لقد ظلّ التناحر الثقّافي بزيّه السّياسيّ العنوان الأكثر تخبطاً، في الصّراع القائم في السّوق الثقافيّ الكُرديّ ،المتلوّن بين نماذج مختلفة ،متنوّعة إن صحَّ القول، متضاربة ،في أكثر من موقف سياسيّ ،قريبة من أساسيات الأسئلة والأجوبة الّتي يجب أن يقف عليها الكاتب ،أو الإعلاميّ ،أو الشّاعر ،أو السّياسيّ ،واضعاً في الحسبان أنّ المثقّف في مؤهلاته يستطيع أن يمزج بين شتّى الفنون الأدبيّة ،بغض النظر عن ميوله السّياسيّة كرأي ،فهو السّبب المباشر في كلّ السّجالات والانقسامات القائمة، يتفاعل ولا ينفعل ،ينام ويستيقظ حزيناً ،فهو ليس صفقة يشاطر بها جهابذة التّسويق السّياسيّ، هُنا المعركة الفكريّة للهجاء والرثاء بقانون غير مصاغ سوى بضد ،أو مع ،مستغنين عن ملكاتهم النقديّة والموضوعيّة ،بجمال أساليب الأدب المختزل ،نستطيع أن نستشهد بنماذج عن كتّاب - كحالات متفاوتة في أكثر من موقف سياسيّ - بعد أن نعترف ،أنّ مدرسة سليم بركات الّتي أصبحت مع مرور الزّمن بفعل التكنولوجيا كلاسيكيّة ،ولكن ظلّ هو الرّقم المخيف ليس كُردياً فحسب بل عربياً ،وعالمياً، ومن ينكر القول يستطيع أن يرجع إلى سيرة الجندي الحديدي وغيرها من الأعمال الّتي أجد فيها تخوين الموقف السّياسيّ والقوميّ لرجالات السّياسة ،والأعمال أولاً، ومخرجي السّينما، والتلفزيون بالدرجة الأخيرة .
نستطيع القول:إنّ المثقّف الذي استطاع- في ما يسمّى القطار الثقافي الكُرديّ - أن يمشي بعيداً عن التحزّب الفكريّ المنغلق ،وقام بالمشاركة في الشّؤون الكُرديّة دون تحيّز ،دون أن يؤثّر عليه موقف،أو حالة عاطفيّة ،بعبارة أخرى تمالك نفسه ،استطاع أن يكسب الرّهان ،كما في معادلة/ إبراهيم اليوسف، سربست نبي/ أنموذجاً، وإن تزحلقا في هفوات، ولكن استطاعا أن يضعا نقطة آخر السّطر ،والعودة إلى سطر الصّفحة البيضاء ،فتركيزهما على الأخطاء والتجاوزات يكون بتشكيل رأي كُرديّ ذي أغلبية ضاغطة لأجل التصحيح ،حذرين من محسوبيات الشّارع المنقسم ،مفضّلين المصلحة القوميّة العليا على الانفراديّة ،فيطلقان صفّارات الإنذار ،ليوقظا الجمهور إشارةً إلى الخطأ .
بالمقابل من نفس المدرسة بلون أشد إلى الرّفض بقول/ لا / حتّى للهفوة نجد لقمان ديركي ذي الشّعبية الأكثر هتكاً في سجلات وأضابير قرّائه بحكم أنّه في الشّارع الرئيسيّ من السّوق العربيّ كعلامة فارقة ،فكان تقبّل القارئ العربيّ أكثر بنسب عالية جداً، ولم يضيع في هفوات السّياسة ،ملتزماً بأسلوب كتابته السّاخرة المتحرّرة من كل قيد، وإن كان العاق والمتهوّر في ردّات فعله ؛قد يقول أحدهم إنّه السّكران الذي يهذي ولا يقول إلاّ سخريةً ،مع القليل من الجنون في الملافظ التي يشمئز منه القارئ المحافظ، فلا ينقر إعجاباً خجلاً من المحظور ،ونجد حالات كثيرة أقرب إلى ديركي من النموذج الأوّل مع جديّة الكتابة الإعلاميّة الواقفة بالمرصاد ،والمنبّه بصفعة الكلمة الموجعة والتّحليل الأكاديميّ غير السّاخر ،القاسيّ نذكُر هنا / هوشنك أوسي ،سالار أوسي ،رستم محمود ،فريد سعدون / وظلّ هذان النموذجان وليدين لمدرسة بركات ،داعيين إلى الاندماج الكُلي لرأي راديكالي ثوري إقليمي منفتح على الماركسيّ ،متقبّل للديني المتحرّر من قيود السّلفيّ ،محافظين على هويتهما القوميّة ،والشّأن العام.
هُنا انبرزت تيارات سلبيّة ،بأسماء وهميّة لنشطاء مجهولي الهويّة ،وآخرين منظّرين في رشّ كلمات على هوامش بعض المواقع ،مستغلين المنشورات ,لخلق حالة خصومة سياسية مع الجهات التي انتقدها الكاتب فاستغلّوها لغايات حقدية انتقامية تشهيريّة ,لحساب تيار يعادي تيار آخر ،لتأليب الشّارع ،وهنا نكون أمام تيارين سياسيين ذهنيين في ملامح التناحر الأهلي لأكراد سوريا ،فإمّا موالين لحزب الاتحاد الدّيمقراطيّ الرّديف لحزب العمال الكُردستانيّ ،وإمّا موالين بأحزابهم السياسيّة لرئاسة إقليم كُردستان العراق - دون أن ندخل في الاتجاه السّياسيّ في فلسفة كلا التّيارين- وهذا الاختلاف في التّقسيم شكّل النموذج الأوّل الناقد لأخطاء الجميع باعتبارهم رافضين للتحزب المنغلق ،ملتزمين بالحريّة المطلقة في كتاباتهم ،مع ترك فراغ عاطفي انحيازي لكاتب على آخر في ميوله،وأنّ ظلّوا يرفضون تخليد القائد ،فبدأ ظهور بوادر تحوّلات فكر تيّار جديد متعاطف مع الشقيقين رافضاً الطّاعة،وأغلب هؤلاء هُم من المقيمين في دول أوربّا ،والموالين لفكرهم في الدّاخل .
أمّا التيار الرابع هو الحليف المؤازر والمساند لأحد التيارين الحزبيين بنفس ناقد لاذع قاسي قد يصل إلى الرّشق بالمفردات ،وبعض الآخر يكون مدافعاً إلى حدّ الاستماتة ،غير ناقداً ،يتقنون فنون النقد ووسائلها بحرفيّة النماذج السّالفة ،بالإضافة إلى الانفعالات ،ولكن هنا المكون الحزبيّ ،أو الميول العاطفيّ والفكريّ قد فعل فعلته ونذكر هنا / خالد جميل محمد ،طه الحامد ،عمر كوجري ، فاروق حجّي مصطفى،نايف خليل، فدوى كيلاني ،حسين جلبي ،وليد حاج عبد القادر/.
والتّيار الأخير ظلّ مراقباً مع بعض المحاولات ،رافضاً الدّخول في مهاترات الوحل السّياسيّ ،متمسكاً باستقلاليّة الكتابة في الخلافات السّياسيّة ،فظّل الحالة العاطفيّة والقومية العليا والمشتركة هي السّائدة ،رافضين الخروج عمّا يمارسونه في الشّعر ،والكتابة الأدبيّة، والدّراما التلفزيونيّة مع الإشارة أكثر إلى الشّأن العام ،والإنساني، وإن تطرّقت حالات فرديّة على شكل وخذ إبر ،كانت حياديّة الموقف هي السّائدة / إبراهيم حاج عبدي، عارف حمزة ،صالح نعسان ،بطال سليمان، حليم يوسف ،فرمز حسين/
وكنموذج مؤسساتي نستطيع الإشارة إلى رابطة الكتاب ،واتّحاد الصّحفيّين كمؤسّستين مستقلتين منقسمتين ،لأسباب مسلكيّة ،فكريّة، في جيناتها ،علماً أنّ كليهما في خطى واحدة ،متقاربتان من حيث الحياديّة ،والميول السّياسيّ ،والفكريّ ،في محاولات منهما ،لملمت مثقّفيهم تحت اسم مؤسسة واحدة شبيهة بدائرة الأحوال الشّخصيّة، علماً أنّ الثانية كانت نتيجة ولادة الأولى ،طبعاً هنا النموذج الذي رفض الطّاعة للقائد أو الحزب لا يعنيه كثيراً مثل هذه الالتزامات التي تراها تتحكّم ،بملكات الفكر الحر،هذه العيّنات هي من خلال تواصلي مع هؤلاء الكتّاب ،وليس كنسيج كامل لمثقّفي الشّارع الكُرديّ ،ولكن بالمجمل سيجد المثقّف الكُرديّ نفسه مع إحدى الحالات ،ربّما لأنّ الجينات الوراثيّة الدّقيقة هي ذاتها في سوسيولوجيّة ،وفيزيولوجية كلّ كرديّ، فهناك أسماء إعلاميّين ،ومخرجين ،ومترجمين ،وسياسيين كثر .
التّزاوج الثقافيّ الكُرديّ العربيّ
ولكن ظلّ المكون العربيّ الصّديق ،ومن خلال صفحات التواصل الاجتماعيّ موجوداً كجزء لا يتجزأ ،نتيجة التّزاوج الثقافيّ في اللغة والمصير المشتركين ،فتطرح إحدى الشّاعرات /هالا محمد/ سؤالاً في لفتة رائعة وحرقة قلب في صفحتها الشّخصيّة ،ربّما شبيهة بالغزل الكُرديّ الفلسطينيّ للجنرالين/سليم بركات،ومحمود درويش/ أو حالة موسيقاري الأغنيتين السّياسيّة والقوميّة/ شفان برور،وسميح شقير / مشيرة إلى أسماء شعراء الكُرد مستفسرةً: في حال انهارت سوريّة كدولة لا سمح الله ،وصار لأخوتنا الكُرد كيان مستقل ،أو حكم ذاتي طارحة سؤالاً- وهنا أضيف معها بعض الأسماء- : مروان علي ،لقمان ديركي ،طه خليل، بسمة شيخو ،محمد زادة ،جوان سوز ،حسين حبش ،جولان حاجي ، ،مسعود عكّو ،علي جازو، محمّد رشو ،خلات أحمد، إبراهيم حسو ،عماد الدين موسى ،ريبر يوسف ،دارا عبد الله ،وغيرهم الكثير ،ترى بأي لغة سيكتبون أشعارهم ،رادّةً على نفسها ،أمّا نحن العرب فلا داعي للسؤال ،فليس لدينا لغة أخرى ،ليس لدينا وطن آخر ، ليس لدينا أُم أخرى .
راشد الأحمد كاتب وناقد سوريّ
twitter: @rashedalahmad2
facebook : rashed.alahmad
القطار الكُرديّ... وصِدام مثقّفي أكراد سوريا
راشد الأحمد
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية