"حتى إيجاد قبر بسعر رخيص بات مستحيلا" هكذا كان جواب محمد الطويل عند سؤالنا له عن شقة للإيجار داخل العاصمة دمشق، والتي تغص بالملايين من السكان ومعظمهم من النازحين من الريف الدمشقي والمحافظات الأخرى التي تشهد أوضاعاً أمنية غير مستقرة، حيث باتت دمشق قبلة لنازحي الداخل وذلك بسبب استهداف مناطقهم من قبل قوات النظام السوري بالأسلحة الثقيلة وبسبب عدم مقدرتهم على النزوح خارج سوريا، إلا أن مشكلة توافر المنازل المعروض للإيجار بدأت بالظهور تدريجياً حتى باتت اليوم حديث الشارع الدمشقي بشكل عام.
لهيب الأسعار
أجرت "زمان الوصل" عدة مقابلات مع أصحاب مكاتب عقارية ومواطنين يبحثون عن منازل للإيجار داخل دمشق لتقف على حدود هذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، حيث تتراوح أجرة الشقة المفروشة داخل دمشق بين 75 إلى 100 ألف ليرة سورية شهريا، وهو رقم كبير جداً حسب وصف جلال، الشاب النازح من الغوطة الشرقية رفقة أسرة مكونة من ثلاثة أطفال وأم.
يقول "إن أرباب العمل لا يستطيعون دفع مبلغ كهذا شهرياً، فما بالك بالنازحين العاطلين عن العمل والذين فقدوا كل ما يملكون أثناء نزوحهم".
ويضيف جلال "منذ أربعة شهور وأنا أقيم مع عائلتي في منزل أختي مع عائلتها بعد أن أخرجنا صاحب المنزل الذي كنا نستأجره، ولا زلنا على أمل أن نجد منزلاً ولو من غرفة واحدة".
ويلاحظ أن المكاتب العقارية في دمشق باتت تضع إعلاناً على أبوابها تعتذر فيه عن وجود شقق للإيجار، ويشار إلى أن إيجاد منزل بسعر معقول بات مستحيلاً، حيث يشير سامر وهو صاحب مكتب عقاري بأن عدد الراغبين بالاستئجار يفوق بعشرات المرات عدد المنازل المعروضة للإيجار، وهو عامل يساهم في رفع الأسعار بشكل جنوني كما أن هناك عددا من أصحاب المكاتب العقارية والذين وصفهم سامر بأنهم "تجار أزمة"، فإنهم يستغلون حاجة الناس ويرفعون الإيجارات وبالمقابل فإن نسبة كبيرة من المنازل يقومون هم باستثمارها بأسعار أقل من أصحابها ليعيدوا تأجيرها من جديد وبأسعار مرتفعة.
ويضيف سامر إن منزلاً في منطقة مساكن برزة مكون من غرفتين وصالون تبلغ أجرته خمسين ألف ليرة كحد أدنى في حين كانت لا تتجاوز 12000 ليرة قبل الأزمة.
نار النظام
مع تدفق مئات الآلاف من النازحين إلى دمشق، بدأ النظام يشعر بالقلق من تخلخل تركيبة العاصمة دمشق التي أحكم السيطرة عليها منذ إندلاع الثورة الشعبية في البلاد عام 2011، فلجأ حينها إلى أن يقوم كل مستأجر بالتعريف عن نفسه وعن المقيمين معه في المنزل عند أقرب قسم للشرطة، حيث كان قسم الشرطة يكتفي بأخذ المعلومات الشخصية والتأكد من عدم وجود مطلوبين بين المقيمين وذلك بعد إجراء عقد الإيجار في دائرة البلدية، ولكن مع مرور الوقت أصدرت الجهات الأمنية تعميماً يقضي بضرورة الحصول على موافقة أمنية من أحد فروع الأمن قبل القيام بإجراء عقد الإيجار، كما أن الحصول على هذه الموافقة يستغرق أكثر من 15 يوماً للحصول عليها ويترافق ذلك مع دراسة مفصلة عن الراغبين بالاستئجار وعن سبب قدومهم إلى دمشق.
مناطق محرمة على النازحين
وهناك بعض الأحياء والمناطق داخل دمشق لا تعطى الموافقة الأمنية على الاستئجار فيها إلا لمن كانت قيودهم المدنية تنتمي إلى نفس المنطقة أو من داخل دمشق حصراً، ومن هذه المناطق على سبيل المثال منطقة الجسر الأبيض والطلياني والمهاجرين والشيخ محي الدين والروضة والمالكي وغيرها من المناطق التي تتميز بكثرة المراكز الأمنية التابعة للنظام السوري فيها.
يقول خالد النازح من حمص مع عائلته بأنه عثر على منزل للإيجار في منطقة الشيخ محي الدين، ولكن ما يسمى بفرع الأربعين الموجود في الجسر الأبيض والذي يتبع مباشرة للعميد حافظ مخلوف قد رفض الموافقة على إجراء عقد الأجار.
ويتساءل خالد مستهجنا "شو يعني حافظ مخلوف مفكر إنو الحماصنة جايين من اسرائيل حتى ما يقبل بسكنهم".
يُشار إلى أن ضواحي دمشق التي لا تعتبر آمنة نوعاً ما حتى الآن تغص بالنازحين من مختلف المناطق السورية، حيث يفرض النظام هناك سيطرته على النازحين عن طريق شبيحته داخل هذه الضواحي وعن طريق الحواجز التي تشدد على النازحين أثناء مرورهم باتجاه دمشق أو بالعكس بشكل يومي ليبقى السوريون غرباء في بلدهم بعد أن ضاقت بهم دول العالم أجمع بانتظار أن يحققوا النصر في ثورتهم ليعيدوا إعمار بلدهم من جديد.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية