أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عام على حكومة "هيتو"… أحمد قاسم

كان الثامن عشر من آذار 2011 تاريخ انطلاق الحناجر في المسجد العمري بدرعا البلد صادحة بكلمة الحق، الله أكبر.. الله أكبر.. محطمة جدار الخوف والرعب الذي حبس الشعب السوري خلفه نصف قرن في ظلمات فوقها ظلمات من الظلم والقهر وسلب الكرامة وسياسة القطيع والاستبداد.
بعد عامين تماماً وفي الثامن عشر من آذار 2013 نجح الائتلاف الوطني
 لقوى الثورة والمعارضة السورية في تشكيل أول حكومة مؤقتة برئاسة 
الأستاذ غسان هيتو رجل الأعمال الدمشقي الذي يحمل
الجنسية الأمريكية، خرج من سوريا نتيجة القمع الذي تعرض له من قبل سلطات الاستبداد في بداية الثمانينيات من القرن الماضي. 
ترك هيتو أعماله في أمريكا منذ اندلاع ثورة الكرامة ضد نظام الاستبداد، ونشط في خدمة الثورة التي طالما انتظرها حيث عمل في المجالين الإنساني والسياسي، وقد شارك في تأسيس "تحالف سوريا الحرة" و"هيئة شام الإغاثية" في الولايات المتحدة.
لدى انتخابه رئيساً لأول حكومة سورية مؤقتة منذ اندلاع الثورة السورية، بدأ غسان هيتو والذي تميز بالعمل التكنوقراطي ببناء فريق من الشباب الفاعلين والثوريين والاختصاصين وعمل على إعداد الدراسات والخطط الإستراتيجية، فبدأ بجمع عدد كبير من السير الذاتية من أصحاب الكفاءات السورية المهمة والتي بلغت 1071 سيرة ذاتية، واختار منها 12 وزيراً من الداخل السوري، إضافة إلى ثلاث هيئات مساندة لعمل الوزارات ولكل وزارة أو هيئة طاقم عمل يصل إلى ما معدله 55 اختصاصياً للانطلاق بعمل الحكومة التي وصفت بأنها حكومة خدمية.
كانت خطط هيتو تعتمد على العمل بشكل كامل من داخل الأراضي المحررة، فكلف فريقاً أمنياً باستطلاع المقرات الممكنة لعمل الحكومة المؤقتة، وقد حدد 34 مقراً لعمل الحكومة في عدة محافظات، وبدأ الاتصالات اللازمة مع الكتائب العاملة قرب هذه المقرات لتوفير الحماية اللازمة لها، وقد أبدى جميع من تواصل معهم تعاونهم واستعدادهم للقيام بما هو مطلوب للبدء بخدمة السوريين، كتوفير الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء ونظافة، وخدمات صحية وإعادة تأهيل البنى التحتية.
حددّ هيتو ستة مجالات عاجلة للحكومة السورية المؤقتة، لا تحتمل التأخير، على أن تنجز خلال فترة بسيطة، ويتم الانطلاق بعدها لتفعيل جميع مؤسسات الحكومة، وكانت المشاريع العاجلة هي:
1- المعابر الحدودية 
2- الخدمات العامة (كهرباء - ماء - صرف صحي - سد الفرات)
3- الجرحى والأوبئة
4- التعليم
5- المحاصيل الزراعية
6- النفط والغاز
وقد أبدى هيتو استعداده لعرض برنامج حكومته على الائتلاف للمصادقة عليه، ومن ثم بدء العمل في النصف الأول من شهر نيسان 2013، أي في أقل من شهر من تكليفه، ولكن تم تأخير هذا العرض وتعطيله أكثر من مرة من قبل أعضاء في الائتلاف والمجلس الوطني.
نتساءل هنا كسوريين، ألم يكن من المنطق دعم عمل حكومة هيتو، ومراقبة أدائها وخدماتها المقدمة للشعب السوري، وفي حال إخفاقها حجب الثقة عنها وتعيين بديل؟ أليست هذه هي القواعد الديمقراطية؟ لماذا أصر البعض على نسف المشروع وتعطيله؟
في شهر آذار 2013 لم يكن هناك داعش ولا غيرها، وكانت المناطق المحررة بحاجة إلى تنظيم وخدمات وملء فراغ قانوني وخدمي، وكانت الظروف مهيأة لحكومة هيتو للعمل. ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، تم ملء الفراغ من آخرين جميعنا يعلمهم، ويتحمل المسؤولية عن ذلك المعطلين وسيكشف التاريخ أموراً صادمة في هذا الإطار لا مجال لذكرها الآن ولكن لكل سوري الحق بفتحها والمساءلة بها في سوريا المستقبل.
لا نستطيع لوم التدخل الدولي والإقليمي في موت حلم إقامة أول حكومة سورية بعد الثورة، فللدول مصالحها التي قد لا تتناسب مع أخلاقيات أو أماني المظلومين، ولكن نلوم من عطلها ووقف ضدها من السوريين، وأذكر بالتخصيص هنا زيارة أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني والذين هم أيضاً أعضاء في الائتلاف في شهر أيار 2013 إلى إحدى الدول الشقيقة والعودة بعدها للعمل بأسلوب "مختلف". ونحيل هنا هذه الزيارة لسورية المستقبل للوقوف على ما جرى فيها، فقد أزكمت نتائجها الأنوف، تم ذكر بعضها من قبل أحد أعضاء الوفد الزائر خلال اجتماع الأمانة العام للمجلس الوطني في 27 شباط 2014، وما زال هناك الكثير للمساءلة به.
علم الأستاذ غسان بالمؤامرة التي تنسج للشعب السوري ولمستقبل البلاد، وأدرك أنه في قرار تنحيه سيبقى محافظاً على مسار الثورة ويبتعد عن أن يكون مُسيراً وتابعاً ،حينها تنحى في الثامن من تموز 2013 لكي لا يشكل أي عقبة أمام الثورة أو مؤسساتها، وقال في تصريح مقتضب حينئذ عن سبب تنحيه: "حرصاً على المصلحة العامة للثورة السورية، وعلى توفير كل أسباب الوحدة في أوساط المعارضة بشكل عام، وتحديداً في صفوف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وللمساهمة في الخروج من حالة الاستقطاب السياسي، وفتح المجال للقيادة الجديدة للائتلاف للقيام بمسؤولياتها وفق رؤيتها السياسية، خاصة في ما يتعلق بالحكومة المؤقتة، أعلن اعتذاري عن متابعة مهامي كرئيس مكلف للحكومة المؤقتة". وأكد هيتو استمراره "في العمل لما فيه مصلحة الثورة وتحقيق أهدافها بجميع الوسائل الممكنة".
ماذا "لو" قدر لحكومة هيتو العمل؟، لربما كان وضعنا الآن مختلفاً، لا سامح الله المعطلين.
سلّم هيتو جميع دراساته ومشاريعه التي أعدها أثناء تكليفه برئاسة الحكومة إلى رئيس الحكومة الجديد الدكتور أحمد طعمة متمنياً له السداد والتوفيق، ولكن الظروف قد تغيرت، وما كان متاحاً لعمل حكومة "هيتو" لم يعد متاًحا الآن لحكومة "الطعمة"، فالطبيعة لا تقبل الفراغ.

(135)    هل أعجبتك المقالة (131)

قرفان

2014-03-19

يشهد الله أن السيد غسان هيتو من الناس الشرفاء القلائل في هذه الثورة السورية وأن حكومته كانت حكومة تكنوقراط تماما راعى فيها وبالدرجة الأولى الاختصاص والكفاءة المهنية ولأنه كذلك تمت محاربته وتم تعطيل حكومته.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي