شِرِّيْرَةٌ لَكِنَّهَا أُمُّ الفُتُونْ
فَطُفُوْلَةٌ سَكَنَتْ بِهَاتِيْكَ العُيُونْ
وَبَرَاءَةٌ تَكْفِي شُعُوْبَ الأَرْضِ لَـ
ـكِنَّ البَرَاءَةَ قَدْ غَدَتْ مِثْلَ الأَتُونْ
فَعُيُوْنُهَا أَزَلِيَّةٌ لا تَكْتَفِي
بِالْكَوْنِ حَدَّاً ، بَلْ تَرَاهُ كَمَا السُّجُونْ
وَنُهُوْدُهَا الخَضْرَاءُ أَضْحَتْ سَرْمَدَاً
فِيْهَا بَنَيْنَا جَنَّةً مِنْ زَيْزَفُونْ
أَرْزَاً وَعِشْقَاً قَدْ زَرَعْنَا جِسْمَهَا
فَنَمَتْ عَلَيْهَا رَوْضَةُ الرَبِّ الحَنُونْ
* * *
كَمْ مِنْ صَلاةٍ قَدْ سَمَتْ في حِضْنِهَا
كَمْ مِنْ سُجُوْدٍ قَدْ أَطَالَتْهُ السُّنُونْ
كَبُرَتْ سَمَاءُ اللهِ في جَبَلٍ لَهَا
كَثُرَ الهَوَى في سَهْلِهَا وَالعَاشِقُونْ
وَتَهَافَتَ الشُّعَرَاءُ فَوْقَ رُبُوْعِهَا
وَتَعَلَّمَتْ مِنْهَا البِلادُ هَوَى الجُنُونْ
* * *
يَا طِفْلةً قَدْ أَصْبَحَتْ شَرَّ الوَرَى
حِيْنَ ارْتَضَتْ أَنْ تَحْتَفِي في مَيْسَلُونْ
فَتَفَرَّقتْ أَقْدَارُ أَهْلٍ وَانْطَوَتْ
ذِكْرَى شَهِيْدٍ عَاشِقٍ لِلزَّيْزَفُونْ
وَتَمَزَّقَتْ أَشْلاءُ أُمَّتِنَا الَّتِي
أَضْحَتْ بِلا شَعْبٍ، غَدَتْ أَرْضَ المَنُونْ
يَا طِفْلَةً لَمْ تَعْتَرِفْ بِخَطِيْئَةٍ
فَاحْتَارُ فِيْهَا أَهْلُهَا وَالزَّائِرُونْ
وَجُنُوْبُهَا أَمْسَى جَحِيْمَاً مُضْرَمَاً
وَبِقَاعُهَا يَدْعُو لآلِهَةِ المُجُونْ
أَحْبَابُهَا أَحْبَابُنَا، أَعْدَاؤُهَا
أَعْدَاؤُنَا، لَكِنَّهَا أَرْضُ الظُّنُونْ
ظَنَّتْ بِنَا سُوْءَاً، وَكَمْ مِنْ دَوْلَةٍ
دَرَسَتْ لأَنَّ الظَّنَّ عَشَّشَ في الحُصُونْ!
إِبْلِيْسُ يَا وَطَنِي قَدِ اخْتَارَ الوَغَى
ظُلْمُ الحَبِيْبَةِ شَرُّ حَرْبٍ في سُكُونْ
فَحَبِيْبَتِي بَيْرُوْتُ تَبْغِي مَسَّنَا
بِالسُّوْءِ لَوْ كَرِهَ الهَوَى وَالمُؤْمِنُونْ
وَحَبِيْبَتِي بَيْرُوْتُ نَالَتْ عِزَّنَا
لَكِنَّها رَفَضَتْ هَوَانَا كَي يَهُونْ
* * *
وَلَقَدْ مَشَيْتُ مُنَادِيَاً نَصْرَاً لَهَا
فَالْتَفَّتِ الأَمْصَارُ حَوْلِي وَالسُّنُونْ
نَادَيْتُهُمْ: 'وَطَنٌ لَنَا مُتَقَلِّبٌ'
صَاحُوا: 'هَلُمُّوا نُحْيِي هَاتِيْكَ الغُصُونْ'
عَبَرُوا بِحَارَاً لَمْ تَكُنْ في أَرْضِهَا
فَبِحَارَ دَمٍّ أَمْطَرَ الغَيْثُ الهَتُونْ
هَزَمُوا الوَغَى، بَلْ قَهْقَرُوا جَيْشَ العِدَى
نَصَرُوا بِلادَاً حُرِّقَتْ فِيْهَا الجُفُونْ
بَيْرُوْتُ أَنْتِ غَرَامُنَا، حَتَّى الدِّمَا
فِيْكِ احْتَسَبْنَاهَا كَأَلْحَانِ الشُّجُونْ
فرَفَعْتِ عَنْ أَرْجَائِكِ الثَّكْلَى الخَنَا
وَكَتَبْتِ فِيْهَا قِصَّةً تُبْكِي العُيُونْ
وَجَعَلْتِ أَرْضَكِ دَوْلَةً مِنْ نَشْوَةٍ
وَأَشَدْتِ بُنْيَانَاً حَكَتْ عَنْهُ القُرُونْ
* * *
بَيْرُوْتُ أَنْتِ حَنَانُنَا، لَمْ تَكْتَفِ
أَوْطَانُنَا يَوْمَاً مِنَ الحِضْنِ الحَنُونْ
مَا غَنَّتِ الفَيْحَاءُ يَوْمَاً حُبَّكِ
إِلاَّ وَقَدْ رَقَصَتْ شَهَادَةُ مَيْسَلُونْ
زُرْتُ الكَنَائِسَ في رُبُوْعِكِ فَاهْتَدَتْ
عَيْنِي إِلى دَرْبِ المَسَاجِدِ وَالصُّحُونْ
فَكَنَائِسُ الإِسْلامِ أَضْحَتْ في العُلا
وَمَسَاجِدٌ تَرْعَى الصَّلِيْبَ فَلا تَخُونْ
جَلَسَ الإِلَهُ عَلَى رُبُوْعِكِ وَاكْتَفَى
لا يَبْتَغِي عَرْشَاً سِوَى عَرْشِ الفُتُونْ
فَعَلِمْتُ أَنَّ بِلادَنَا مَسْحُوْرَةٌ
إِنْ أذَّنَتْ بَيْرُوْتُ صَلَّى قَاسِيُونْ
وَعَلِمْتُ أَنَّ حَبِيْبَتِي أُمُّ الهَوَى
بَيْرُوْتُ عِشْقِي وَلْيَكُنْ مَا قَدْ يَكُونْ!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية