أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"أبو جعفر المغربل" يروي كيف تحولت عقارب ساعة حمص إلى بوصلة للدم!

في تلك الليلة الدموية كفّت ساعة حمص الجديدة عن تعداد الدقائق والساعات وضبط إيقاع المدينة، وتحولت إلى بوصلة للدم تشير إلى عدد الشهداء والجرحى والمفقودين وتختزن أنّات الثكالى والأرامل والمحزونين.

لم يكن اعتصام الساعة في الثامن عشر من نيسان 2011 حدثاً عادياً في حياة الحمصيين، ففي ذلك اليوم تنفسوا نسيم الحرية وتنسموا عبق الكرامة بعد عقود طويلة من الاستبداد والظلم والقمع والتهميش الذي عاشته مدينة حمص، ولكن النظام أبى إلا أن يواجه التظاهر السلمي بالنار والحديد والبارود.

الناشط أبو جعفر المغربل يروي لـ"زمان الوصل" جوانب من ذكريات الاعتصام كما عايشه وساهم فيه، يومها لم يكن يعرف من الناشطين سوى المقربين منه كأولاد خالته وأولاد عمه ولم يكن يثق بأحد غيرهم -كما يقول- لأن النظام علّمنا أن لـ "الحيطان آذان".

ويضيف المغربل واصفاً مشهد الاعتصام: ذهبنا إلى ساحة الساعة الجديدة بعد أن سمعنا بالاعتصام، والناس تتوافد، وما إن وصلت إلى الميدان حتى وجدت عشرات الآلاف موجودين حول الساعة الجديدة بينهم الشيخ "سهل جنيد" والمعارض "نجاتي طيارة"، قرب الشجرة وهو يقول إنه أرسل دعوة لممثلين عن الطائفة العلوية وهم في طريقهم للاعتصام، وذكر اسم "حسن عبد العظيم"، أما الشيخ "سهل جنيد" الذي كان قريباً جداً من الساعة الجديدة بل ملاصقا لها تماماً فكان يقوم بتوعية الناس، وحثّهم على عدم رمي الأوساخ أو التعرض للأملاك العامة في الشارع لأن الاعتصام كان بالقرب من الهاتف الآلي وشركة (سيرتيل) المملوكة لرامي مخلوف. 

أما "عبد الباسط الساروت" فإن حضوره كان ذا نكهة خاصة وجميلة بين الموجودين، ويروي المغربل أن الساروت الذي لم يكن يعرفه تماماً خلع قميصه آنذاك وظل في (الشيال) وقام مجموعة من الشباب المعتصمين برفعه على الأكتاف وسط دائرة من الناس والناشطين والمدنيين، وكانت الشعارات والأناشيد والأغاني والأصوات والصفير تملأ المكان.

ويردف المغربل: في هذا الجو الحماسي بامتياز اختفت الفوارق والاختلافات الطبقية والطائفية، فالمسيحي يقف مع المسلم، والفلاح إلى جانب البدوي ومع ابن المدينة. كانت حشود الناس تتوافد زرافات ووحداناً من زاوية مسجد الصحابي خالد ابن الوليد إلى السوق المسقوف حتى الساعة القديمة والشارع الذي بينهم يصل إلى ساحة الساعة الجديدة.


اليوم الموعود !
ويردف المغربل: اتصلت بي حينها قنوات فضائية لتعرف ماذا يحصل عند ساحة الساعة ومن قام بتنفيذ الاعتصام مع العلم أن الاعتصام –كما يقول- كان عفوياً فعلا، دون تخطيط، مضيفاً بأنه قال لهذه القنوات إن أعداد الناس تقارب 25 ألفا، ولم يكن يبالغ لأنه كان يشاهد الناس تتوافد من الشوارع الفرعية بكثرة مذهلة ويستدرك الناشط أبو جعفر: غابت الشمس ذلك اليوم وياليتها لم تغب، فبعد أن علا آذان المغرب وسط هدوء نسبي أقيمت صلاة المغرب جماعة في عدد من المساجد القريبة من الساحة، وبعد أن انفض الناس من صلواتهم عادوا للأناشيد والرقص وكأنه اليوم الموعود لسقوط الطاغية الأسد.

ويستطرد المغربل واصفاً المشهد وكأنه يتكرر أمامه كل لحظة يقول: (كنت أتنقل بين زاوية شارع الدبلان وصولاً إلى شارع القوتلي ومن مفرق شارع باب هود إلى شارع الشرطة العسكرية، أنظر من بعيد إلى ساحة الساعة القديمة، حيث كان المنظر رهيباً تقشعرّ له الأبدان، وكنت ألتقط عشرات الصور حينها، ولم تكن اتصالات القنوات تهدأ وهي تسألني عن أعداد المعتصمين بعد أن فاقت المائة ألف، وهذا ما أكده تسريب الصور على المواقع الاجتماعية، وفي الساعة الثانية عشر ليلاً، بدأ الناس يحضرون البطانيات والحصر والوسائد للبدء في الاعتصام السلمي، لم يخطر ببالي أن هذا اليوم سيؤرخ لجرائم النظام أكثر من أن يكون تاريخياً لسقوط النظام بسبب العدد الهائل الموجود. كانت أصوات الأغاني والأناشيد والرقص تشق عنان السماء، لم نسمع أصوات رصاصة واحدة وأشهد بالله أنني لم أشاهد أي قطعة سلاح مع أحد نهائياً من بين الموجودين.

المشهد الدامي !
ويصف أبو جعفر المغربل بداية فض الاعتصام بقوله: في الساعة الثانية ليلاً تقريباً اندفع حشد كبير من الناس من جهة الساعة القديمة باتجاه الساعة الجديدة، وبعضهم كان يتراكض باتجاه شارع الدبلان وباب هود وباتجاه شارع الشرطة العسكرية أو شارع البريد.

وكان هناك دخان أبيض ينبعث من جهة الساعة الجديدة وهنا قال أحدهم: (عم يضربوا قنابل مسيلة للدموع ياشباب حدا يجيب شوية كولا نحطها ع عيوننا وهنا بدأ إطلاق الرصاص لأول مرة الساعة الثانية تقريباً وبكثافة غير عادية فبدأ الناس بالتفرق والتراكض وكانت الأصوات تعلو بالتكبير (الله أكبر الله أكبر)، وكذلك بدأ إطلاق الرصاص من جهة سوق الدجاج، فتدافع الناس كراً وفراً وكانت الصدمة الكبيرة أن هناك أربع سيارات واحدة منهم بيجو ستيشن بيضاء والباقي سيارات لحفظ النظام موجودة في الساحة، ولم يكن أي من عناصر هذه السيارات بالزي العسكري وكلهم يقفون تقريباً عند قهوة الفرح وسينما الزهراء، وكان أكثر من عشرة أشخاص ممن رأيتهم بأم عيني ملقين على الأرض بلا حراك وأحدهم كان كبيراً في السن وقع من على دراجته الآلية وكان الدم يسيل من وجهه. 

ويضيف الناشط المغربل عندما رأيت هذا المشهد الدامي هربت باتجاه شارع الكورنيش مباشرة، ولم أجد أحداً حولي نهائياً لا ابن عم ولا ابن خال ولا أحد غيرهم على الإطلاق، وكنت أنظر إلى المباني علّي أجد مدخلاً لبناء أدلف إليه لكن لم أجد سوى النساء والرجال يبكون على شرفات منازلهم وهم يصرخون: (يا الله _يارب يحميكم- لك اهربوا هاد نظام مجرم)، وعندما وصلت إلى شارع نزار قباني كانت أصوات الرصاص ماتزال تسمع في كل أنحاء مدينة حمص، لم يعرف أحدُ يومها عدد المفقودين ولا حتى كم عدد الشهداء، كل ما تناقله الناشطون لم يكن مؤكداً تماماً لأن الساحة كانت مليئة بالشبيحة والأمن وعاد الناس إلى بيوتهم مصدومين من هول ما حدث.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(149)    هل أعجبتك المقالة (194)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي