رائحة بن جدو… "زمان الوصل" تتابع قصة 40 دقيقة من "الجهاد" في سوريا هزت تونس

"أبو قصي" من مدرب زرافة، إلى مخطط للجيش الحر!
الجيش الحر استخدم المثاقب الكهربائية في التعذيب، لإثبات وجود الحرس الثوري الإيراني
ناشطون وصحافيون تونسيون سرعان ما وضعوا نهاية للمسرحية رديئة الإخراج
يبدو أن عدوى الفبركات الساذجة قد انتقلت بامتياز من إعلام بشار الأسد إلى بعض أطراف الإعلام التونسي، لتثير زوبعة جديدة حول الثورة السورية، سرعان ما انكشف تواضع وفشل حبكتها، كما تقصت عن ذلك "زمان الوصل".
بدأت القصة مع قيام الإعلامي نوفل الورتاني يوم السبت، بإجراء لقاء على قناة "التونسية" مع من قال إنه "جهادي" تونسي عائد من سوريا، عرف عن نفسه باسم "أبو قصي"، وروى وهو ملثم ومعمى على وجهه!، تفاصيل "مروعة" عن "تجاوزات المجاهدين"، طارت بها صحف ومواقع عربية و-أسدية طبعا-، جاعلة منها دليلا قاطعا على زيف الثورة السورية واحتقانها بالإرهابيين، الذين يرتكبون الموبقات ثم يتهمون بها النظام البريء!
بن جدو مهتم بالقضية
المثير والمضحك في آن معا، أن اعترافات "أبو قصي" جاءت موسوعية بكل ما في الكلمة من معنى، حيث لم يترك واقعة ولا شخصا يتصل بالأحداث في سوريا، ألا وتكلم عنه، ابتداء من مقتل 128 من رجال أمن النظام في جسر الشغور بريف إدلب في حزيران 2011، وصولا إلى قتل خطيب النظام محمد سعيد رمضان البوطي، وانتهاء بادعاءات تدل على سطحية من لقنه إياها وتثبت التهمة التي يحاول نفيها، لاسيما حين ادعى أنه كان يشارك الثوار في تدمير المساجد ويتهمون بشار حتى ينشق السنة، وأن الجيش الحر استخدم الطريقة الإيرانية في التعذيب ضد أحد الشبيحة، عندما قام بثقب جسده بالمثقاب الكهربائي، فقط ليثبتوا أن الحرس الثوري موجود في سوريا!
وحتى تكتمل "المسرحية" لدى من أخرجها كان على "أبو قصي" أن يذكر شخصيات بعينها، ليظهر وكأنه مطلع عالم ببواطن الأمور، رغم أن هذه الشخصيات عامة ويعلمها كل ما لديه أدنى اطلاع على أوضاع سوريا، وهكذا وزع "أبو قصي" اتهاماته على رياض الأسعد، وعبد الرزاق طلاس (العقيد!)، وعمار الواوي، و عدنان العرعور وعادل المعاودة (نائب بحريني) ووليد الطبطبائي (نائب كويتي) وغيرهم، فضلا عن جزمه بتورط دولتي ليبيا وتركيا.
أما اللافت خلال تحرينا عن القضية، فهو اهتمام قناة الميادين التابعة لمخابرات النظام والتي يترأسها التونسي "غسان بن جدو" بمتابعة قضية "أبو قصي"، لكنها عندما اتصلت بمراسلها في تونس "أمان الله المنصوري" سمعت ما لم تكن تتمنى سماعه، حيث أفاد المراسل بأن السلطات التونيسة استدعت "الورتاني" للتحقيق فيما عرضه خلال برنامجه "لابأس"، كما إنه يجري التحري عن "أبو قصي" لاعتقاله والتحقيق معه، نظرا لما أثارته أقواله من ضجة كبيرة في تونس؛ وقد ظهرت علائم عدم الارتياح على تقاسيم مذيعة الميادين وهي تسمع هذه الأخبار من مراسل القناة على الهواء مباشرة، لكنها لم تستطع مقاطعته.
وليس خافيا أن "غسان بن جدو" يعد إحدى قنوات التواصل التي يعتمد عليها نظام بشار في تحريك أعوانه ضمن تونس، وتوجيههم لتشويه صورة الثورة وتلميع صورة النظام، مستغلا شبكة علاقته، التي توطدت مع وصول قريبه "لطفي بن جدو" إلى منصب وزير داخلية تونس.
"لطفي" الذي يكبر "غسان" بسنتين فقط، كان أول مسؤول تونسي روج لبدعة "جهاد النكاح" وقص عنها الأقاصيص أمام البرلمان التونسي، وعاونته قناة الميادين في نشر أكاذيبه، قبل أن يصمت "لطفي" عن الموضوع، نتيجة ما تلقاه من إثباتات على زيف أقواله، التي فندتها بصورة عملية أكثر من منظمة حقوقية ووسيلة إعلام عالمية.
تحرك سريع
ورغم تهافت أقوال "أبو قصي" طوال مقابلته التي استمرت قرابة 40 دقيقة، فإن القضية هزت أوساط الناشطين التونسيين، فقرروا متابعته بدقة، والكشف عن مزيد من حيثيات اللقاء، لاسيما تاريخ وشخصية "أبو قصي"، باعتبار تصريحاته استغباءً للشعب التونسي، وباعتبار إظهاره على الشاشة استهتارا بقيم الإعلام المهني في تونس، وهما أمران لايجوز السكوت عنهما.
وعلى الفور، تناقل تونسيون ما وصفوها بأنها معلومات مؤكدة عن شخصية "أبو قصي" تقول إن اسمه "أيمن بن أحمد مطاوع"، وأنه يقطن حي النصر بالقيروان، ويعمل حارسا في مدرسة ابتدائية، موضحين أن "أبو قصي" لم يذهب إلى سوريا مطلقا.
وقد علق ناشط تونسي على قضية "أبو قصي" قائلا: إن الإرهاب لا دين له، وتونس ليست وطنا له، لكن هناك إعلاما يصنعه.
ولم تمض سوى ساعات قليلة من إعلان ملاحقة "أبو قصي" حتى تم القبض عليه، وبدأت تتكشف فصول المسرحية ذات الإخراج الرديء، حيث أكدت والدته في اتصال مع إحدى إذاعات تونس أن فرقة مكافحة الإرهاب بالقيروان ألقت القبض على ابنها، كاشفة أنه لم يسبق له أن غادر تونس، وأنه مريض نفسيا، وقد أدلى بأقواله بعد ضغوطات مارسها عليه مقدم برنامج "لابأس" نوفل الورتاني.
بدوره بث موقع الصدى التونسي مقطعا مصورا لـ"أبو قصي" يعترف فيه أن الصحافية منى الميساوي بجريدة "الصريح"، هي أول من قدمه إلى الإعلام على أساس أنه مجاهد سابق في سوريا، وهي تعلم مسبقا أنه لم يغادر الأراضي التونسية وتدرك جيدا حقيقته؛ لكنها تجاهلت ذلك واشتركت في تزييف الحقائق مع فريق قناة التونسية.
وكان لافتا أن موقع الصدى لم يختر خلال لقائه مع "أبو قصي" أن يظهره مقنعا، بل اكتفى بتشويش بسيط على وجهه، لم يخف كامل ملامحه، كما فعلت "التونسية".
نهاية المسرحية
وكتب الصحافي التونسي ماهر زيد عن القضية، كاشفا مزيدا من التفاصيل: خرجت للتو من منزل آل مطاوع بمدينة القيروان حيث يقطن ما أصبح يُتداول إعلاميا بـ"الملثم الملتحي" ضيف نوفل الورتاني في برنامج "لابأس"، تركت ورائي أبوين عجوزين ينحبان ابناً في الثلاثين من العمر أُوقف منذ سويعات لمشاركته في البرنامج المذكور.
الوالدة تحدثت عن ولادة قيصرية لابنها خلفت له تشويها.. الوالد من جهته أكد أن إبنه لم يسافر قط أبعد من شاطئ سوسة؛ لينفي قطعيا ذهاب ابنه إلى أي مكان خارج تونس، و قد سلّم طواعية جواز سفر ابنه إلى منطقة الأمن بالقيروان؛ لينفي عنه شبهة السفر الى سوريا او غيرها من بلاد الله.
الوالدة أكدت ضلوع صحافيتين الأولى معدة برنامج نوفل، والثانية مختصة في المواضيع المثيرة بجريدة الصريح مثل جهاد النكاح، في الإيقاع بابنها الذي أكد لها تسلمه قناع الوجه من معدي البرنامج لإرتدائه أثناء الفقرة.
أيمن مطاوع أو الملثم الملتحي عمل في وقت من الأوقات، كمدرب لزرافة أحد ولاة بن علي (الرئيس التونسي المخلوع) وعاملا أمينا لديه، قبل التحاقه بوزارة التربية كحارس إحدى المدارس الابتدائية.
بدورها أكدت صحيفة الشروق التونسية أن والدة الملثم "أبو قصي" هي من سلمت ابنها إلى فرقة مكافحة الإرهاب.كما سلمت جواز سفره الذي استخرجه حديثا، موضحة أنه لا يحمل أيّ ختم.
ونقلت الشروق عن والدة "أبو قصي" نفيها سفر ابنها لأي جهة سواء سوريا أو غيرها.
وأكدت الشروق أن "أبو قصي" كشف عن لثامه وصرّح لوسائل الإعلام عن هويته، وأنه أيمن بن أحمد مطاوع. مكذّبا ما صرّح به سابقا حول سفره للجهاد في سوريا، ومؤكدا أنه اخترع الرواية من أجل البروز إعلاميا.
لكن المثير أن نوفل الورتاني الذي تولى فبركة القصة كلها، سارع للتبرؤ من "أبو قصي" بل إن الورتاني تواصل مع مكافحة الإرهاب،داعيا إياهم للتحقيق فيما أورده "أبو قصي".
فلاشات
خلال مشاهدتها للقاء "أبو قصي" على قناة "التونسية"، لفت "زمان الوصل" كثيرا أن الأهوال والجرائم التي ادعى الجهادي المزعوم أنه ارتكبها في سوريا، لم تكن تحت مظلة تنظيم متشدد مثل "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بل كانت برعاية "لواء التوحيد"، حيث ادعى "أبو قصي" أنه كان مقاتلا فيه، وبالتحديد في كتيبة لواء أبايبل التابعة لعمار الواوي!
ولصعوبة إحصاء ما في اللقاء من تهافت وضعف حبكة، قامت "زمان الوصل" باقتباس بعض العبارات، وإدراجها ضمن "الفلاشات" التالية:
• أبو قصي.. دخلت إلى إدلب التي كانت خارجة عن سيطرة الدولة.. ثم يستدرك: عن سيطرة بشار
• أبو قصي.. بنش (في إدلب) ولاية مستقلة وكأنها قندهار.. وتابعة للجيش الحر!
• أبو قصي: كانت المعارك التي شاركت فيها تستمر يوما واحدا، ومنها قتالي في بابا عمرو بحمص
• الورتاني خلال البرنامج يقول لـ"أبو قصي".. معركة جسر الشغور مع العقيد الهرموشي، فيجيب "أبو قصي": الهرموش.. الهرموش.
• أبو قصي.. كنت أتدرب على السلاح في معسكرات الجيش الحر، وكنت أخطط لهم!
• الورتاني لـ"أبو قصي".. في جسر الشغور قتلتم 128 من رجال الأمن، أبو قصي: نعم!! (أقصى حصيلة لقتلى رجال الأمن في جسر الشغور حسب رواية النظام لم يتعد 120 عنصرا).
• الورتاني لـ"أبو قصي" ماذا فعلت في معركة "باب عمرو".. "أبو قصي": وقتها العقيد عبد الرزاق طلاس طلب إمدادات، فذهبنا لمساعدته!
• الورتاني لـ"أبو قصي".. أين تقع المحاكم الشرعية.. أبو قصي: واحدة في إدلب، وواحدة في حلب.
• أبو قصي: شاهدت 13 مجاهدة.. في النهار يعملن قناصات.. الورتاني: في النهار قناصات وفي الليل جهاد نكاح.
• الورتاني: ماالذي قام به مهدي الحراكي؟.. "أبو قصي" مصححا: مهدي الحاراتي.. بعد ثوان، الورتاني: مهدي الحاراكي ماذا يحرك؟، أبو قصي: مهدي الحاراتي الذراع الأيمن لرياض الأسعد.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية