لأول مرة في تاريخ تركيا وربما في تاريخ المنطقة كلها، تحظى انتخابات محلية باهتمام عربي وإسلامي واسع تخطى مساحة تركيا الممتدة على 780 ألف كم2، وشعبها المقدر بـ77 مليون نسمة.
فبينما كانت عجلة الانتخابات البلدية في تركيا دائرة، كان هناك ما يشبه "حلبات المصارعة" بين تيارين متمايزين على الساحة العربية، أحدهما ينتظر فوز حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان بفارغ الصبر، والثاني ينتظر العكس ويمني نفسه بأن تنجح المعارضة في كسر إرادة "السلطان" ودفع حزبه إلى الظل، لاسيما أن أردوغان وعد قبل الانتخابات بأن ينسحب من الحياة السياسية في حال لم يفز حزبه بالمركز الأول فيها.
ولم يستطع العرب، لاسيما السوريين منهم والمصريين أن يمنعوا أنفسهم من متابعة أرقام الانتخابات وتطوراتها لحظة بلحظة، كل من موقعه، فمؤيدو النظامين الحاكمين في دمشق والقاهرة، كان يراقبون بنوع من الحسرة تبدد آمالهم في تقدم المعارضة، أملا بأن يشكل هذا نوعا من الدعم المعنوي لبشار الأسد وللفريق عبد الفتاح السيسي، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية في مصر، بعدما قاد حملة الإطاحة بأول رئيس منتخب في تاريخ البلاد، ونعني به محمد مرسي.
أما معارضو الأسد والسيسي، من السوريين والمصريين، فكانت مشاعر الفرحة والثقة تغمرهم مع تقدم فرز النتائج، لاسيما السوريين، الذين وجدوا من حكومة أردوغان تعاملا طيبا مع مأساتهم، تمثل في استقبال اللاجئين وتيسير أمورهم قدر الإمكان، فضلا عن الدعم السياسي للثورة السورية، والذي لايحتاج إلى برهان لشدة وضوحه.
وقد أعطت مواقع التواصل الاجتماعي، صورة مكثفة عن حلبة نزاع، ساهم كل فرد فيها بتشجيع فريقه، والهتاف له، حتى بدأت ملامح الأرقام الأولية تتضح، فخفتت أصوات الداعمين للمعارضة، وتعالت مقابلها أصوات المحتفين بالفوز الأولي، لاسيما بعدما سمعوا إعلانه من فم "أردوغان" نفسه، الذي وجه للأتراك خطابا مشحونا بالعاطفة، لكنه أيضا خطاب صارم وشديد اللهجة ضد "الخصوم" الذين شنوا بشتى الطرق حربا ضارية على "السلطان" وحزبه وأبرز أركان حكمه، وقف فيها وبشكل مثير للانتباه الإسلامي "فتح الله جولن" إلى جانب العلماني "كمال قليتشدار".
وإذا توافقت النتائج الأولية للانتخابات المحلية في تركيا، مع النتائج النهائية، وهو المتوقع مع الإعلان عن فرز قرابة 98% من الصناديق، فإن رجب طيب أردوغان سيكون من أصحاب الإنجازات الاستثنائية في ميدان السياسة التركية، بل وربما العالمية، حيث يكون قد فاز بـ6 انتخابات متتالية.
واللافت أن شراسة الهجمة التي شنها خصوم "العدالة والتنمية" على الحزب، أعطت مفعولا عكسيا، فالحزب ماض لحصد قرابة 46% من الأصوات في عموم البلاد، في حين أنه كان يطمح لـ39%، على غرار الرقم الذي حققه في الانتخابات السابقة عام 2009، عندما كان أردوغان وحزبه في وضع مريح للغاية، على صعيد السياستين الداخلية والخارجية.
وإذ تبقى تعقيدات المشهد الانتخابي في تركيا وتداعيات نتائجه بحاجة إلى تحليل أعمق وأشمل، فإن ما يمكن إدراكه من "الإشارات الأولى" أن "أردوغان" وحزبه باتا اليوم أكثر قوة من ذي قبل، وقد يكفي من تلك "الإشارات" فوز مرشحي "العدالة والتنمية" برئاسة بلديتي أكبر مدينتين في تركيا (اسطنبول وأنقرة)، متغلبين على مرشحي حزب الشعب الجمهوري، أقوى المنافسين.
وتضم اسطنبول وأنقرة لوحدهما حوالي 18 مليون نسمة، أي قرابة ربع سكان تركيا.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية