لو قدر للإجرام أن يتمثل في صورة كائن، لتمثل في صورة هلال أنور الأسد، الشخص الذي جمع الشر من أطرافه، وأضاف إلى سجل سلالة الأسد "الحافل" قصصا تختلط فيها الاستعلائية بالمافيوية، وتتماهى داخلها السادية المفرطة مع الطائفية الفاقعة.
ولأنه من عائلة الأسد، وخريج مدرسة عمه حافظ، فقد أجاد "هلال" في صناعة هالة من الرعب حوله، وطعّمها بمسحة من "السوبرمانية" التي جعلته الفتى الذي لا يقف في وجه رغباته الجامحة شيء، ولايشق لسطوته غبار.
وكما كان "يرن" اسم حافظ في سوريا بوصفه الآمر الناهي، كان اسم هلال الأسد يرن في جنبات اللاذقية كلها، دون أن يعلم أحد "كيمياء" التفويض الذي منح من قبل حافظ ومن بعده ابنه بشار لـ"هلال" حتى يكون ظلهما في المنطقة التي لاتقبل القسمة على اثنين أبدا.. أي في اللاذقية، بما تحمله من رمزية للنظام، تكفي القرداحة لاختصارها.
لماذا اختير "هلال" بالذات ليكون وكيل "الأسدين" في السطو على مقدرات مرفأ اللاذقية، وممارسة مختلف أنواع السلوك العصاباتي من خطف وسلب و"تشليح"، وفوقها استعباد للمسؤولين والناس في محيط نفوذه؟
لاشك أن الجواب الأدق هو عند من اختاروا "هلال"، لكن المؤشرات توحي بأن "هلال" امتلك "مؤهلات" جعلته محط ثقة "الأسدين"، ومن أهمها قدرته على نقل التجربة المافيوية بكل أوزارها السيئة وتشكيلها في قالب "محلي" يحاكي شهوات السلالة الأسدية التي لاتنتهي للسطوة والتحكم حتى بأبسط شؤون الناس.
ولكن الميزة الأهم لـ"هلال"، والتي لعبت دورا في تفضيله على غيره من "الأسديين"، تمثلت في امتلاكه درجة استثنائية من الدونية، سوغت له أن يكون "ممسحة" عائلة حافظ الأسد، والحبل الذي ينشرون عليه كل غسيلهم الوسخ، باعتباره غسيل "هلال" وحده.. في حين يبقى حافظ وأولاده في دائرة "الملائكيين"، الذين لايعلمون عن إجرام "هلال" وفساده وتشبيحه شيئا!
ومن هنا لم يكن لدى "هلال" أي شيء يخسره أو يتأسف عليه من سمعة أو رجولة أو أخلاق، عندما قبل "التوكيل الحصري" بأعمال التشبيح، الذي منحه إياه حافظ ومن بعده بشار، بل إن "هلال" تجاوز -مع الأيام- طموح "موكليه"، وبات يطور في أساليب تشبيحه ويمد أذرعه الأخطبوطية في أنحاء اللاذقية، حتى صار "هلال" الاسم المرادف لكلمة موبقات في أحاديث الناس، فإن خطفت فتاة في اللاذقية، كان المتهم الأول هلال، وإن حصل إطلاق رصاص، فإن الفوهة التي انطلق منها هي مسدس هلال أو "روسيات" أتباعه، وإن ضج الناس بقضية نصب، كان لهلال الحظ الأوفر من سهام نقدهم.
كل هذه "المواهب" كانت تتكشف تباعا لدى "هلال" قبل أن تندلع الثورة السورية بسنوات طوال، وعندما انطلقت أول صرخة "حرية"، أماط "هلال" اللثام عن شهوة فريدة للقتل بـ"الجملة"، بعدما كان يمارسه بـ"المفرق"، كيف لا وقد واتته الفرصة، ووافقته أوامر رئيسه بشار، بضرورة القضاء على المؤمراة الكونية؟
وهكذا سارع "هلال" ليقوم -قبل الجميع- بإعادة "هيكلة" زعرانه وأتباعه وتنظيمهم ضمن "الدفاع الوطني"، منصبا نفسه زعيما عليهم، وموقعا صفقة إجرام جديدة مع بشار، تقضي بكتم أنفاس أي شخص معارض أو ثائر أو ناشط، كتما فعليا بقتله أو تغييبه في معتقلات يعد الموت فيها رفاهية صعبة المنال.
وبقدر ما كانت بنود الصفقة مفزعة، بقدر ما كانت مكاسب "هلال" ونفوذه يتعاظمان، حتى شرع -وعلى رؤوس الأشهاد- في الإعداد لتوريث ابنه القاصر سليمان "أسرار المهنة"، وتعليمه "أصولها"، فأهداه "دبابة" بعدما ملّ الغلام من قيادة مختلف أنواع السيارات.
وكما يطلق ضبع جائع ابنه على قطيع من الأغنام الضعيفة، ليعلمه مبادئ الافتراس، أطلق هلال ولده سليمان على اللاذقانيين مؤيدين ومعارضين، حتى ضج الناس بتصرفاته، فشكوه إلى والده، الذي وعد بتأديبه، في تكرار لسيناريو شكاواهم من تجاوزات هلال إلى حافظ وبشار، اللذين كانا يعدان كل شاك بلجم هلال ووضع حد له!
تغوّلُ "هلال" على كل معارض وثائر بوجه النظام، كان يقابله وللمفارقة زيادة في تغوله على المؤيدين، الذين لم يكونوا يرون أنفسهم سوى "سمك صغير" أمام "حوت" خُلق ليبتلع، وليبتلع فقط.
ابتلع "هلال" اللاذقية، ابتلع مرفأها، ابتلع كثيرا من الناس فيها، ابتلع أموالا لا تحصى من سكانها، ابتلع سوقها السوداء وبعضا من سوقها البيضاء، ابتلع مدينتها الرياضية ليحولها إلى مقر دائم لشبيحته، ابتلع وابتلع، حتى جاءت لحظة الحقيقة فابتعله الموت!، وعَبَر على الشاشات في صورة خبر مقتضب: مقتل زعيم الشبيحة هلال الأسد على أيدي الثوار.
إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية