أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لبنان رأس الحربة في المواجهة بين مشروعين .... بلال حسن التل

رياح السموم التي حذرنا من وصولها إلى المنطقة في ركاب بوش القادم لإنهاء ولايته بتقديم دعم غير مسبوق لإسرائيل كما تقول التقارير وتوقعات المحللين، هذه الرياح وصلت إلى المنطقة بأسرع مما كان يتوقع الكثيرون، ممن فاتهم أن بوش في عجلة من أمره، وأنه يستعجل صيف المنطقة الساخن الذي بشر به مبعوثوه إلى المنطقة، وخاصة مبعوثه إلى لبنان ''ولش'' الذي لم يخف للحظة خطط رئيسه وإصرار هذا الرئيس على إبقاء الأزمة في لبنان مشتعلة، ما دام حلفاؤه غير قادرين على حلها وفق الرغبة الإسرائيلية التي تعبر عنها السياسة الأمريكية في المنطقة، وخاصة في لبنان. لذلك لم يكن مستغرباً أن تبدأ رياح السموم القادمة في ركاب بوش هبوبها من لبنان، الذي صار بفضل مقاومته رأس الحربة في المواجهة بين مشروعين هما: مشروع المقاومة الذي يعبر عن حقيقة الأمة وضميرها، والمشروع الأمريكي الذي يطلب رأس هذه المقاومة ليطمئن على حليفته إسرائيل وعلى أمنها واستقرارها، الذي لم يتحقق منه شيء رغم احتفالها بمرور ستين عاماً على اغتصابها لأرض فلسطين، وإقامتها لكيانها المغتصب فوق هذه الأرض المباركة بالنسبة لنا كمسلمين لأنها تضم أولى قبلتينا وثالث مساجدنا التي تشد إليها الرحال، لذلك صارت فلسطين وقفاً إسلامياً لا يجوز التفريط بشبر منها، وستظل مقبرة للغزاة ومنهم الإسرائيليون القلقون على مستقبلهم، فبعد ستين سنة من الاحتلال المدعوم غربياً بكل عوامل القوة، ها هي مقاومة الأمة تشتد ضراوة، وها هي عوامل فناء إسرائيل ومؤشرات حتمية زوالها تتكاثر، وتفقدها وتفقد حلفاءها ورعاتها أعصابهم، فتجعلهم يتخطبون ذات اليمين وذات الشمال، كمن يتخبطه المس، وفي ظل هذا التخبط فإن الحلفاء والرعاة يدفعون أتباعهم في بلادنا لاتخاذ قرارات رعناء كتلك التي اتخذتها حكومة السنيورة، فأدخلت لبنان في نفق مظلم لولا حكمة المقاومة وأنصارها الذين عضوا على الجرح وتلاقوا مع الجيش اللبناني في وسط الطريق فعهدوا إليه بأمن البلاد والعباد الذي كادت تعصف به القرارات الهوجاء التي اتخذت تحت الضغط الأمريكي، وإلا ما علاقة أمين عام الأمم المتحدة لإبلاغه بقرار يتخذه مجلس الوزراء اللبناني في قضية يفترض أنها محلية، لولا أن هذا القرار اتخذ بفعل الضغط الأمريكي والإسرائيلي المباشر وغير المباشر عبر الأمم المتحدة التي صارت أداة من أدوات العدوان على أمتنا، ووسيلة لتوفير الغطاء لهذا العدوان المستمر، والذي يأخذ أشكالاً مختلفة ووسائل متعددة، من بينها التدويل الذي يهددون اليوم به في لبنان وتدويل أزمته. لأنهم يعرفون تماماً أن المؤسسات الدولية صارت ألعوبة بيد الولايات المتحدة الأمريكية تسخرها لخدمة إسرائيل التي ولدت أساساً بقرار دولي وظلت القرارات الدولية تصدر لخدمتها وحمايتها والتغطية على عدوانها، وجرائمها وكسب الوقت لصالحها. وإذا كان التدويل من أسلحة ووسائل العدو ضد أمتنا فإن استمرار التحرش بقوى المقاومة في الأمة وإشغالها بقضايا جانبية للتخفيف عن العدو الإسرائيلي من أهم وسائل العدو وأسلحته، وفي هذا الإطار يجب أن ننظر إلى قرار حكومة السنيورة حول شبكة اتصالات المقاومة الإسلامية في لبنان، ذلك أن أي طفل يستطيع دون كبير عناء أن يعرف أهمية شبكات الاتصال للمقاتلين، خاصة على صعيد حمايتهم، ولنتذكر جميعاً أن أمتنا فقدت خيرة قادة المقاومة جراء اختراق منظومات اتصالاتهم، ألم يستشهد يحيى عياش عبر اختراق هاتفي؟، ألا يدفع شعبنا في فلسطين بصورة دائمة ثمناً غالياً جراء اختراق منظومات اتصالات مقاومته، خاصة على الصعيد القيادي؟، فهل غاب عن الذين اتخذوا القرار المتعلق بشبكة اتصالات حزب الله أنهم بذلك إنما يقدمون رؤوس قادة المقاومة الإسلامية وكوادرها على طبق من ذهب للعدو الإسرائيلي، الذي صار الاغتيال وسيلة أساسية ورسمية من وسائله ووسائل راعيه في واشنطن في تعقب من يقف في وجه مخططاتهم العدوانية، وفي طليعتهم أبطال المقاومة في فلسطين ولبنان وفي كل مكان من أرض الأمة، ثم لا يريدون من المقاومة أن تعترض على هذا القرار الذي يشكل طعنة نجلاء في ظهرها، ووضع لسكين العدو على رقبتها. حتى إذا ما استخدمت السلاح لحماية سلاحها، وفي طليعته سلاح الاتصال قيل أن سلاح المقاومة قد تم توجيهه إلى الداخل. فمن قال أن على المقاومة أن تعطي صدرها لمن يريد طعنها في الظهر، وأن عليها أن تدير خدها الأيمن لمن يصفعها على خدها الأيسر؟، وهنا نريد أن نذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بإحراق مسجد استخدمه البعض للكيد للإسلام والمسلمين صار يعرف في تاريخ المسلمين بمسجد ''الضرار''، فهل تلام المقاومة إن أدارت سلاحها لمن يريد أن يطعنها في ظهرها، بعد أن سكتت عليه لسنوات وهو يتحرش بها، ويحاول أن يستدرجها إلى الفتن الداخلية كوسيلة من وسائل العدو الإسرائيلي والأمريكي في حربه على مقاومة الأمة؟..

وعند حديث الفتنة يجب أن نتوقف لنقول إن هذا الحديث الممجوج عن الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة لم يعد ينطلي على أحد، فمن قال أن هذا السياسي الذي لم يركع لله يوماً يمثل أهل السنة؟، ومن قال أن الأمريكان ومن دار في فلكهم مكلفون بحماية السنة وأهلها؟، ومن قال أن ما يجري في لبنان صراع بين السنة والشيعة؟، فهل الداعية فتحي يكن شيعي؟، وهل الشيخ ماهر حمود أمام مسجد القدس في صيدا شيعي؟

 وهل الشيخ زهير جعيد شيعي؟، وهل عبدالناصر جبري شيعي؟، وهل ميشيل عون شيعي؟، وكذلك سليمان فرنجية؟، وهل طلال أرسلان ووئام وهاب شيعيان؟، و بالمقابل هل مفتي صور وجبل عامل السيد علي الأمين سني؟، وبالمقابل أيضاً هل وليد جنبلاط سني؟، وهل سمير جعجع سني؟، وهل أمين جميّل كذلك؟، ثم من قال أن هناك من حيث المبدأ صراع سني - شيعي؟، ألم يلاحظ الأمريكان حجم التفاف المسلمين على اختلاف مذاهبهم حول المقاومة الإسلامية في لبنان ممثلة بحزب الله الذي انتشرت رايته وصور أمينه العام في أصقاع أرض المسلمين كلها، تماماً مثلما التفوا من قبل حول الإمام الخميني وثورته. ذلك أن الإسلام يجمع في النهاية كل أتباعه الخلص تحت راية المقاومة في مواجهة أعدائهم الذي يتجسدون اليوم بإسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هذا المنطلق كان دعم المسلمين سنة وشيعة لفلسطين وأهلها ومقاومتها، فلقد قدم شيعة آل البيت في السنوات الأخيرة لفلسطين أكثر مما قدم أدعياء السنة الذين يتباكون اليوم على فلسطين، رغم أنه ليس في فلسطين شيعيا واحدا. لكنه نداء الإسلام للجهاد والمقاومة يجمع المسلمين حنفيهم وشافعيهم ومالكيهم وجعفريهم وحنبليهم، فهذه كلها مذاهب يتعبد بها المسلمون لربهم الواحد ويحجون بها لبيتهم الواحد، ويصومون وفق أحكامها رمضانهم الواحد، وهل بعد ذلك يريد منا الأمريكان وعملاؤهم أن نتقاتل سني وشيعي، ثم حنبلي وشافعي؟....

إن الإجابة على هذه التساؤلات تؤكد أن ما يجري في لبنان ليس صراعاً مذهبياً، ولكنه جزء مهم ومتقدم من الصراع في المنطقة بين مشروع الأمة في المقاومة، والمشروع الأمريكي لتركيعها عبر وسائله وأسلحته المختلفة التي أشرنا إليها في السطور السابقة وأولها سلاح ووسيلة التحرش والفتنة المذهبية. وكلاهما وغيرهما اضطرا العدو الأمريكي إلى كشف وتحريك عملائه وخلاياه النائمة في المنطقة لمواجهة المقاومة. وهؤلاء العملاء منهم الأفراد ومنهم الدول التي تسخر إمكانياتها المادية والمعنوية لضرب المقاومة الإسلامية، لذلك رأينا أجهزة الإعلام التي تدور في فلك هذه الدول تنحاز منذ اللحظة الأولى ضد المقاومة، وتسعى للتحريض عليها، وتنفخ في كير الفتنة المذهبية. وتتباكى على الحرية والديمقراطية. رغم أن هذه الدول التي حركت إعلامها للتباكي على الحرية ما زالت أيديها ملطخة بدماء الأبرياء من مواطنيها، وما زالت سجونها تعج بسجناء الرأي، وهذه الدول التي حركت إعلامها للنفخ في كير الفتنة هي التي رعت فكر التعصب والتكفير ونشرته في بلاد الأمة المبتلاة بهذا الفكر خدمة للعدو الأمريكي والإسرائيلي، كما أن هذه الدول لعبت تاريخياً دوراً معادياً لحركة نهضة الأمة وثورتها، وكانت أخطر عليها من أعدائها الخارجين، ذلك أنها تطعن الأمة بظهرها وتفتك بالأمة من داخلها لحساب عدوها، لذلك فمن الطبيعي أن تقف هذه الدول في المعسكر المعادي للمقاومة، لأنها دول لا تريد للأمة أن ترى إلا طريق الاستسلام عبر مبادراتها للتطبيع مع العدو، وعبر استقدامها للجيوش الأجنبية لأرض الأمة، وعبر إقامتها للقواعد الأجنبية فوق أرضها، هذه القواعد التي تعيدنا لزمن الاستعمار المباشر لأرضنا في النصف الأول من القرن الذي مضى، والتي صارت اليوم من أهم وسائل العدو وأسلحته لتركيع أمتنا وضرب مقاومتها، لذلك فإنهم يسعون لإقامة جزء من هذه القواعد في لبنان في مطلع القليعات وغيره على امل تصفية مقاومته وتوفير الأمن لإسرائيل .

نعم، لقد اضطر العدو في مواجهته مع المقاومة إلى كشف الكثير من عملائه وخلاياه النائمة، وقد أزال بعض هؤلاء العملاء برقع الحياء عن وجوههم، فصارت الخيانة بالنسبة لهم وجهة نظر، وصارت إسرائيل جاراً، وصار سلاح المقاومة غير شرعي، وصار تزويدهم لإسرائيل بالمعلومات أمراً طبيعياً، وصار التطابق بين مواقفهم ومواقف العدو الإسرائيلي مدعاة فخر لهم - قاتلهم الله - وهو أمر يستدعي أن تتحرك جماهير الأمة لتطهر صفوفها منهم، ولقطع ألسنتهم التي تبث الفتنة في صفوف الأمة وتنهش بمقاومتها، وتسعى لتشويه الصورة النقية لهذه المقاومة، ويخصصون لذلك ملايين الدولارات التي لو أنفقوها على فقراء المسلمين وتنمية بلادهم لتغيرت صورة الواقع الإسلامي، ولكن أين هؤلاء وهموم المسلمين وتطلعاتهم وفي طليعتها تحرير أوطانهم من الاحتلال الأجنبي المباشر وغير المباشر، فقد صار هؤلاء العملاء جزءاً من أدوات هذا الاحتلال، لذلك من الطبيعي أن يكون موقفهم في الصف المعادي للمقاومة، وأن يرتكبوا بحق المقاومة من الموبقات ما يندى له الجبين، وقد صدق القائل ''إذا لم تستح فاصنع ما شئت''، وهؤلاء العملاء أفرادا وأنظمة لا يستحون، لذلك يفعلون ما يعيب ولا يخجلون...

نعيد التأكيد على أن ما جرى في لبنان هذا الأسبوع هو هبوب مبكر لرياح السموم القادمة في ركاب بوش القادم للاحتفال بالذكرى الستين لاغتصاب فلسطين. وإقامة الكيان الصهيوني، ولتقديم المزيد من الدعم لهذا الكيان الذي يحتفل بعيده الستين، وهو منهار متهلك بفعل تنامي روح المقاومة لأمتنا الرافضة لوجوده المحتل لأرضها، ولأن المقاومة الإسلامية في لبنان ممثلة بحزب الله هي التي جدعت أنف هذا الكيان، وكسرت ظهره في عدوان تموز عام 2006وأوقفت تمدده السرطاني في جسد الأمة، فقد صارت على قائمة المطلوبين لبوش باعتباره راعي الكيان الصهيوني، وصار سلاح حزب الله هدفاً إستراتيجياً للإدارة الأمريكية. التي يجيء رئيسها إلى بلادنا ليشارك محتل أرضنا فرحته، وليحرض بعضنا على بعضنا الآخر، لذلك صار الرد على هذا المشروع الأمريكي الذي يستهدف قوى المقاومة في أمتنا أن تتحول الأمة كلها إلى حاضن لهذه المقاومة حتى تنجز مشروعها النهائي في تحرير أقصانا، وهو الهدف الذي لم يعد بعيداً؛ ففي الوقت الذي تسري فيه روح المقاومة في أمتنا، فإن التخاذل يتمدد في أوصال عدونا، وقد صار بعض قادته يقرون بقرب نهايته، وصاروا يجمعون على أن الحلم الصهيوني تحول إلى كابوس، يفر منه من يستطيع الفرار، ولذلك زادت معدلات الهجرة المعاكسة من فلسطين المحتلة، وظل أن يتحقق وعد الأخرى فنجوس خلال الديار بفضل مقاومتنا التي ستنتصر رغم كل المؤامرات، وستخمد النيران التي تشعلها من حولها رياح بوش المسمومة التي هبت هذه المرة أول ما هبت من لبنان الذي فوتت مقاومته الفرصة على عملائه، تماماً مثلما ستفوت الأمة كلها الفرصة على المخطط الأمريكي عبر التصدي له، وإسقاطه ويومئذ يفرح المؤمنون..

(98)    هل أعجبتك المقالة (101)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي