يفتقد مسيحيو حمص مثل غيرهم في المدن السورية هذا العام أيضاً مظاهر الاحتفالات الدينية المعتادة بعيد الفصح المجيد بعد أن كانت المواكب الاحتفالية الضخمة تخرج من الكنائس وتجوب شوارع الحميدية والمحطة وبستان الديوان وباب السباع مع تزيين هذه الشوارع والمنازل المطلة عليها بألوان الفصح وصور البيض الملون وفراخ الدجاج (الصيصان).
كما كانت تنتشر في الأحياء المسيحية رائحة الكعك الخاص بالفصح ولكن هذه المظاهر المبهجة اختفت منذ أكثر من ثلاث سنوات وخيمت مكانها مشاعر الحزن بسبب الأحداث الدموية في المدينة التي ضربت مثلاً رائعاً في التعايش الديني الإسلامي المسيحي بعد أن كان يتشارك في هذا العيد المسيحيون والمسلمون على حد سواء إن كان بالتبريكات أو بالمشاركة الفعلية، أما اليوم فأصبح هذا العيد في حمص غريب الوجه واليد واللسان بعد أن هجر المدينة من هجرها وحوصر فيها من حوصر.
"الفصح" كلمة آرمية الأصل ومعناها العبور أو الاجتياز أي عبور بني اسرائيل البحر الأحمر من مصر -أرض العبودية إلى فلسطين أرض الميعاد- كما ورد في التوراة /خروج 12/ وهو عيد اليهود السنوي، وقد حافظ المسيحيون من يونانيين ورومانيين وسواهم على هذه اللفظة كما هي، وبما أن المسيح صلب ومات وقام –باعتقادهم- في عيد الفصح اليهودي أخذ المسيحيون يحتفلون بذكرى القيامة لأن "الرب يسوع بعد قيامته قد نقلنا من الموت إلى الحياة". كما يعتقدون أن العشاء الأخير الذي قام به السيد المسيح مع تلاميذه قبل صلبه يمثل عشاء الفصح، حسب ما ذكر في الأناجيل الثلاثة في العهد الجديد من الكتاب المقدس (متى, مرقس، لوقا).

وفي حمص كانت أعياد الربيع المعروفة بالخمسانات وهي (خميس الضايع – خميس الشعنونة - خميس المجنونة –خميس القطط –خميس النبات ويسمى أيضا خميس القلعة– خميس الأموات– خميس المشايخ- ويسمى أيضاً خميس الأسرار أو خميس البيض تتخذ من تاريخ الفصح المسيحي الأرثوذكسي كنقطة مرجعية لتحديدها كما هو شأن التقاويم الطقسية في الشرق الأدنى التي كانت قمرية وشمسية وبخاصة لدى الكنعانيين– الفينيقيين وعندما لم يعد هناك رجال دين قادرين على تحديد مواعيد الأعياد أصبح الفلاحون "أو المدنيون" الذين حافظوا على بعض الطقوس عاجزين عن حساب الأيام التي يجب أن تتم فيها هذه الطقوس فلم يعد أمامهم من خيار إلا أن يعتمدوا على ما يقوم به الكهنة المسيحيون من أجل تحديد الفصح، عيد نيسان الذي ارتبط تاريخه بتقويم قمري شمسي (مثل الأعياد القديمة التي يخلدها التراث الشعبي.
العيد الكبير
ترافق الاحتفالات بعيد الفصح المجيد الذي يسمى أيضا بالعيد الكبير في حمص تقاليد وعادات شعبية متجذرة منذ آلاف السنين لتصبح هذه العادات جزءا لا يتجزأ من طقوس الاحتفالات بعيد الفصح في سوريا، ففي هذا اليوم يقوم المسيحيون السوريون ممن يتبعون التقويم الشرقي بإقامة حفلة القداس ليلاً و"الهجمة" أيضاً ويسمى العيد الكبير وتقوم النسوة بتصنيع الكعك المستدير الذي يرمز إلى شكل التاج الذي وضع على رأس سيدنا يسوع المسيح، ومن هذه العادات سلق البيض الذي يرمز إلى تجدد الحياة وتزيينه في سبت "النور"، حيث يقوم الأهل بمشاركة أطفالهم بسلق البيض وتزيينه ويرجع تاريخ هذه العادة إلى الحقبة الفينيقية حيث كان الفينيقيون يحتفلون بقدوم الربيع والخريف أي ميلاد الطبيعة وموتها بتقديم 100 بيضة كقربان لهذا اليوم.

أما المسيحيون الأوائل فكانوا ينظرون إلى بيضة عيد الفصح كرمز لقيامة المسيح حياً من القبر كما يخرج كائن حي من البيضة المغلقة. ولذلك يعايد بعضهم بالقول (المسيح قام. فيجيب الآخرون: حقاً قام)، وبعد أن يتهادى المحتفلون هذا البيض يقومون بما يسمى "المكاسبة" أو "المفاقسة"، وتتم بضرب البيض بعضه ببعض ومن يكسر البيضة أولاً يكسبها، أما عادة صبغ البيض في العيد فهي عادة مغرقة في القدم يرجع تاريخها إلى أيام الفينيقيين الذين كانوا يعبدون الخالق مرموزا ببيضة لأنهم يعتقدون أن الليل هو أول الكائنات قد تمخض مرة فولد بيضة ومن هذه البيضة انبثقت سائر الكائنات الحية. وساد هذا الاعتقاد كثيرا بين الأمم والشعوب القديمة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية