أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كذبة النظام الكبرى

يستمر الخطاب الرسمي والاعلامي للعصابة الحاكمة في سورية بتجاهل تآكل البنى السياسية والقانونية والدستورية للسلطة الحالية، وربما لا يثير هذا السلوك الاستغراب لمعرفتنا بأسلوب التفكير الرسمي للنظام. كما ربما ليس غريبا على النظام وأدواته ومحازبيه استعمال مصطلحات تضليلية تتداخل فيها السلطة والدولة. ولكن ما يثير العجب فعلاً هو أن يلقى هذا النوع من الخطاب الممجوج آذاناً صاغية لدى شرائح من السوريين ولدى  بعض أعضاء المجتمع الدولي.

أخذ النظام بنشر تلك المصطلحات الزائفة عبر آلته الاعلامية المحتكرة للتواصل الجماهيري ، ولا ريب أن آلته قد نجحت لفترات طويلة في رسم تصور كثير من السوريين لدولتهم وللسلطة الحاكمة فيها. وظن القائمون على تلك السياسات أن عملهم سيغدوا أسهل مع تقدم الزمن واختفاء شهود الانقلابات المتوالية. فسورية دولة فتية ومعظم السوريين وهم في سن الشباب قد ولدوا بعد الانقلاب الثاني عام 1970 الذي تمم امساك عائلة واحدة بتلابيب البلد وأهله.، كما أن معظم أبناء الشعب السوري ما عرفوا الا لوناً واحداً من السلطة عبر زعيمين فاشيين فرضا نفسيهما على سورية واهلها بقوة الحديد والنار.

وتعرض السوريون لضغوط سياسية وأمنية والى حملات اعلانية هائلة حتى تماهت في نظر بعضهم السلطة مع الدولة واندمجت الدولة مع شخص واحد يجلس على رأس السلطة حتى غدا اسم أقدم وأعرق حضارة بالتاريخ اسماً مقترنا بكائن مفترس هو اسم العائلة الحاكمة وحتى غدا اسم أعظم مدن الأرض واقدم عواصمها مقترنا باسم ذلك الحيوان. واصبح الاعلان عن الفصل بين الدولة والسلطة يعني التعرض للاعتقال والتعذيب، فاضطر المواطنون السوريون ومنهم العاملون لدى الدولة الى الصبر على نظام الأمر الواقع وتحملوا وجود هذه السلطة ثقيلة اليد داخل مؤسسات الدولة حتى يستمروا في الوجود والحياة بأقل الخسائر.

ولكن رهان السلطة الحاكمة على الزمن قد فشل أيما فشل، فخرج السوريون مطالبين بالتغيير السلمي وكأن الانقلاب الأول والثاني قد حصل قبل أيام معدودات. أردوا وقف حكم العائلة المستمر منذ اربعين عاماً في نظام جمهوري الاسم وراثي الصبغة دكتاتوري النزعة فردت السلطة باعتقال وتعذيب وقتل الآلاف من مواطنينا وتوالت حملات الاذلال والتركيع بأدوات طائفية بغيضة. وانتشرت الآلاف من القصص المصورة بأيدي المجرمين أنفسهم، أبطالها كائنات دونية تمزج القهر والتعذيب والدم والموت تستهدف الانسان السوري وتتناول مقدساته تدنيساً وتشويهاً. أوغلت تلك الكائنات الدونية باحتقار أديان ومذاهب السوريين وتهكمت على مطالبته بالتغيير والحرية التي أضحت من أقدس مقدسات السوريين ولو لم تسمعها تلك الكائنات من قبل. وفوق ذلك استدعى الجلادون كل ما لديهم من عقد واضطرابات فغمسوها في مجرور الطائفية النتن فكان المنتج قتل وقهر طائفي مركب دعمته ميليشيات عابرة للحدود. أيكون كل ذلك القتل والدم من أعمال الدولة؟ أينسب كل هذا البؤس والتدني في التفكير للدولة؟ 

من نافلة القول أن الدولة – المؤسسة – بعيدة كل البعد عن نظام الحكم وشخوصه الفعليين فما هم الا موظفين مؤقتين يذهبون ويغيبون عن الساحة في نهاية فتراتهم أما الدولة المؤسسة فباقية لأنها وجدت أصلاً لخدمة الشعب والشعب باق، وما فعله النظام مستعملاً أدوات الدولة فلا ينسب الا لمجرميه. فالدولة لا تغتصب  ولا تجبر الآباء على مشاهدة اغتصاب أبنائهم وبناتهم وقتلهم الدولة لا تقتل تعذيباً وقهراً والدولة لا تحرق الشعب بالقنابل البرميلية  والطائرات وصواريخ سكود، والدولة لا ترتكب كل الموبقات بحق مواطنيها ليبقى أحمق على رأس السلطة.

منذ بداية الأزمة ضاعف النظام وحلفاؤه الترويج للكذبة الكبرى حول أن النظام هو الدولة، وأن الدولة السورية تكافح في سبيل البقاء في مواجهة من لا شرعية لهم. وما انفك النظام يردد تلك الكذبة طيلة الفترة السابقة حتى صدقها وصدقها جمهوره. سمعناها عبر اعلامه الأصفر وعلى لسان شبيحته الاعلاميين والسياسيين وعبر من أرسلهم الى جنيف ليغسلوا ايدي الطاغية من قتل السوريين في حوض الشرعية الدولية. رددو أن "الدولة" لا تسيء معاملة مواطنيها وأن "الدولة" تدافع عن نفسها وأنها لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة التكفيريين الظلاميين. بل وصلت بالنظام العفن الوقاحة أن أكد على لسان مندوبيه أنه يرسل الطعام والدواء والمواد الاغاثية الى جميع السوريين حتى لو كانوا على الضفة الأخرى سياسياً. 

في أدبيات السلطة لا يوجد الا سورية الأسد...لم تتحول سورية الى سورية الأسد بالنسبة لأن الجمهورية العربية السورية لم تولد أصلاً حتى يدعي اولئك تمثيلها والعمل باسمها. فإن كنا ظننا بأننا – وكافة العاملين في الدولة- جزء من منظومة الدولة فإن أقل ما يمكن أن نقول اليوم بأننا كنا مخطئين. فالكيان السورية كان وما زال شبه دولة – شبه مزرعة بل وأثبت خلال فترة الثورة بأنه كيان كاذب بني حول مشروع سلطة العائلة الأسدية ومحازبيها بعيدا عن أي مفهوم للدولة الراعية لأبنائها.

وبعد كل هذا الدم وكل هذا الدمار ما زال الطرف المؤيد للنظام يحمل تصوراً واحداً لشكل سورية الدولة القادمة مازال الموضوع يدور حول عائلة واحدة وشخص واحد مازالو يرون سورية من منظور حكم العائلة وترشح شخص واحد لانتخابات الرئاسة. لم يحاول اولئك الخروج من قوقعة المزرعة الى فضاء الدولة ولم يكن لهم مشروعهم ولن يكون. 

إن وعي السوريين بوجوب الفصل التام ما بين الدولة والنظام وعصابته الحاكمة بما تمثله من دونية وسفك للدماء هو أحد أهم الركائز لحرمان النظام من شرعيته الداخلية. ومن جانب آخر لا بد من نقل هذا الوعي الى المحافل الدولية لأننا ذ أخفقنا حتى الآن في تجريد النظام من مظاهر الاعتراف والشرعية الدوليين الأمر الذي انعكس حرماناً وبؤساً على ملايين السوريين في الخارج وعلى نجاح الثورة بدءأ من المشكلات القنصلية كجوازات السفر وانتهاءً بمقعدي الجامعة العربية والأمم المتحدة، ولن يتأتى ذلك الا بالعمل المحترف الجاد والمثابر على المستوى السياسي والدبلوماسي والاعلامي. 

(129)    هل أعجبتك المقالة (141)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي