؤل عن المستفيد منها.

*كاتب من حمص المحاصرة
(156)    هل أعجبتك المقالة (137)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي