أمام البساتين، في الرصيف المقابل لبداية شارع خالد بن الوليد أو "الخراب" كما هو معروف بين أهل حمص، تقف مذهولاً أمام شارعٍ كان حيوياً منذ أشهر قليلة، وانقلب إلى خراب حقيقي ترصده فوهات القناصين المنتشرة بين الأشجار والحشائش الظاهرة أمام العيون، في هذه اللحظات تجول في النفس أسئلة كثيرة بينها سؤال يأتي أولاً لأهمية اللحظة الراهنة، ترى كم سيصبر القناص على وقوفي هنا؟!
حوالي 2 كم طول الطريق المتعرج، ومئات الأمتار فقط بخط نظر ثابت يفصل "الخراب" الوعر المحرر والمحاصر عن حي "الحمرا" الخاضع للسيطرة الأمنية المُحكمة، والواقع ضمن ما يسمى الأحياء الآمنة، "الآمنة إلا من قذائف الهاون والقناصين"!
الجمعية الأشهر فارغة
استغربت ومن معي أن يكون المقر الرئيس لجمعية البر والخدمات الاجتماعية، كبرى الجميعات الخيرية في حمص وأقدمها وأكثرها شهرة، أن يكون عبارة عن بضع غرف تابعة للجامع العمري المحاذي للبساتين مباشرة، هذا الاستغراب يأتي من خطورة المكان المُختار والذي يعرض المستفيدين من خدماته في أي لحظة للقنص كون الطريق إلى الجمعية محفوفا بمخاطر الرصاص متى شاء جيش النظام ذلك.
أكثر ما يثير هنا أن الجمعية فارغة من المساعدات منذ فترة طويلة والمستفيدون يذهبون ويأتون تحت خطر مؤكد دون أمل في الحصول على أي كسرة خبز يعينون بها أطفالهم وذلك لعدم موافقة النظام على دخول قوافل الإغاثة لجمعية البر ولغيرها من الجمعيات الفاعلة على الأرض، مما يؤكد أن الحي محاصر أكثر من كونه محرراً.
الهوّة بين الوعرين
يكفي أن تقوم بجولة صغيرة في شوارع الوعر، لتكتشف الوضع الغذائي المزري الذي يعيشه الحي. فالمحال مقفرة تماماً إلا من بعض أنواع المعلبات والبهارات، وقد يكون السكر السلعة الأندر وجوداً حالياً، وإن وجدت فإن سعر الكيلوغرام الواحد منها بسعر الجواهر لندرته، فأصبح من البديهي عندما تزور أحدهم في ساعات الهدوء القليلة التي يمر بها الحي أن تكون الضيافة شاياً بلا سكر.
الفواكه أصبحت من الماضي منذ فترة طويلة، وأنواع الخضار الأساسية تدخل الحي حسب مزاج الأجهزة الأمنية، ففي أحسن الأحوال تدخل الحي سيارتا خضار كل ثلاثة أو أربعة أيام، لا تكفي ألفا من أصل مئتي ألف يقطنون الوعر بشقيه القديم والجديد.
سيارتان فقط قادرتان على كشف الهوّة بين الوعرين القديم والجديد، ففي القديم سيارة الخضار تقسم إلى حصصٍ متساوية، وتوزع على أهالي الوعر القديم بالتساوي.
بينما ما يدخل الوعر الجديد يكاد لا يرى إما لقلته مقارنةً بعدد السكان الكبير نسبة للوعر القديم أو لسيطرة بعض الكتائب على الموارد القليلة التي تدخل الوعر، فيكون الوعر القديم بذلك متهماً بسيطرته على ما يدخل الوعر من مواد كونها تكاد لا ترى في الوعر الجديد.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية