أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

درعا زهرة ربيعنا الأولى *

خرجت درعا من وسط جموع المدن السوربة الكسولة المستكينة الذليلة٬ وقالت: «اتبعوني سنسقط الطاغية».. مشت في المقدمة حاملة رايات الوطن الوليد.. بعضهم استغرب قائلاً: «جنَّت المدينة»؛ وآخرون سخروا: «مغامرة حمقاء لأهل حوران؛ لا أحد يدرك عواقب نزواتها وتهورها!».. أولئك سمحوا للأفعى أن تقبل وجوههم؛ لكنهم ما إن أغمضوا أعينهم نشوة, حتى غرست سمها في قلوبهم٬ لتبتعد أرواحهم عن دروب سورية؛ وتسقط خارج فردوس ثورتها الموعود!

كثيرون التزموا الصمت بدلاً من الصراخ بأعلى أصواتهم؛ بدلاً من دخول المعركة لكشف الرياء الوطني, وفضح أكاذيب بائعي الوهم النضالي, وتجار المقاومة والممانعة المزيفة, الذين صنعوا من أنفسهم ضحايا الشرف عندما رأوا الطحالب تنمو على أجسامهم وتنتشر. كان لابد من رفع الصوت عالياً عندما تحولت تماسيح التاريخ إلى كائنات بشرية تسير على قدمين, وراحت تتحدث عن الصمود في وجه المؤامرة الكونية الإمبريالية – الصهيونية – التكفيرية...
درعا شجرتنا الخضراء دائماً؛ شجرتنا الأولى التي سنعلق عليها أرواحنا كمصابيح عيد ميلاد الحرية, ونبني على أغصانها أعشاش أحلامنا بمستقبل واعد سيأتي عاجلاً أم آجلاً.. إنها درعانا مصدر فخرنا وعزتنا وكرامتنا...
لنفرح قليلاً نحن الذين ولد الفرح بعيداً عنا؛ وغادرنا الأمل في منتصف الطريق.. لنفرح قليلاً؛ فقد كنا بحاجة لوقفة شجاعة جسورة, فإذ بدرعا – زهرة ربيعنا الأولى– تهدينا إياها مقابل آهاتنا المحترقة ألماً, واعتيادنا على يوميات قتلها!

أخيراً سقطت الأسطورة وانزاحت ستائر الوهم، وخرجنا من قواقع الخوف وجدران الطين التي بناها أسلافنا في قلوبنا الرخامية.. قلبنا حاجز الخوف رأساً على عقب؛ الحاجز الذي حكمنا لأكثر من أربعة عقود.. فظائعهم ستتوقف قريباً لأننا دخلنا عالماً جديداً, عالماً يفتح أبوابه بكلمات عن قوتنا المتعاظمة وتوازن رعبنا الجديد..
عالمهم القديم يحتضر، ونحن الذين شاهدنا تعفنه وتفسخه وتشنجات موته القبيح؛ لن ننسى أن الإمبراطورية الرومانية ظلت تعيش خمسمائة عاماً بعد ولادة المسيح؛ لكن مع ذلك كانت تعيش فقط. لكنها تنتفخ وتتعفن وتتفسخ من الداخل, وهي في طور قوتها – نهايتها.. كذلك لم يستطع الصليبيون البقاء في بلادنا غير ثمانٍ وثمانين عاماً٬ رغم إمكاناتهم شديدة التفوق, فعادوا بالفلفل والزنجبيل بدلاً من رفات المسيح؛ فهل ستدور عجلة التاريخ ويندحر الأسد وجيشه ومليشياته الطائفية الحاقدة رغم قوتهم المفرطة ووحشيتهم المدمرة؛ بعد أعوام طويلة قاسية من حكم عائلة الأسد البغيض.

إننا نحترق, ولكننا لن نفنى أبداً, سنخرج من تحت الرماد كطيور الفينيق الحورانية؛ ونوجه أجسادنا إلى قلب الوحش, لنفجر ألمنا وعذابنا وحقدنا وغضبنا... شكراً درعا؛ فقد أعطيتينا دماً جديداً يمنعنا من الانهزام والانقراض.. لم نعد نحمل منديلاً لنمسح الدموع من أعيننا٬ بل اقتنينا أسلحة للدفاع عن أنفسنا وبيوتنا وأراضينا.. طريق جديد يُفتح أمامنا: طريق الكفاح والصمود, فعصابة الأسد لا تعرف غير لغة القوة والعنف والبطش...
تتساقط طائراته كأوراق الخريف؛ وتنفجر دباباته بصواريخ الأحرار.. ستتوقف براميله عن الانفجار قريباً, ويعود كل شيء إلى طبيعته. وعبر الزجاج المنكسر سأرى باحة الدار والورد يزنرها.. سأرى وجه أمي وجهاً للسماء.. سأرى روحي فراشة تهفو باتجاه درعا؛ تعرج نحو الله!

* د. علي حافظ
(146)    هل أعجبتك المقالة (127)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي