ميشيل كيلو و"زمان الوصل" و"الأورينت" والموظف المغلوب معاشياً!

إذا أردنا أن نحترم الحق في الحوار... فلا يمكن لاختلاف الآراء أن يتحول إلى جريمة.. ولا للمقال الذي يرد على مقال أن يتحول إلى مؤامرة!
عندما نكتب لنرد على بعضنا بعضاً، سواء بمودة وهدوء، أو بعنف وسخرية ظاهرين... فإن هذه الردود تبقى في دائرة الاختلاف، وتبقى جزءا من طبيعة سجالات الكتابة وسجالات الثورات، القائمة على مناقشة ما نختلف حوله من أفكار، وليس البحث عن الخلفيات الشخصية لتفسير أو تبرير سبب الاختلاف، كمكان العمل مثلاً.
من هذا المنطلق، شعرت بالأسف الشديد حين قرأت مقال الأستاذ ميشيل كيلو المعنون: (أكاذيب مشينة) والمنشور في الموقع الإلكتروني لـ (العربي الجديد) بتاريخ: (14/4/2014) والذي يتضمن رداً صريحاً على مقالي (معركة الساحل: نيران صديقة تصيب عقول المعارضين) المنشور بتاريخ: (3/4/2014) في موقع (زمان الوصل).. والذي قمت بكتابته لأناقش فيه أفكار الأستاذ كيلو حول (معركة الساحل) التي كان قد نشرها في مقال له في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية.
اعتبر الأستاذ ميشيل في بداية مقاله أنه: " مستهدفٌ منذ قرابة شهر بحملة أَكاذيب شعواء، أوصلتني إلى طهران، بصحبة الصديقين، برهان غليون ومعاذ الخطيب، مع أن من سألني على "السكايب" عن صحة الخبر كان يعلم أنني في بيتي بباريس، وكنت، قبل ذلك، في اسطنبول، حيث تواصلت مع مئات الأشخاص على مدى عشرة أيام".
بعد هذه المقدمة التي يفهم منها أن هناك من بلغت به الوقاحة حد تلفيق أخبار عارية عن الصحة حول زيارته لطهران، انتقل مباشرة إلى الإشارة إلى مقالي في (زمان الوصل) واعتباري أنني أنا من بدأت هذه الحملة ضده... فجمع - عن حسن أو سوء مقصد- بين نشر الأخبار الكاذبة حوله، وبين المناقشة المشروعة لآرائه، يقول:
" بدأ الحملة شخصٌ، كنت أثق بقدرته على فرز الغثّ من السمين. حين قرأت ما كتبه، قلت في نفسي: الشبيح الذي يعمل في تلفازه أمره أن يكون جاهلاً، ويسألني إِن كان من الممكن تحرير الساحل السوري في معركةٍ لا تجري فيه، مع أنه يعلم أن معركة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية حسمت في ستالينجراد والعلمين، ومعركة اليابان في المحيط الهادي، ومعركة فيتنام الجنوبية في فيتنام الشمالية... إلخ، ويعلم، أيضاً، ما يجهله معلمه الشبّيح، وهو أن تدمير قدرات النظام في باقي مناطق سورية سيجعل دخول الساحل متاحاً بلا قتال، أو بقدر قليل منه، وأن على قيادة الجيش الحر مناقشة هذا الاحتمال بكل جديةٍ وتفصيل، لأنه سيكون أولويةً وطنيةً، في وقت ما من تطور الصراع، إن أردنا تقصير المعركة، والمحافظة على وحدة دولتنا ومجتمعنا".
ثم تابع ليوصف حالتي الصعبة بالقول: "بعد جهل العارف المغلوب على أمره معاشياً" معتبراً أنني كتبت ما كتبت لأنني موظف في تلفزيون الأورينت، حسب معلوماته القديمة، وأن مالك الأورينت الذي أعمل عنده أمرني أن أكون جاهلاً... فكنت!
ربما لا يعلم الأستاذ ميشيل أنني قدمت استقالتي من العمل في تلفزيون الأورينت منذ 21/10/2013، وهذا الموضوع ليس سراً، فقد كتبت ذلك على صفحتي الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، كما قمت بتعديل معلومات العمل على صفحتي الشخصية ليصبح (عمل سابقاُ في الأورينت). وبالتالي فأنا لم أكتب ما كتبت، ولم أرتكب الكفر البواح بحق مناقشة أفكاره، بطلب من الأستاذ غسان عبود مالك (الأورينت)، ولم أجهل عليه وأنا عارف لأنني مغلوب معاشياً... ناهيك عن أن مقالي منشور في موقع (زمان الوصل) المستقل، وليس في موقع (الأورينت نت) الذي توقفت عن الكتابة فيه منذ ما قبل مغادرتي (الأورينت) بأسابيع.
لقد دعاني الأستاذ فتحي بيوض، بعد أن علم بخبر استقالتي من الأورينت، للانضمام إلى كتاب الرأي في موقع (زمان الوصل) الذي يرأس تحريره، فلبيت... ولو كنت ما أزال مع (الأورينت)، ربما لم يكن ليسمح ارتباطي الوظيفي بذلك. وإلى جانب مقالي الأسبوعي في (زمان الوصل) فقد عملت مراسلا لصحيفة (القدس العربي) من الإمارات، وواظبت على الكتابة للصحيفة، كصحفي يعود إلى بيته القديم، يمارس المهنة التي أحب حين يخرج من المكاتب والإدارات إلى شارع الصحافة مجدداً، يحدوه إيمان عميق باحترامه لمهنته وانتمائه لها... كما عملت على إنجاز مشاريع ثلاثة كتب، كانت معطلة بسبب ضغط العمل الإعلامي الذي كان يستهلكني في (الأورينت) واعتبرتها فرصة للتفرغ للتأليف... وخلال ما يزيد عن الستة أشهر من تاريخ الخروج من المؤسسة، كان بإمكاني فيما لو كان لدي ملاحظات من النوع الذي يُجبر فيه الموظف في (الأورينت) أن يكتب ما لا يرضى عنه (كي لا يغلب معاشياً) كما يتصور السيد ميشيل، أن أكتب عنها باستفاضة، وأن أبدو في نظر البعض كمن يقول (الحقيقة بجرأة)، لكن مشواري مع المؤسسة، وإحساسي بالمسؤولية الأخلاقية تجاه ما أكتب، لن يسمحا لي إلا بالقول وفق تجربتي الشخصية: لقد أنجزت (35) فيلماً وثائقياً للأروينت، دون أن أتعرض لأي رقابة، أو أي تدخل غير فني، سوى تحميلي المسؤولية عن احترام الثقة التي منحتها لي المؤسسة، وحق مناقشة العمل بعد عرضه... كما كتبت عشرات المقالات خلال عملي اللاحق كرئيس تحرير موقع (الأورينت نت)، ومنها بورتريهاً خاصاَ يفيض بالاحترام عنك يا أستاذ ميشيل، ولم يتدخل أحد في مراقبته قبل نشره، ولا فرض رؤيته علي ككاتب يوقع باسمه عليه.
في كل مؤسسة إعلامية هناك الكثير من التفاصيل الإدارية أو غير الإدارية المزعجة، وهذا موجود في (الأورينت) وغيرها، لكن سوى ذلك لم أعرف (الأورينت) يوماً مكاناً لتشويه آرائي، أو فرض قناعات لا تمثلني.. ولا مكاناً لتجييش كل العاملين فيها حول فكرة محددة لا يجوز خرقها، ولعل خير دليل على هذا أنني وضعت اسمي على كل ما أنجزته خلال السنوات الثلاث من عملي السابق، ولم يحدث ان كتبت باسم مستعار، أو خجلت من مادة أنجزتها، حتى لو كانت تقريراً إخبارياً.. لأنني لو سئلت عنها اليوم لقلت إنها تمثلني بمقدار مع تنسجم أيضاً مع الخط العام للمحطة.
أكتب هذا الكلام الآن... وأنا خارج (الأورينت)، لا لكي أبرر للسيد ميشيل كيلو اتهاماته، بل لكي أكتب كلمة حق في مكان أعتقد أنه قدم الكثير للثورة، بغض النظر عن تقييمنا لكثير من التفاصيل، التي من الطبيعي الاختلاف حولها من منطلق النجاح والفشل والاجتهاد والبحث، لا منطق المؤامرة.
وقصارى القول... فما كتبته في مقالي في (زمان الوصل)، ليس له علاقة بحملة أشارك فيها ضد السيد كيلو، ولا بمؤامرة يقودها غسان عبود للنيل منه... بل له علاقة بمناقشة أفكار كاتب له وجهة نظر في شأن من شؤون الثورة... ويحق للجميع مناقشتها من دون أن يتهموا بالتبعية، ويخشوا أن يُطعن في شرفهم الصحفي... وممن؟! من شخص درس الصحافة، ويعرف جيداً أن مثل هذه الاتهامات كانت توجهها الجهزة الأمنية له فيما يكتب، ناهيك عما يعلمه في السنوات الأخيرة التي جمعتنا به قبل الثورة، عن معاناتنا حين كنا في سورية، وكم استدعينا للأمن بسبب مقالات كتبناها، أو بيانات وقعنا عليها.
مؤسف جداً أن تنحدر يا أستاذ ميشيل إلى هذا المستوى، مع أن مقالي لم يخرج عن مناقشة افكار مقالك، ولو أردت أن أكتب بنفس الطريقة، لاخترعت قصصاً عن كتابتك في صحيفة سعودية، وعن أموال تتلقاها كي لا تكون مغلوباً على أمره معيشياً!
بالعودة إلى التفصيل الوحيد الذي رد علي به في مقالي، والمتعلق بحسم معركة الساحل في منطقة أخرى غير الساحل، فأنا لم أكن عارفاً وأستجهل... فلا الحرب العالمية الأولى ولا الثانية، ولا معركة العلمين ولا معركة اليابان وفيتنام، اتصور أنها تشبه ما يحدث في سورية... في تلك الحروب كانت هناك جيوش دول نظامية تتصارع في حرب مفتوحة، أما في سورية، فثمة شعب يقتل، وثمة جيش يملك طائرات وصورايخ وكيماوي ومدعوم من ميلشيات طائفية شيعية من العراق ولبنان واليمن، ودعم إيراني وروسي، وضعف أمريكي غير مسبوق، يواجهه جيشاً حراً من بقايا المنشقين والمدنيينن والكتائب الصغيرة... وتارة يقال سنفتح الدعم لكم، وأخرى يقال لن تحصلوا على تسليح نوعي لأن هناك جهاديين بينكم، أو لأننا لا نعرف شكل البديل القادم في حال سقوط النظام... فهل يقارن هذا بذاك يا أستاذ ميشيل؟! وهل معارك الحرب العالمية الأولى أو الثانية، أو حرب فيتنام، هي المسطرة التاريخية التي تقاس فيها كل حروب وصراعات القرن الحادي والعشرين، في زمن تبدلت فيه موازين القوى الدولية، وفاجأت فيه ثورات الربيع العربي حتى الأوربيين والأمريكان؟!!
يبقى الأمر إن شئت مفتوحاً للنقاش... لكن ما كان من المعيب حشره في دائرة هذا النقاش، هي وضعي وموقع (زمان الوصل) في إطار مؤامرة وحملة نفتتحها ضدك، ونعمل فيها كلنا بإمرة مالك (الأورينت)، وكأن الأستاذ غسان عبود بحاجة للاختباء وراء أحد كي يقول ما يريد، أو كأنه فعلها يوماً، حين راح يصرح ويجاهر بآرائه في الأشخاص والتيارات والظواهر التي يقول رأيه فيها باستمرار وباسمه الصريح!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية