أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بيان "البلعوس" ينجي السويداء من حرب داخلية ويخلصها من عباءة النظام

تظاهرت مجموعة من مشايخ الدين في محافظة السويداء ومن مقام عين الزمان ـأحد أهم دور العبادة المقدسة بالسويداء ومقر لقاءات مشايخها الأول ـ رفضا لتوظيف أي مظهر من المظاهر الدينية خاصتهم لصالح حملة بشار الأسد الانتخابية، مصرين على إقالة رئيس فرع الأمن العسكري بالسويداء، وقد بلغت حد المطالبة بقتله، مهددين وبقوة السلاح الذي رفعوه علنا أنهم ليسوا مأجورين لأحد، محذرين كل الأجهزة الأمنية من محاولات استغلالهم وأنهم كطائفة لا تمثل إلا نفسها، وما لبثت مظاهرتهم أن تنتهي حتى انبرى بعض من ناشطي السويداء ومعارضيها لتجيير حراكهم لصالح الثورة السورية، محاولين التبنيه إلى أن شرارة ثورة بدأت بالاشتعال، فتناقلته بعض القنوات التلفزيونية والصفحات الإلكترونية في صورة مغايرة للواقع بعض الشيء ومغالطة للحقيقة، حيث بثت أخبار تشيع انشقاق حدث في الهيئة الروحية الدرزية تم فيه تنصيب الشيخ "وحيد البلعوس" شيخ عقل للطائفة الدرزية، الأمر الذي دفع بالشيخ البلعوس ومن معه من مشايخ الدين لإصدار بيان يوضح سبب حراكهم ويفسر دوافعه، مركزين فيه على ثوابت واضحة تضع سير الأحداث في محافظة السويداء في الآونة الأخيرة في مكانها الصحيح دون زيادة أو نقصان، وأتى بيانهم هذا بحسب ما لمّح إليه الشيخ البلعوس بعد تداولات ومباحثات مع مشايخ عقل الموحدين الدروز وهم (يوسف جربوع وحمود الحناوي وحكمت الهجري).

* فحوى البيان
استوقف "زمان الوصل" البيان الصادر باسم الشيخ وحيد البلعوس، والتي تبنته ونشرته بعض الصفحات الثورية والهيئات الاجتماعية في السويداء.

فتوجهنا للأستاذ فاضل المنعم المختص بالعلاقات الدولية والقانون الدولي، المعارض للنظام السوري منذ عام 1965 بالسؤال التالي: "ما رأيك في بيان الشيخ البلعوس؟ وهل تعرض الشيخ ومجموعته لضغوطات أمنية أو ضغوطات من المشيخة الروحية في السويداء أو لبنان أجبرتهم كما يشاع على إصدار البيان؟" فأجابنا المنعم:
بيان الشيخ البلعوس واضح لايحتاج لتفسيرات كثيرة ولا أظنه خضع لضغوطات الأجهزة الأمنية، ولربما حاولوا ذلك لكن بيانه متزن ومتماسك وفيه تحد واع ورفض للنظام.

وقدم فاضل المنعم لـ"زمان الوصل" قراءة لهذ البيان، وأكد على اعتبار هذا البيان وثيقة مهمة وضعت الأحداث الأخيرة التي حصلت في محافظة السويداء في نصابها وموقعها السليم، إذ يلاحظ في هذا البيان رفض مهذب لبيان مشايخ العقل، وما جاء فيه حول موضوع حمل السلاح، وإعلان واضح لتمسكهم بسلاحهم، مع الإصرارعلى تمسكهم بالمتعارف عليه تاريخيا في ما يتعلق بمشيخة العقل، والتأكيد أنهم لا يعملون على المساس بهذه المؤسسة.

كما أكد البيان، من وجهة نظره، على التمسك بوحدة سوريا، والاستعداد للتضحية في حمايتها، وأوضح موقف رجال الدين الدروز البعدين عن السياسة في قوله (نحن لسنا مؤيدين ولا معارضين، وإنما نحن وطنيون، نغار على طائفتنا ووطننا)، وهذا رفض صريح لتحويل الحدث السوري لحرب طائفية، والابتعاد عن الوقوع به.
طالب البيان النظام بعدم استغلال الهيئة الدينية في المحافظة لأغراضه، والكف عن استخدام بعضهم بتصريحات إعلامية، كما طالب الهيئة الدينية في السويداء بعدم الزج بنفسها في القضايا السياسية والاكتفاء بالتوجيه الديني المتعارف عليه لدى الموحدين الدروز.

* حماية المحافظة
وأكد البيان على حماية المحافظة من أي اعتداء، ومن أي جهة كانت (نحن لا نعتدي على أحد ولا نسمح لأحد أن يعتدي علينا، مع رفض واضح وشديد لزج أبناء المحافظة المدنيين في القتال في محافظة درعا، إلى جانب النظام).

وتضمن البيان، حسب قراءة المنعم، رفضا قاطعا لمحاولة النظام سحب أسلحتهم بقوله (سلاحنا أرواحنا لن نتخلى عنه، إلا بانتهاء الأسباب الداعية). كما رفض استخدام أي جهة لأبناء المحافظة، في رسالة واضحة للنظام، بمحاولة زجهم لجانبه في قتال أبناء سوريا (بني معروف أصحاب نخوة، ولا يستطيع أحد استخدامهم ضد الوطن وأبنائه)، وهنا الرسالة واضحة وضوح الشمس تؤكد تحريم الدم السوري على السوري.

استغل الشيخ البلعوس في بيانه دعوة ما يسمى رئيس المجلس العسكري في درعا (قضية مختلف عليها بين المقاتلين في درعا) للمطالبة بوقف الاعتداءات على أبناء المحافظة، والمطالبة بتحرير المختطفين، من قبل جبهة النصرة، وهم أبرياء ولا علاقة لهم بالسياسة أو العمل العسكري.

وحذر البيان من يستغلهم النظام من بدو المحافظة بالاعتداء على أبنائها، مذكرا لهم أننا أبناء محافظة واحدة، محذرا بأن "صبرنا له حدود"، وطالب السلطة بالحفاظ على أمن المواطنين.

ورفض البيان زيارات وئام وهاب التي يستثمرها النظام، والتي تستخدم للفتنة مع الجيران، ثم ندد بالانحرافات الإعلامية المقصودة، ودعا وسائل الإعلام إلى الموضوعية.

وطالب السلطة بوقف حملات الاعتقال والتعذيب، والتسبب بالموت في المعتقلات، ودعا لمحاسبة القتلة، وهدد بأننا لن نسكت على ذلك بقوله "الله من جهد البلا، والضيم ما نصبر عليه".

وبعد انتهاء قراءة المنعم للبيان الصادر عن الشيخ وحيد البلعوس أكد لـ"زمان الوصل" أن هذا البيان ينم عن فهم واضح لما وصلت إليه الأمور في سوريا، مشيرا إلى أنه يصلح لأن يشكل عناصر من مشروع وطني لوأد الفتنة وإيقاف المجزرة.

وفي سؤال اّخر للسيد فاضل حول صفة الشيخ البلعوس التي تؤهله لإصدار هذا البيان، وماهو رأيه في حراك المشايخ الذي حدث في الفترة الأخيرة في السويداء هل هو بالفعل شرارة ثورة كما أسماها بعض الناشطين؟
أجاب: الشيخ وحيد البلعوس يترأس تنظيم المشايخ المسلحين ذاتيا في السويداء، وهم مجموعة من المشايخ لايهمهم الشأن السياسي كثيرا، وإن كانوا يعتزون بوطنيتهم وتاريخ محافظة السويداء النضالي، ويعتبرون أنفسهم حماة لهذا الدور التاريخي.

وأوضح فاضل أن هؤلاء المشايخ مستقلون أي غير منحازين للثورة أو للنظام، وإنما همهم الأول إبعاد المحافظة عن الدمار ورفضهم أي اعتداء عليها، كذلك هم يستنكرون سياسة النظام القمعية المتمثلة بقصف المدن وتدميرها، ويتذمرون من اعتقال النظام لأبناء السويداء وتعمده قتل بعضهم تحت التعذيب، رافضين وبشدة أن تنال أي جهة من كرامة المحافظة، وهم -كما يرى- بعيدون عن المعارضة بالمعنى السياسي، وإن صب حراكهم الأخير في مصلحة الثورة كونهم وقفوا في وجه وفيق الناصر وأجهزته الأمنية.

*حادثة الخيمة
ويتابع السيد فاضل إن حادثة الخيمة أمام قصر المحافظة ما هي إلا السبب المباشر الذي فجر غضبهم، وزاد من هذا الغضب اعتقال أجهزة الأمن للشيخ لورانس سلام الذي قام بإخراج المرأة من الخيمة نازعا صورة بشار الأسد من يدها ورميها داخل خيمة الاحتفال ثم ضربه لضابط بالأمن العسكري لاستغلاله المرأة المختلة عقليا وجعلها ترقص بصورة بشار الأسد مقابل مبلغ من المال.

ما إن تحرك مشايخ الدين بدءا من حادثة خيمة السرايا وانتهاء بمظاهرتهم التي انطلقت من مقام (عين الزمان) حتى انبرى بعض معارضي المحافظة لتنصيب أنفسهم أوصياء على حراكهم الثوري وكأن المظاهرة انطلقت بتخطيط منهم لحد تجاوز على بعض القنوات التلفزيونية حدود المعقول حين روجت لإشاعة انشقاق الشيخ البلعوس ومن معه عن المشيخة الروحية الدرزية وتنصيب البلعوس شيخ عقل للطائفة الدرزية.

*فليحان والأغلبية الصامتة
السيدة ريما فليحان عضو الائتلاف الوطني وممثل المجلس المحلي للسويداء قدمت لـ"زمان الوصل" رؤيتها حول هذا الموضوع إذ تقول:
ما حصل في السويداء في الفترة الأخيرة هو عبارة عن ردة فعل شعبية عفوية متمثلة بشريحة من المجتمع تعبر عن الأغلبية الصامته في السويداء، والتي لا تنتمي للمعارضة أو الموالاة، لكنها لا تريد القتل ولا الدم، وهمها حماية السويداء، وحراكهم هذا رسالة واضحة للجميع أن السويداء لم تكن ولن تكون في جيب أحد، أما الشيخ وحيد هو من ضمن هذه المجموعه المتمثلة برجال الدين، وقاد هذه الانتفاضة، إن صح التعبير، وبيانه جاء لقطع الطريق على أي جهة من الطرفين لتجيير ما حصل لصالح أي أجنده سياسية موالية أو معارضة، سيما بعد محاولة بعض الجهات القفز على هذا التحرك عبر بعض الصفحات والمنابر الإعلامية غير المسؤولة. والذي كان من الممكن أن يؤدي لإشعال اقتتال أهلي داخل السويداء.

وترى السيدة فليحان أن هذا السبب كان الدافع لإصدار الشيخ البلعوس وجماعته هذا البيان الذي يؤكد في إحدى فقراته على تكذيب ما تناقله بعض الإعلاميين والمعارضين سواء على الصفحات الإلكترونية أو شاشات التلفزة حول انقلاب الشيخ البلعوس وجماعته على مشايخ العقل.

وتصف فليحان هذا التحرك بالعفوي وحسب وجهة نظرها يشبه إلى حد كبير الشرارة التي وقعت في درعا، وأدت إلى انطلاقة الثورة السورية، وتؤكد فليحان أن حراك المشايخ كان من الممكن أن يتطور لولا التدخلات اللامسؤولة الحاصلة من بعض الأطراف بحسن أو سوء نية.

* إشارت الانفجار
وحين توجهنا للصحافي سالم ناصيف بسؤالنا له عن رأيه في تحرك المشايخ الأخير وما هي الفروقات بين تحركهم وبين ماسبق من مظاهرات خرج فيها شباب السويداء أجاب: إن معارضة السويداء على أهمية ما فعلته خلال ثلاثة أعوام إلا أنها لم تتمكن من التقاط تلك الاستمالات الاجتماعية التي تحرك الناس وتجعلهم يلتفون حولها، لذلك جاء التحرك الأخير للمشايخ ليعبر عن نضوج الحالة الاجتماعية الرافضة بقرارتها للنظام، ومن الممكن أن تشكل انتقالاً للحراك في السويداء من حالته النخبوية إلى شعبيتها، فمن المهم اليوم معرفة حقيقة أنه في الثورات هناك من يقوم بكسر حاجز الخوف الأول، ليأتي من بعده فئات أخرى وتكمل ما بدأه. لذلك على الجميع أن يدرك هذا السياق الطبيعي لحركة التغيير ومن يريد للثورة خيراً عليه عدم الوقوف ضدها، وترك الآخرين يعملون دون تشويش، والتعاون معهم ورص الصفوف سوية بدلا من البقاء عند البدايات بينما العبرة في النتائج.

ويري السيد ناصيف أن حركة المشايخ تأتي نتيجة تراكم مقدمات أخلاقية طويلة تشبه كثيراً ما حدث في درعا حين انتفضت لإهانة زعامتها التقليدية، واليوم قد بدأت تظهر في السويداء إشارات انفجارها، وحسب وجهة نظر ناصيف، فإن هذا الحراك سيشكل سياقه الطبيعي الذي سيأخذ في التصاعد حتى لو توقف بعض الوقت.
ويؤكد ناصيف أن الثورة في السويداء يقع عليها اليوم الرهان الأكبر في إعادة مجريات الأحداث إلى حقيقتها، والتخلص من الوجه المتطرف للثورة.

كما وأوضح أن حراك المشايخ كشف أمرين خطيرين بين صفوف بعض من المعارضة في السويداء، الأول كشف عن حالات فوبيا ترجمت في شكل رافض للآخر، والثاني إثبات حالة الاغتراب لدى بعض المعارضين والنشطاء الذين وقعوا في فخ الترويج لمغالطات ناتجة عن عدم وجود معلومات لديهم، بل الترويج لأحداث كاذبة أو خاطئة كان من شأنها الإضرار بالحركة التي تولد اليوم في المحافظة.

وركز السيد ناصيف على أهمية استيعاب معارضي السويداء لما يحدث من تطور في محافظتهم، وحذرهم من عدم الوقوع في فخ التهويل والمبالغة، فالرأي العام في السويداء يعرف كل ما يجري، والثورة فعل حقيقي لا يحتاج لأي نوع من المبالغة كي تنجح، لذلك عليهم اليوم أن يكونوا صادقين ومنفتحين على من أراد الثورة وعدم محاولة الاستئثار بحركة الشارع التي ستلفظ كل من يحاول ذلك.

يبقى البيان الصادر باسم الشيخ البلعوس الوثيقة الأهم التي أوضحت عدم تبعية السويداء لنظام الأسد، كما ونجت بفعلها المحافظة من حرب بين أبناء الطائفة الواحدة، كانت قد روجت لها بقصد أو من دون قصد بعض المواقع الإلكترونية، وقنوات التلفزة، وقد يكون حراك المشايخ بالفعل شرارة ثورة أضر بها وأطفأها تسرع بعض معارضي السويداء باقتناص الحراك لمصلحة الثورة متناسين أنهم بذلك يخرجونه عن عفويته التي بدأ بها.

سارة عبد الحي – السويداء –زمان الوصل
(126)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي