من خلال نظرة الى واقع الثورة في الثلاث سنوات الماضية، وخاصة بعد الانتقال للعمل العسكري بدا واضحاً أن هناك إنفصال بين عمل القوى السياسية للمعارضة وعمل الفصائل والقوى العسكرية على الأرض، ومن أهم أسبابه هو عدم قدرة المعارضة على تطويع العمل العسكري لخدمة عملها السياسي وبالعكس , في عدم وضع المعارضة لسياسة واضحة للعمل العسكري، والذي أدى الى فقدان المؤسساتية في العمل العسكري مع ضعف المؤسسة السياسية للمعارضة.
لابد أن نتفق أن السقوط السياسي لنظام الأسد ستصنعه القدرة العسكرية للمعارضة، في استحواذها على المناطق التي يبني عليها النظام قوته السياسية مع المجتمع الدولي عموماً والإقليمي خاصة.
يشير الواقع اليوم إلى أن ضبط وإدارة المعركة التي بدأت في جنوب البلاد وصولاً للعاصمة دمشق بالتزامن مع معركة الساحل وتمترس المعارضة فيها، وذلك بعد خوض معركة لم تكن نزهة بالنسبة لقوات النظام وحزب الله في يبرود والتي ترى فيها المعارضة أن الإنسحاب من المدينة لم يكن هزيمة، بل كان نصراً بالنسبة للمعارك السابقة مع النظام ,وخاصة في بابا عمر والقصير , حيث تقول المعارضة أن معركة يبرود هي المعركة التي إستطاعت فيها قوات الجيش الحر أن تنسحب بكامل عتادها وبأقل الخسائر في عناصرها، ومحافظتها على أكثر المناطق استيراتيجية في محيط القلمون ومحاصرتها للنظام داخل المدينة، لتتحول المعارضة إلى صاحبة المبادرة في ضرب قوات النظام المتمترسة داخل المدينة.
لذا من المجدي أن نبحث في الأوراق المتساقطة من يد النظام على الصعيد السياسي , فبعد أن أثبت النظام فشله في حماية الأقليات التي لطالما ادعى أنه الأقدر على حمل هذه المهمة في سورية ,حيث تبلور فشله بالهجوم الكبير على راهبات معلولا، من خلال إعلامه ومؤسساته التشبيحية وجيشه الإلكتروني الذي تباهى به الأسد وقدم له الشكر في إحدى خطاباته , فالجميع عاصر الحملة التي بدأت بالتشهير بالراهبات ووصفتهن بأسوء العبارات والسمات، حتى وصلت الى إتهامهن بالعاهرات صراحة وعلى وسائل الاعلام دون الأخذ بعين الإعتبار لمن يؤمن بقداسة رجال الدين من المسيحيين , لكن المشهد لم يتوقف هنا إلّا أنه إمتد ليخلق إحتقان علوي – علوي , طال في مشاحناته الداخلية مسيحيي سورية من خلال الشعار الذي إعتمدت عليه الحملة ضد صفقة التبادل مع المعارضة، وهو أن الأولوية هي لإخراج أبناء الطائفة العلوية المعتقلين في صفوف المعارضة بدلاً من إخراج مسيحيين , وهذا كان كفيلاً لسحب ورقة حماية المسيحيين من يد النظام الذي حملها معه ووضعها على طاولة جنيف.
إذن النظام يرى أن كل من يتحرر من عبادته فهو خائن وعميل، ويحوله لعدوٍ يجب التخلص منه وكتم حريته .
كان يتوجب على المعارضة السياسية أن تجند هذا الحدث في وقته لخدمة قضاياها، ولكن ضعف إعلامها وعدم إمتلاكها الوسائل والآليات لتحويلها إلى حملة حشد ومناصرة، جعل هذه القضية تمر دون الإستفادة منها في تحريك الرأي العام المحلي والدولي .
ومن ورقة حماية المسيحيين إلى ورقة حماية الطائفة العلوية، لاسيما في فتح معركة الساحل والتي وضع النظام أمام خيارين أحلاهما مرٌ: الأول أن يسحب قواته من مناطق إستيراتيجية بقي لثلاث سنوات يحارب للسيطرة عليها لينتقل بها إلى الساحل، كي يثبت للعلويين أن إشباعه للتراب السورية بدماء أهلها كان لحماية الطائفة فلطالما فتنهم بأن رحيله يعني رحيلهم والقضاء عليهم وهو معنى الشعار الذي تردده ميلشياته وتكتبه على جدران كل المدن التي تدخلها " الأسد أو لا أحد " والشعاريشمل الطائفة العلوية " لا أحد ", أما الخيار الثاني: أن يبقي قواته متمترسة في مواقعها لحماية مصالح إستراتيجية تهم حلفاءة أكثر مما تهم الطائفة ،لاسيما بعد معركة يبرود التي أثارت إشارات إستفهام كثيرة حول السبب الرئيسي لإهتمام النظام لها ، وبجبهة القصير قبلها والتي يحلل البعض أنها لحماية ميليشيا حزب الله في لبنان، وبالتالي حماية مشروع النظام السياسي في طهران ذو الصبغة الطائفية.
وهنا نستطيع أن ننقل الكاميرا لمشهد جنوب البلاد لنتساءل:
ماذا لو صعّدت قوات المعارضة من عملياتها العسكرية في جنوب البلاد على حدود الأراضي المحتلة من قبل اسرائيل؟؟ لنصل الى إحدى أكثر الأوراق أهمية والتي يعتمد عليها النظام إستكمالاً للسياسة التي سار عليها حافظ الأسد محافظاٌ على سلطته لثلاثين عام مضت.
حماية حدود إسرائيل لم تعد ورقة يمتلكها النظام بعد أن سيطرت قوات الجيش الحر على أكثر من 60 بالمائة من منطقة القنيطرة، والتي على مايبدو ستصل في الأيام القادمه لسيطرة كلية قد تمتد إلى عمق يصل لـ 40 كيلوا متر باتجاه ريف دمشق وصولاً لحدود العاصمة من الجهة الجنوبية الغربية، والمقصود أن يفقد النظام ورقة حماية الحدود لا أن تحملها المعارضة , دون أن ننسى أن المعارك في درعا ماتزال تسير في مصلحة الجيش الحر، الذي سيطر في الأيام الأخيرة على مواقع عسكرية وجغرافية لاتقل أهميتها عن مناطق يبرود والقصير وحمص بشكل خاص , وأهمية المعركة في درعا بات النظام يدرك خطورتها ولذلك بدأ يرسل زبانيته من بعض من يُحسَبون على المعارضة لإقناع فصائل الجيش الحر بضرورة التهدئة والمصالحة .
إذن نحن أمام سقوط سياسي للنظام، يبدو أن العامل الرئيسي في صناعته هو الإستراتيجية العسكرية التي ينبغي على المعارضة السياسية أن تديرها وتطوعها لخدمة معركتها السياسية ، بالإضافة لإعادة تفعيل الحراك المدني في المناطق التي مازالت تحت قبضة النظام والعمل على تنظيم وإدارة المناطق المحررة ولتكن هي فرصة مناسبة لها لتثبت أنها قادرة فعلا على التعاطي مع كافة القوى المدنية والفصائل العسكرية بديناميكية مرنة وفاعلة، وتكون سنداً لها وشريكاٌ بقيادة المرحلة التي يعي الجميع مدى حساسيتها وأهميتها.
المعركة السياسية والفرص الضائعة ... بهاء الدين نجيب

.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية