تمخـّضت القمة العربية الأخيرة وعلى غير عادتها فهذه المرة حتى فأر لم تلد ؛ بل أنجبت فيل ٌ خرافي لا وزن ولا لون ولا وجود له إلا بمخيلة مغرمي الحل السياسي ، لما يسمونها ظلما ً وإجحافا ً بـ : الأزمة السورية ، ثم أبقوا مقعد سوريا شاغرا ً وكأن أمل انتصار الأسد لا يزال قائما ً في عقولهم .
ثلاث سنوات عانى الشعب السوري فيها ، ويلات القتل والتعذيب والتهجير بشكل علني فاضح على يد نظام مجرم سفاح ، اما عن العالم الحر ” المتضامن ” مع الشعب السوري فكان ولا يزال ودون جدوى يطالب بـ الحل السياسي ووقف إطلاق النار .
بالنسبة للشعب السوري فلم يكن لديه الخيار حين حمل السلاح مكرها ً مرغما ً لا مغرما ً برائحة البارود ، ولا مانع لدى الشعب حتى يومنا هذا بقبول حل سياسي حقيقي منصف لتضحياته الجسام ، لكن كل معطيات حسن النوايا التي أظهرها النظام تشير إلى أن صاحبها ثعلب ، ويريد العالم ” الحر ” تسويقه من جديد على أنه حمل وديع ، لتصبح كلمة ” الحل السياسي ” تقرأ في الشارع السوري على أنها إما أن تفاوضوا نظام مجرم ” يعيد انتخاب نفسه ” فتنتخبونه وتصمتون ، أو تتركون إلى مجهول المصير سنين لا حصر لها ، فأين الـ ” حل ” في هذا ، أوليس من المجحف هنا اقحام كلمة ” حل ” وإلحاقها بالتابعة ” سياسي ” ، لماذا تخجلون في تسميته صراحة ً ” حل الثورة ” ، لتكون التسمية بذلك اكثر دقة لما تطالبون به ؟!
أما عن النار فلم يعد الشعب في سوريا مكترثٌ بوقف إطلاق النار لأنه كما قيل : ليس بالنار وحده يُقتل السوريون ، لكن حبّذ لو يوضع السوريون بمعركة ” متكافئة ” في العتاد والسلاح ، وحبّذ لو يحيد سلاح الطيران الحربي والبراميل المتفجرة ، لكن ” لو ” تفتح ” قبر ” الشيطان . وعلى ذكر حافظ الأسد الراقد في القرداحة فهاهم الثوار ، يتقدمون في معركة تحرير الساحل السوري ، ليحرروا عدة مواقع استراتيجية في أيام قليلة ، وعلى عكس ما كان متوقعا ً فإن التشريح العسكري في جبهة الساحل يشير إلى شيئين اثنين ، أولهما :
أن هؤلاء الثوار الذين بدؤوا بتطهير الساحل من رموز عاصابات نظام الأسد ، تدربوا تدريبا ً حقيقيا ً في معارك قتال الشوارع وواجهوا أنواع الموت وحافظوا على سلامتهم لأعوام ثلاثة خلت وبإمكاننا أن نعتبر أن قوات النخبة الثورية هي من أخذت على عاتقها مسألة تحرير الساحل السوري ، أما في الجانب الآخر فإن غالبية من يدافعون عن النظام في هذه الجبهة فهم الشبيحة الذين لطالما مارسوا أنواع التنكيل والتعذيب والقتل والإجرام بحق ” المدنيين ” والمدنيين فحسب ؛ إلا أنهم لم يعتادوا من قبل على مواجهة مجموعات مسلحة ومدربة بكل ما تعنيه الكلمة .
أما المميز الثاني لمعركة الساحل : فهو أن نظام الأسد سيضطر إلى تحييد سلاح الجو كلما تعمّق الثوار اكثر في المدن والبلدات الساحلية التي يقطنها موالون لنظامه ، فتخّل ماذا سيحدث فيما لو اتصلت زوجة ضباط ” ساحلي ” الأصل يخدم نظام الأسد في دمشق أو في درعا او غيرها لتقول له بأن طيران النظام قصف بيت أبيك وقتلت أمك وبعض أفراد عائلتك ” بالخطأ ” و ” الجيش الحر ” يساعدنا في عملية انتشال الجثث والبحث عن ناجون من تحت الأنقاض !
وقع النظام إذا ً بين فكّي كمّاشة ، لتخيره معركة الساحل بأمرين أحلاهما مرّ مرارة العلقم ، يمثل أولهما خسارة النظام للساحل إن لم يستخدم سلاح الجو ، والثاني خسارة النظام للحاضنة الشعبية في الساحل فيما لو استخدم طائراته لقصف تلك المدن والبلدات التي تعتبر ” خزانات ” بشرية لأشخاص دفعوا عشرات الآلاف من أبنائهم في معارك جنّدهم بها نظام الأسد ونشرهم على امتداد البلاد في مواجه شعب أراد الحرية .
خلاصة القول أنه فيما لو استمرت معركة الساحل ، و لم تتوقف بأمر ” معارضاتي ” صادر من خلف الكواليس تحت أية ضغوط دولية قد تمارس على المعارضة السياسية أو العسكرية ، فإنه سيتم إعلان تحرير الساحل السوري في وقت قياسي لم ولن يتوقعه أحد ، وستشكل الاضطرابات الدائرة في تلك المنطقة ” أمر ” ذاتي لانسحاب فردي لمعظم الجنود ” الساحليين ” المدافعين عن نظام الأسد من دمشق وغيرها من المحافظات السورية باتجاه مسقط رأسهم . وعندها سيفقد النظام سيطرته على حبال أشرعة سفينته التي شارفت على الغرق .
كاتب صحفي سوري – الأردن ، عمّان
تحرير الساحل السوري سيكون مدوّيا ً كما لم ولن يتوقعه أحد ... لؤي ابازيد

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية