بعد صمود أسطوري امتد لأكثر من ثلاثين يوماً وتحت وابل من البراميل المتفجرة وحوالي 500 غارة جوية وعشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف حسب وصف ناشطين سوريين، أعلنت قوات الأسد المدعومة بمقاتلين من ميليشيا حزب الله اللبناني يوم الأحد الماضي سيطرتها على مدينة يبرود.
وتعتبر يبرود صلة وصل بين دمشق وحمص، وامتداداً جغرافياً حيوياً بالنسبة لنظام الأسد، على صعيد الإمدادات والسيطرة السياسية.
وكان من الواضح أن النظام يستميت للاستيلاء عليها مهما كلّف الأمر لقطع خط الإمداد الرئيسي لمقاتلي المعارضة من بلدة عرسال ذات الأغلبية السنية –شرق لبنان، بهدف الإطباق على ريف دمشق، وقطع طرق الإمداد إلى الغوطة وحمص.
وبما أن المفاوضات في جنيف لم تنجح، كان لابد من استغلال الوقت لشن هجوم واسع وشامل على القلمون ككل، ويبرود بالذات بغية تعزيز موقع وفد الأسد خلال المفاوضات المقبلة. وكان من الواضح أن سيناريو حصار يبرود صعب جداً على قوات النظام ومليشيا حزب الله على حد سواء، ما اضطرهما إلى إحكام الخناق شمالاً على (النبك وجراجير والسحل)، والتقدم من جهة الشرق في (مزارع ريما التي دارت فيها أعنف الاشتباكات).
أما من الجهة الجنوبية والغربية فلم يكن بالإمكان حصارها، لاعتبارات عدة فمن الجهة الغربية توجد منطقة رأس المعرة وفليطة وبعدها جرود عرسال، وهي مناطق شاسعة تسيطر عليها كتائب المعارضة، تخلو من أي تواجد عسكري لجيش النظام.
ومن الجهة الجنوبية تقع جبال القلمون وحوش عرب ومزارع رنكوس، وبالمقابل عززت فصائل الجيش الحر والثوار لا سيما "الإسلامية" منها، تحصينات عسكرية استغرق الإعداد لها نحو سنتين، وعلى طبيعة جغرافية قاسية.
ويرى خبراء عسكريون أن الخطأ القاتل الذي ارتكبته فصائل معارضة تراجعها عن تلال مشرفة على يبرود، مثل تلة مارون الاستراتيجية والعقبة التي جعلت المدينة هدفاً مكشوفاً من كل الجهات.
*مسؤولية السقوط
وما إن انقشعت غبار المعركة حتى بدأت الأصوات تتعالى بين الثوار عن سبب سقوطها وتخاذل الكثيرين عن نصرتها، وبالمقابل تبادل أطراف المعارضة الاتهامات حول من يتحمل مسؤولية هذا السقوط، فجبهة النصرة على لسان المتحدث الرسمي باسمها في القلمون حمّل مسؤولية ما جرى لفصائل من الجيش الحر الذين فروا –كما قال– من تلال العقبة القريبة من يبرود بعد سقوطها و"أشاعوا خبر سقوط يبرود ليبرروا هروبهم أمام الإعلام والممولين واجتمع قادة هذه الفصائل –بحسب المتحدث الرسمي- وقرروا الانسحاب من يبرود دون أي مقاومة وتسليمها للجيش ولمليشيا حزب الله.
*سياسة تدمير شامل
اتهامات رفضها ناشطون على الأرض جملة وتفصيلاً معتبرين أن انسحاب الجيش الحر من يبرود لم يكن كيفياً وإنما لاعتبارات تكتيكية.
وقال الناشط أبو الهدى الحمصي في حديث لـ"زمان الوصل" إن النظام مارس سياسية التدمير الشامل في يبرود من خلال استهدافها بأكثر من 30 براميلاً متفجراً، و20 غارة، ناهيك عن 30 صاروخاً من نوع أرض -أرض، إضافة إلى صواريخ "بركان" و"زلزال" والصواريخ قصيرة المدى التي أطلقها عناصر حزب الله.
ويضيف الناشط الحمصي إن النظام السوري اتبع سياسية تدمير وسياسية عقاب جماعي قطع خلالها كافة الطرقات، باستثناء طريق واحد تركه مفتوحاً يصل (فليطة وعسال الورد ورنكوس) لإبقاء الباب موارباً لمن يريد الخروج.
ويؤكد أبو الهدى أن خسارة يبرود لا تعني نهاية المعارك "المستمرة حتى هذه اللحظة". كاشفا أن قوات الأسد وحزب الله -حتى هذه اللحظة- لم تجرؤ على دخول بعض الأماكن في يبرود خوفاً من مباغتة الثوار.
وقال الحمصي إن دخول "المليشيات الطائفية" صباح الأحد إلى وسط المدينة كان مشهدا صادما لدى بعض الأهالي الذين اختاروا البقاء داخل يبرود.
وكشف أن "الميليشيات كعادتها عند أي اقتحام قامت بعمليات سرقة ونهب وتدمير لمنازل المدنيين وعمليات تصفية للموالين وللمعارضين على حد سواء في المدينة"، علما أن "الثوار" استبقوا الانسحاب التكتيكي من المنطقة بتأمين خروج نحو 6 آلاف عائلة من يبرود حتى لا تطالهم غارات طيران النظام الحربي الذي نفذ يوم الجمعة الماضية فقط 20 طلعة جوية غيرت ملامح المنطقة وسوتها بالأرض، تمهيداً لتقدم قواته البرية على الأرض.
وأوضح أبو الهدى أن 10 % من هذه العائلات دخلت إلى عرسال اللبنانية، بينما توزع الباقون بين دمشق، قرى القلمون الأخرى"عسال الورد" و"رنكوس" و"فليطة".
* إهمال وليس خيانة
ويعزو الناشط الإعلامي تيم القلموني أن من أسباب "سقوط" يبرود هو طول مدة المعركة، في الوقت الذي لم تفتح أي معركة في أي مكان آخر تخفف الضغط على يبرود، إضافة إلى عدم التكافؤ بالعدة والعتاد مع الحزب، فهو استخدم ضدنا كثافة نارية وأسلحة محرمة دولية بشكل كثيف أدى لعدد جرحى كبير جدا.
ويرى القلموني أن ما حصل في يبرود أيضاً كان نتيجة للكثير من التخبطات والأوراق والخطط والمجريات غير المتوازنة على الأرض، فبعد أكثر من شهر بدأ الإرهاق يتسلل تحت الضغط الزائد.
وقال إن الشائعات أحبطت الكثيرين، محمّلا بعض الإعلام مسؤولية الترويج لها، مشيرا إلى أن شائعة بسقوط يبرود تناولتها وكالة الأنباء الفرنسية وكأنه خبر صحيح نقلا عن مصدر عسكري سوري، رغم أن قوات الأسد آنذاك لم تكن قد خطت خطوة واحدة داخل حدود يبرود.
وبحسب القلموني فإن ذلك كان السقوط المعنوي الأول الذي تسبب بانسحاب بعض الفصائل على وقع الشائعة، في حين صمد الثوار الذين تم إمدادهم من فصائل معروفة بقوتها.
"هذا الثبات والتدخل أفشل الشائعة وأعاد يبرود من جديد للحرية"، كما يقول القلموني، معترفا أن هذه العودة لم تطل طويلاً لوجود مهملين، وليس "خونة" كما يشيع البعض، فمن صمد وقاتل وتحمل 33 يوماً لن يأتي ويبيع في اللحظات الأخيرة والكلام للقلموني.
ويختم قائلا إن درس يبرود ليس الأول وكل ما نخشاه أن لا يكون الأخير ... "فالتكرار عنوان ثورتنا".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية