يُحكى أنّ في قديمِ الزّمانِ جنديّاً، غافلَ يوماً الملكَ، وجلسَ على عرشِه، وراحَ يصرخُ صراخاً مُدوّيّاً:
ـ " أنا الآن ملكُ البلادِ ".
تردّدتْ صرختُه في أرجاءِ القصرِ، ووصلتْ أسماعَ الملكِ وحاشيتِه الذين فاجؤوا الجنديَّ، وهو مازالَ جالسـاً على العرشِ، يرتجفُ من هَوْلِ المفاجأةِ، والجنودُ يُشهـرون سيوفَهم الّلامعةَ في وجهِه، ولكنّ الملكَ أمرهم أن ينصرفوا عنه، ويتركـوه وهذا الجنديَّ.
نهضَ عندئذٍ الجنديُّ من مكانِه، فأشارَ إليه الملكُ أن يجلسَ، فجلسَ، والسيّافُ يتراءى أمام عينيه المذعورتين شاهراً سيفَه، يَهُمُّ بضربِ عنقِه، فيرتعدُ هَلَعاً وخوفاً. حاول الجنديُّ أن يفتحَ عينيه، ويرفعَ رأسَه قليـلاً، فلم يستطعْ، وحاولَ أن ينهضَ من مكانِه ثانيةً، فلم تحملْه قدماه، والقصرُ يدورُ به، فلا يهدأُ، ولا يستقرُّ.
سأله الملكُ باستغرابٍ:
ـ " أتظنُّ أنّ هذا الكرسيَّ الخشبيَّ يجعلُكَ ملكاً ؟ ! ".
أجابَ الجنديُّ، وهو يتلعثمُ:
ـ " هو مجرّدُ حُلُمٍ، يا صاحبَ الجلالةِ، ظلَّ يراودني منذ صغري ".
ثمّ أردفَ الملكُ ضاحكاً:
ـ " أنتَ الآن ملكٌ، وأنا أحدُ رعايـاكَ. بمَ سـتحكمُ عليّ لو انقلبتُ عليكَ ".
هبَّ الجنديُّ واقفاً، وقالَ معتذراً:
ـ " أستغفرُ اللهَ، يا صاحبَ الجلالةِ، ما أنا إلاّ عبدٌ من عبيدِكَ ".
قالَ الملكُ:
ـ " اجلسْ، اجلسْ، أيّها الجنديُّ، وقلْ لي: كيف ستحكمُ بين هؤلاء الناسِ الذين لا همَّ لهم إلاّ التآمرُ عليّ وعلى مملكتي ".
قالَ الجنديُّ، وهو مطرقُ الرأسِ:
ـ " إنّهم - يا صاحبَ الجلالةِ - لا يستحقّون إلاّ الموتَ، فلا رأفةَ بهم، ولا عطفَ عليهم ".
قالَ الملكُ:
ـ " لا شكّ في أنّكَ جنديٌّ مخلصٌ لي وللوطنِ. أيّها الجنديُّ، أنتَ منذ اليومِ وليُّ عهدي الأمينُ ".
يُحكى بعدئذٍ أنّ وليَّ العهدِ انقلبَ يوماً على الملكِ، وزجّه في السجنِ حتّى ماتَ، وجلسَ على عرشِه منتشياً، لا يفارقُه لحظةً، ولكنّ جنديّاً غافله يوماً، وجلسَ عليه، وهو يقولُ:
ـ " أنا الآن ملكُ الزّمانِ ".
ويحكى أنّ الملكَ تلمّسَ عندئذٍ رأسَه، وهو يرى أحدَ جنودِه يجلسُ مكانَه، وأمرَ من فورِه السيّافَ أن يضربَ عنقَه حتّى يكونَ عِبرةً لغيرِه من الجنودِ الذين لا يروقُ لهم من كراسي القصرِ جميعِها إلاّ كرسيَّ الملكِ.
مملكة الكراسي الخشبيّة، مجموعة قصصيّة للأطفال من منشورات اتّحاد الكتّاب العرب في دمشق 2001.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية