تعطي النعوات التي يصدرها أهالي قتلى منطقة الساحل من جنود ومرتزقة النظام.. تعطي فكرة أولية عن طبيعة تفكير الموالين، وحدود تقديسهم لمن "يقودهم" حتى ولو كان يجرهم إلى حتفهم بعشرات الآلاف، كما يحدث في سوريا منذ 3 سنوات على وجه الخصوص.
ويأخذ هذا التقديس منحى أكثر حدة ووضوحا في "القرداحة" ومحيطها، حيث تخلط النعوات الديني بالدنيوي، والعالي بالسافل، فتنتج خليطا عجيبا من العبارات يستعصي على التفسير بالمقاييس المنطقية.
قبل أيام نعى "آل خير بك" قتيلا لهم يدعى "طارق علي خيربك" من قرية بقني بريف القرداحة، وقد جاءت ورقة النعوة لتعكس جزءا من نظرة القرداحيين لبعض المفاهيم والمبادئ والأشخاص.
أول ما لفت نظر "زمان الوصل" في النعوة، أن كلام "القائد الخالد" حافظ الأسد وضع أعلى كلام رب العالمين، فجاءت العبارة المنقولة عن حافظ: "الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر" في أعلى النعوة وبخط أسود عريض، وبخط أقل حجما وضعت تحتها الآية القرآنية: [ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون].
فيما تضمن صلب النعوة عبارة تلخص معنى "الشهادة" ومستحق لقبها لدى القرادحيين، حين قالت: "طارق علي خيربك... الذي استشهد في ريف اللاذقية... عن عمر ناهز 25 عاما قضاها بالصلاح والتقوى، وحب الوطن والقائد".
وتشكل ملصقات نعي القتلى في الساحل وأوراق النعي، مادة تستحق البحث في أعماق ما تحويه من عبارات، كونها تعكس جزءا مهما من "موروث" أهل تلك المنطقة، وتعطي دليلا ملموسا على عقليات مؤهلة لقبول حد أعلى من التناقضات، تجعل شخوصها يعانون انفصاما بين أقوالهم وأقوالهم، وآخر بين أقوالهم وأفعالهم، التي باتت جلية ومشهودة على امتداد سوريا.

زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية