"فــضــــاءٌ لــعبـق الـــرّوح" عنوان للقاء شعري وموسيقي أقامه (الـمـنـتـدى الـثـقـافـي الـسـوري -الـمـتـوسـطـي) في قاعة "الدار" توبهانة -استنبول منذ أيام، ويأتي هذا اللقاء ليعيد للروح السورية المشروخة عبقها وليرمم خراب الذات في خطوة تعيد عجلة الحراك الثقافي السوي إلى الدوران بعد ثلاث سنوات من الجمود والركود من خلال أدباء ومثقفي اللجوء (في وقت تنشر فيه الظلامية مواتها في قلب السوريين) كما يقول الكاتبُ والشاعر السوري "عبد الرحمن مطر" مدير مركز الدراسات المتوسطية ومؤسس المنتدى الثقافي السوري المتوسطي لـ "زمان الوصل" وحول فكرة المنتدى وأوجه نشاطه يضيف قائلاً:
تقوم فكرة إنشاء المنتدى، بكل بساطة على إبراز الجوانب الإبداعية في الحياة الثقافية السورية اليوم، حيث ينتشر المثقفون السوريون في جنبات الأرض سادة للتشرد والإبداع معا، وذلك عبر إقامة الأنشطة الثقافية المتنوعة كالأمسيات الأدبية، والفنية، الموسيقى والفنون، وإقامة معارض في التشكيل والتصوير .. وغيرها.
ويُعنى المنتدى بدعم الإبداعات الجديدة والناشئة عبر تقديم فرص التواصل مع الجمهور وتمكينها من المبادرة والفعل الثقافي في الحياة السورية. إضاقة إلى استضافة المبدعين السوريين على اختلاف مشاربهم. ونسعى ان يشكل هذا المنتدى بهويته السورية –المتوسطية إطار تواصل مع الثقافات الأخرى ومنتجيها، وخاصة المتوسطية.
نافذة مشرعة على المدى!
وعن فكرة اللقاء الشعري الموسيقي (فضاء لعبق الروح) يضيف مطر:
بعد ثلاثة أعوام على انطلاقة الثورة السورية، جرى فيها الابتعاد عن الحراك الثقافي السوري، وهو أمر طبيعي ناجم عن التطورات الدراماتيكية التي يعيشها المجتمع السوري، جرّاء فداحة الإجرام الذي ووجهت به ثورة الحرية والكرامة، لقمعها ووأدها، في وقت مبكر. ولاحقاً انشغلت مكونات المجتمع السوري بقضايا الثورة المباشرة والمتصلة بأشكال وأساليب النضال اليومي بالتعبير عن الغاية والهدف الأسمى، عبر التجمع والتظاهر والعمل الإعلامي، ثم العمل الإغاثي والعسكري، شكل فيه المثقف السوري قصوراً حقيقياً ومؤثراً في إطلاق عملية التغيير الاجتماعي والسياسي عبر الانخراط في سياقات الفعل الثوري. بقي المثقف موجوداً هنا وهناك، لم يغب، لكنه لم يستطع مواكبة الثورة، فغابت قدرته في التأثير على المجريات الوطنية، داخل الثورة، وانكفأ لاحقاً قبل أن تهمش دوره مؤسسات المعارضة السورية السياسية والعسكرية، مع تعرّض المجتمع المدني لانتكاسة قاصمة.
في الوقت ذاته تناهبت السوري النازح واللاجئ الهارب من الموت والدمار، ومن بطش الاستبداد الذي تعددت مصادره في سوري، تناهبته أحوال التشرد والضياع، وصار بلا وتد يستند إليه ولا خيمة وطنية يستظل بها..من هنا جاءت فكرة إنشاء هذا المنتدى الذي أردنا له أن يكون نافذة مشرعة على المدى.. تطلّ منها الروح السورية وثّابة لاستعادة حيويتها الثقافية وألقها الإنساني الحضاري، في وقت تنشر فيها الظلامية مواتها في قلب السوريين.
وحول فكرة المنتدى الثقافي السوري المتوسطي يضيف الكاتب مطر: جاء هذا المنتدى ليكون نافذة لمسارب النور، ورائداً في معبد الشمس ومحراب الحروف ولحنها الأبدي الأثير..وقد أعلن عن تأسيس هذا المنتدى في أيار/مايو 2013 في اسطنبول خلال إحدى الندوات التي أقمناها، ولم نتمكن من إطلاقه كمشروع ثقافي لعمل المجمع المدني السوري، إلاّ مؤخراً نتيجة غياب الدعم..أي دعم !
فضاءات تبتعد عن قلق السياسة !
وحول كيفية اختيار المشاركين والأجواء التي سادت هذا النشاط عموماً يردف مطر قائلاً: اعتمدنا على المبدعين السوريين المتواجدين في اسطنبول، منهم شعراء معروفين بتجاربهم المميزة، ومنهم الشباب الذين يمتلكون موهبة يتأكد حضورها في الحياة الثقافية، لم تكن لدينا في البدء معايير جاهزة لاختيار المشاركين سوى أنهم "مبدعون سوريون" نوفر لهم أجواء حرّة للتعبير دون أي رقابة أو سطوة لأفكارٍ مسبقة ما..ثمة هاجس لدينا اليوم بشأن حرية التعبير حتى في داخل المعارضة السورية، ثقافياً لانعتبر أنفسنا جزءاً من استبدادها وتسلطها على الإبداع والتفكير.
بل نحن معنيون بإزالة كل الحواجز التي تعيق نشوء الإبداع ونمائه، كنا نتمنى مشاركة شعراء وكتاب وموسيقيين آخرين، منهم من تخلّف دونما إشعار، وآخرين آثروا المشاركة في أنشطة لاحقة.
غير أن الفضاء كان مفمعاً بألفة وحميمية جميلة، تعالى وخفت فيها صوت الشاعر تتناثر حروفه في وجوه الحضور، ورنّمت فيها الشفاه مع الموسيقى في عزف منفرد رافق الشعراء حيناً، أو مع المَغْنى أحايين أخرى، تفاعل الجمهور مع الحدث، فكان جزءاً منه، لا متفرجاً، وهذه خاصية هامة في العمل الثقافي.
كان الحضور نوعياً، متعدداً وشاملاً لأطياف ثقافية سورية وفلسطينية وأوروبية، فاق حضورها المستهدف ..والمتخيل. وهذه إشارة لعطش روحي مزمن في الروح إلى فضاءات تبتعد فيها عن قلق السياسة، وتقترب من قلق الروح الإنسانية.
وفيما إذا كان لازال يعتقد أن الكلمة عموماً من شعر ونثر وقصة ورواية وفكر لازالت قادرة على إحداث تغيير ما ، في ظل ما نراه من تخلي العالم عن الثورة السورية يقول عبد الرحمن مطر:
لايمكننا استعادة المبادرة اليوم إلا عبر الحضور الثقافي، ومالاشك فيه أن دور الكلمة حيوي وفاعل، بل ومحوري جوهري، أنّى كانت صورتها، هي الحامل المعرفي للثورة، وبغير اعتبارها والأخذ بدورها لايمكن لثورة ان تصل إلى أهدافها، ومانعيشه اليوم من فوضى يعود في اعتقادي إلى تهميش دور المثقفين السوريين الذين يتم إقصائهم بصورة ممنهجة عن مجالات الحراك الوطني اليوم، كانوا هدفا دائما للنظام، وهم اليوم في المواقع المتأخرة، إلى درجة ما ..بكل أسف.
معايير تمويل غير منظورة !
وحول إشكالية (المال السياسي) التي لا تزال تمثل هاجساً مؤرقاً للمشاريع والمؤسسات الفكرية والثقافية وهل واجهته هذه الإشكالية كمؤسس لمركز فكري وثقافي يضيف مطر: المال السياسي بقدر ما هو ظاهرة استشرت في مجالات الحياة العامة، بكل تاثيراتها الفعاّالة، هو اليوم المصدر الأساسي لكثير من المؤسسات والمنظمات والجمعيات العاملة في إطار المجتمع المدني السوري، وهو على علّته ومساوئه الكثيرة التي تنال من الثورة السورية وحراكها المدني، متاح لفريق دون آخر، لمجموعات عمل دون أخرى.. وفق معايير غير منظورة، كأسئلة لا نجد إجابات لها إلا في الإحالة ‘لى التكهنات التي تأخذ أوجهاً واحتمالات عديدة!
كثير من المشروعات تتلقى التمويل على خلفية سياسية – مناطقية – واحياناً طائفية ومذهبية، من مصادر تمويل أجنبية وعربية، وسورية، ولانجد نتائج لتلك المشروعات على الأرض، وفي معظمها مشروعات تدريب وإعلامية.. وغيرها، غير أن الدعم لايصل إلى أية مشروعات ثقافية وبحثية وجادة بكل أسف.
ومركز الدراسات المتوسطية، والمنتدى الثقافي، لم يتلّق –منذ انطلاق أنشطته قبل عام - أي دعم ، كمؤسسة معنية بالمجتمع المدني السوري، نقيم أنشطتنا من ورشات عمل وندوات وأمسيات بجهود فردية محدودة وضيقة، بدعم من بعض الأصدقاء، في مقدمتهم المشاركون بالأنشطة، وتنازل الباحثين عن حقوقهم المادية.
وعن تصوراته المستقبلية لتطوير المركز والمنتدى على حد سواء يقول مؤسسهما:
طموحاتنا المستقبلية تتجه نحو تعزيز دور مركز الدراسات المتوسطية في المرحلة المقبلة، في ضوء بروز الحاجة إلى وجود مراكز بحثية تهتم بالدراسات والبحوث حول الحالة السورية الخصبة، ما نحن فيه اليوم من أداء سياسي وثقافي متردٍّ في الحقيقة يعود لإهمال المعارضة السورية لجانب الدراسات والبحوث. ثمة مراكز لايتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، بل أقلّ من ذلك. وهذا مقلق جداً. مايتصل بالمنتدى الثقافي السوري المتوسطي، نسعى للدفع قدماً به كمشروع ثقافي وطني، لن يكون منحصراً في مكان معين، بل حيث يتواجد السوريون، من المدن الى المخيمات إلى أماكن اللجوء والشتات، نطمح أن يكون فضاء للتواصل بين السوريين أنفسهم، وجسراً للتبادل الثقافي والمعرفي مع الآخرين.
لدينا أنشطة جديدة سنعلن عنها لاحقاً، تتضمن توقيع كتاب وإقامة معرض للفنون التشكيلة، خلال الفترة القريبة.
لي أن اقدم شكري للمبدع الصديق مازن ربيع الذي أتاح لنا إطلاق المنتدى، عبر مؤسسته الفلسطينية الجديدة "الدار" في اسطنبول. وكذلك لـ "زمان الوصل" على اهتمامها بإبراز الجوانب الثقافية من حياة السوريين.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية