أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الخطاب الديني في الثورة السورية: تهافت وانفلات وغياب للمرجعية

أعلن في اسطنبول يوم الاثنين 14 نيسان/أبريل 2014 عن تأسيس المجلس الإسلامي السوري، حيث ضمن نحو 40 هيئة ورابطة إسلامية في داخل وخارج سوريا. وفي البيان التأسيسي، أعلن الشيخ أسامة الرفاعي عن أن تشكيل المجلس جاء "لتشكيل مرجعية إسلامية للشعب السوري، لتسديد مسيرته والنظر بقضاياه العامة، حيث تعهد المشاركون أن تكون المرجعية الشرعية على الكتاب والسنة، وتدارس المجتمعون وضع الثورة وما يتعرض له الشعب من سفك للدماء وانتهاك للأعراض وتدمير للبنيان وتشريد من الديار، في ظل تقاعس من المجتمع الدولي عن نصرة الشعب المظلوم". 

نسعى في هذه المقال إلى الوقوف على الخطاب الإسلامي في الثورة السورية، المراحل التي مر بها والتي عكست بشكل أو بأخر سيرورة الثورة ومسارها، ونناقش إمكانية نجاح الإطار التنظيمي الجديد في توحيد الخطاب والمرجعية.

عن الخطاب الديني وأثره في الثورات
يعد البعد التأثيري للخطاب الديني إحدى أبرز الظواهر التي رافقت الثورات العربية، على الرغم من تأخر الحركات الإسلامية في تونس ومصر وسوريا واليمن عن إطلاق الثورات وتفاجئها، ومن ثم ركوب الموجة واللحاق بها ليصار إلى قيادتها لاحقا. ونتيجة لاختلاف المجتمعات العربية واختلاف طبيعة الخطاب الديني بحسب مراحل تطور التجربة الإسلامية السياسية في البلدان العربية، فقد اختلف تأثير الخطاب الديني الموجه للثورات فيها. ففي تونس على سبيل المثال مثلت كتابات وأفكار الشيخ راشد الغنوشي والبيانات التي كانت تصدرها حركة النهضة، أحد العوامل الرئيسية في في دعم الحالة الثورية وإكسابها زخمها أثناء الثورة. وبعد الثورة كان للخطاب الديني دور كبير في تخفيف حالة الاستقطاب التي نشأت في المجتمع التونسي بين القوى الإسلامية والعلمانية والتي هددت المسار الانتقالي قبل نجاح مؤتمر الحوار الوطني، وصولاً إلى التوافق على الدستور.

وجد مثل هذا التأثير في مصر، لكن حركة الإخوان المسلمين التي شاركت متأخرة في أيام الثورة القصيرة، تحفظت عن إنتاج خطاب ديني داعم للثورة لحساسية الحركة في المعادلة السياسية في مصر. إلا أن خطاب الشيخ القرضاوي سد الثغرة، وكانت لمقابلته على قناة الجزيرة دور في استنهاض همم بعض الفئات المتدينة ودفعها للمشاركة في الثورة. إلا أنه وبعد الثورة، وبالاستفادة من حالة الحريات برزت أنواع مختلفة من الخطاب الإسلامي في مصر الإخواني، والسلفي، الأزهري ساهمت في الانقسام وغذت الاستقطاب المجتمعي، ذلك أن هذا الخطاب اشتبك مبكرا مع بعض الطروحات التي نادت بها الثورة، واستخدم للتوظيف السياسي في مواجهة بعض القوى المعارضة. وقد استغل قادة الانقلاب حالة النفور والتخوف الشعبي من فلتان الخطاب الإسلامي في مصر للإطاحة باول تجربة ديمقراطية في مصر. أما في اليمن فلم يختلف تاثير الخطاب الديني عن البلدان العربية الأخرى، فقد دغدغ الخطاب الديني الوسط الإسلامي الشعبي وغدا رجل الدين الإسلامي عبد المجيد الزنداني أحد أبرز الفاعلين في انتقاد النظام والتحريض عليه، إلا أن الخطاب الديني في اليمن كان عقلانيا وجرى ضبطه من قبل القوى السياسية التي وقعت على المبادرة الخليجية باستثناء جماعة أنصار الله (الحوثي)، والتي استمرت في خطاب المظلومية اللعب على الحساسيات الطائفية لمواجهة تيارات مختلفة معها ولاسيما تيار أهل الحديث (السلفي).

الخطاب الديني في الثورة السورية: تطوره ومراحله
نظرا للتنوع الديني والطائفي والإثني، وخصوصية النظام والمجتمع السوري كان مشهد الخطاب الديني في سوريا معقدا جدا، وعلى خلاف ما كان يبدو في الثورات العربية الأخرى من خطاب ديني موحد إلى حد ما، وجدت في سوريا أنواع مختلفة من الخطاب الديني بحسب ظروف. ومن خلال المتابعة المتواصلة لمجريات الثورة يمكن تقسيم الخطاب الديني وفق الآتي:

الخطاب القرضاوي : أمام حالة الثورات العربية وامتداها السريع، برز خطاب الشيخ يوسف القرضاوي كخطاب مؤيد لجميع الثورات العربية باستثناء الحراك الاحتجاجي في البحرين، وقد نالت سوريا حصتها من هذا الخطاب، فخلال الأسابيع الأولى لعب القرضاوي دورا كبيرا في دفع بعض شرائح مجتمعية للمشاركة في الثورة لاسيما وأن القرضاوي كان يحظى بمكانة كبيرة في الأوساط الشعبية السورية، وكانت خطبه التي تبث على الهواء مباشرة وبرنامج (الشريعة والحياة) متابعة بشكل كبير جدا في سوريا. 

لكن خطاب الشيخ القرضاوي، وبمقدار ما ساعد في الحشد والتعبئة خلق حالة من الاستقطاب المجتمعي لأنه انطوى على معطيات طائفية لاسيما عندما وصف القرضاوي بشار الأسد بأنه "أسير طائفيه" وأن "الشعب السوري يعامله على أساس أنه سني". بغض النظر عن صحة التوظيف لكن الثورة، التي كانت تسعى إلى إنتاج خطاب وطني جامع يتجاوز تهمة الطائفية التي ما انفك إعلام النظام يتهم الثوار بها وجدت نفسه، لم تكن بحاجة إلى مثل هذا الخطاب.

الخطاب المعلقن: وسميته في كتابي "المجال العام الافتراضي في الثورة السورية" والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2012 بـ"الخطاب المرشد" أو "الخطاب العقلاني المعتدل"، وأبرز ممثليه آنذاك الشيخ علي الصابوني وعصام العطار. وقد دعم هذا الخطاب الثورة بمفراداتها التي أنتجتها، وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية والسلمية، وأكد على ضرورة التزام المعايير الوطنية الجامعة ورفض الطائفية كونها تدفع الثورة إلى مسارات فرعية تخالف السبب التي قامت من أجله. حاول هذا الخطاب أن يوزازن الخطابات الشعبوية الأخرى لكنه لم ينجح بسبب افتقاره إلى افتقار التواصل إعلاميا على نحو يضمن ترسيخه في التفكير الشعبي. كما أن عنف النظام وانتهاكاته المتزايدة وإثارته للحساسيات الطائفية أفقد هذا الخطاب زخمة أمام خطاب ديني آخر شعبوي أنتجه الشيخ عدنان العرعور.

الخطاب الشعبوي (العرعوري): تنسب رموز هذا الخطاب إلى رجل الدين الإسلامي (الحموي) والمقيم في المملكة العربية السعودية عدنان العرعور. شكل العرعور وخطابه حالة في الثورة السورية لا يمكن تجاهلها. لم يكن خطاب العرعور خطابا إسلاميا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل كان خطابا شعبويا يدغدغ الأوساط الشعبية، ويحفزها على المشاركة في الثورة بطريقة بسيطة كوميدية في بعض الأحيان. وكرغبة منه في الانتشار في ظل جاهزية المتلقي استخدم العرعور المفردات الطائفية بشكل كبير في خطابه الديني، وقد ساهم في زيادة الاستقطاب الطائفي بشكل كبير في سوريا. وعلى اعتبار أن هذا الخطاب لم يستند إلى أسس شرعية واضحة ومحددة واعتمد على تراكم التناقضات والوعود الخلبية للمتلقي، فإنه لم يسطع الصمود والاستمرار نتيجة تطور مسار الثورة باتجاه العمل المسلح وما رافقه هذا الخيار من تداعيات لجهة التشريد وزيادة القتل والإجرام المرتكب من قبل نظام الأسد. الأمر الذي فسح المجال لبروز خطاب آخر يناسب المرحلة الجديدة.

الخطاب السلفي الجهادي: برز هذا الخطاب عيانا منتصف عام 2012 مع حضور فصائل سلفية وجهادية نشأت أواخر عام 2011 كحركة أحرار الشام الإسلامية، وصقور الشام ولاحقا لواء الإسلام، وجبهة النصرة لأهل الشام. استند هذا الخطاب على أسس واضحة ألا وهي "الحاكمية" ومبدأ "الولاء والبراء"، وحدد أهدافه من العمل المسلح وهي تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية. ومع توسع نفوذ الحركات السلفية وحصولها على الدعم الخارجي ولاسيما الخليجي وتأثير ذلك على زيادة عدد المنتسبين إليها ساد نوع جديد من الخطاب الديني، فأضحىت مفردة "الجهاد" بديلة عن "التحرر"، و"المجاهدون" بدلاً من "الثوار"، و"تطبيق الشرع" بدلاً من "العدالة والكرامة والحرية"... الخ. لكن هذا الخطاب أيضا والذي عم بداية لجاهزية بيئات شعبية معينة لتلقيه أصيب بانتكاسات، فالدولة الإسلامية المبتغاة وجدت نموذجها السيئ والمنفر مع "داعش"، وتطبيق الشرع استخدم للمزاودة والقمع وتقييد الحريات، وهو ما أوجد حالة من النفور ولاسيما في أوساط المدينة السورية من هذا الخطاب ومفرداته. وبناء عليه، فإن هذا الخطاب غير مؤهل ليكون خطابا يلائم الحالة السورية، بل هو خطاب تحفيزي (غيبي) للمقاتلين ودفعهم لمزيد من التضحية.

المجلس الإسلامي السوري ومسألة "المرجعية"
انطلاقًا مما سبق، فإن الثورة السورية افتقدت مرجعية دينية موحدة. وعلى الرغم من إيماننا بأن الثورات لا تحتاج لمثل هذه المرجعية، فإنه في حالة الثورة السورية وبعد انفلات وتهافت التفسير والتأويل الديني لاسيما بعد دخول الحركات الجهادية أصبحت مسألة وجود مرجعية دينية وخطاب ديني موحد يتواءم ويتلاءم مع مفردات الثورة السورية الأساسية ولا يعاديها ويعتبرها "بدع" و"انحرافات". 
وبناء عليه، فإن الإعلان عن تأسيس المجلس الإسلامي السوري والذي يضم هيئات وتيارات ومدارس دينية مختلفة يشكل فرصة لتحقيق هذا الهدف. لكن ذلك مرتبط بالآليات وطريقة العمل التي سوف ينتهجها المجلس ويكون من خلاله قادرا على التواصل مع الداخل لتحقيق أهدافه.

من كتاب "زمان الوصل"
(221)    هل أعجبتك المقالة (204)

خديجة حديد

2014-05-28

لا احد يدري لماذا لم يحصل الخطاب الاسلامي المعتدل على نصيب عادل من الحضور الاعلامي ! الا يطرح ذا السؤال نفسه على اي مراقب كي يفهم ان الاعلام شريك في الحرب والسلام وبالتالي التساؤل عمن يقف خلف تهافت الخطاب الديني السائد على ساحة الثورة السورية ودزره في تشتت وتقسيم المجتمع عموديا او كما رود في المقال -استقطاب فئات المجتمع -.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي