هي أيام وتهب رياح السموم من جديد على منطقتنا. وهي الرياح التي تعصف بالمنطقة كلما جاء إليها بوش أو أحد رسله المشؤومين، وفي طليعتهم وزيرة خارجيته كونداليزا رايس. غير أن زيارة بوش المرتقبة هي الأخطر، ذلك أن هذا الرئيس الذي لم يعرف العالم في عهده إلا الحروب والدمار والغطرسة، قادم إلى بلادنا لينهي عصره الملعون بهدية مميزة لإسرائيل التي قدم لها خلال السنوات الثمانية التي مرت ما لم يقدمه أحد لها، ليس من باب التزلف السياسي فحسب، بل من باب العقيدة التي يؤمن بها بوش وأسرته، والتي ترى في إسرائيل وعد الرب، ولذلك فإن الأيام القادمة ستكون حبلى بعطايا بوش الذي سيحاول أن يغرقنا نحن بجملة من الوعود التي لن يتحقق منها شيء، سوى تضييع المزيد من الوقت وإغراقنا بالمزيد من الخلافات بعكس عطاياه لإسرائيل التي يؤمن بأنها يجب أن تكون دولة يهودية خالصة، وأن من حقها أن ترتكب كل الجرائم لأن ذلك من وجهة نظر الرئيس الأمريكي دفاع عن النفس. حتى وإن أقدمت إسرائيل على تدمير البنية التحتية المدنية كاملة لأية دولة من دول المنطقة، كما فعلت في لبنان. أو قتلت حتى الأطفال الرضع كما فعلت في بيت لاهيا وبيت حانون وفي كل أرض فلسطين وما حولها.
ويزيد من خطورة زيارة بوش أنها تأتي مشاركة منه للإسرائيليين بالذكرى الستين لاغتصابهم لفلسطين، وإقامة كيانهم الدخيل على أرضها. وهي زيارة ذات دلالة عميقة تؤشر على حجم الدعم الذي يقدمه بوش لهذا الكيان، وعلى مدى تعلقه به، وسعيه لتقويته على حساب الآخرين، وفي الطليعة من هؤلاء الأردن بحكم الجوار وبحكم التشابك السكاني ولأسباب كثيرة سبق وإن أشرنا إلى بعضها وستكشف الأيام عن المزيد منها.
ولأن بوش لا يحمل للمنطقة خيراً فإدارته صاحبة نظرية الفوضى الخلاقة، وإدارته هي التي احتلت العراق ودمرته، وإدارته هي التي شاركت إسرائيل في عدوانها على لبنان في تموز2006، وإدارته هي صاحبة مخطط تقسيم بلادنا إلى المزيد من الدويلات فالأخبار تقول إنها وضعت خطة لرفع عدد الدول العربية من خلال تجزئة بعضها إلى 72 دولة، وإدارته هي صاحبة نظرية استبدال العداء العربي لإسرائيل بعداء عربي - عربي عبر تقسيم العرب إلى فريقين معتدل ومتشدد، وإلى استبدال العداء العربي الإسرائيلي بالعداء العربي الإيراني، لذلك كله علينا أن ننتبه إلى المرحلة التي ستعقب انتهاء زيارة بوش، وأن نستعد لمواجهتها. وأول سبيل ذلك ترسيخ وحدتنا الوطنية عبر بناء مجتمع العدل والكفاية الذي يشعر فيه الناس كافة أنهم متساوون بالحقوق والواجبات، كما نص على ذلك دستورنا الذي نلح على ضرورة التمسك به وتطبيقه. وأن تتولى كل سلطة من سلطاتنا الدستورية مسؤوليتها الحقيقية. فلا يتغول بعضها على بعضها الآخر. ولا يتم شطب بعضها لحساب مراكز تعمل خارج إطار الدستور. ولا يتم تهميش صلاحيات ومسؤوليات سلطة من السلطات؛ فدولة القانون والدستور هي دولة العدل والكفاية اللذان يرسخان وحدتنا الوطنية، ويذكيان روح الوطن والمواطنة في النفوس، ونحن أشد ما نكون حاجة إلى هذه الروح لنحمي وطننا وإنجازاتنا التي تعب الآباء والأجداد لتوريثها لنا ومن العار أن نفرط بها. وحتى لا يتم التفريط بمنجزات الوطن علينا أن ننتبه كثيراً إلى تمدد بعض الذين يرون في وطننا مجرد محطة عبور او منطقة استثمارية يحققون منها ربحاً سريعاً، وهذا يستدعي منا أولاً أن نعيد قراءة مفهوم الوطن والمواطنة عند البعض وشروط الجنسية والتجنيس في قوانينا،وقبل هذا كله فإن علينا أن نعيد النظر في مضامين التربية الوطنية المعمول بها في بلدنا.
وفي حديثنا عن مجتمع العدل والكفاية كوسيلة من وسائل ترسيخ الوحدة الوطنية نحب أن نشير إلى أن الكفاية تعني أن نحمي الوطن من غول الفقر والجوع، الذي صار يفتك بشرائح واسعة من أبناء وطننا، وقد قلنا غير مرة أن بعض أسباب هذا الفقر المولد للجوع ليست بريئة وأن من بين أهدافها إلهاء الناس بتأمين لقمة العيش عن القضايا الكبرى، فيخسرون قضاياهم الكبرى، بعد أن كانوا قد خسروا لقمة عيشهم، وخسروا معها مناعتهم الاجتماعية، وحصانتهم الأخلاقية والسياسية والاقتصادية؛ ففي المجتمعات الجائعة والمنهارة أخلاقياً والساقطة اجتماعياً تكثر عمليات شراء الذمم، والاختراقات السياسية والأمنية، وهو خطر يجب أن ننتبه له، مثلما يجب أن نؤجل خلافاتنا الثانوية لنلتف حول وطننا ومؤسساتنا لنحميها، فإذا كان من الجائز أن نختلف على الوطن وكيفية إدارته وتسيير أموره، فإنه ليس من الجائز أن نختلف مع الوطن فيكون هذا الاختلاف سبباً لاختراق الوطن وضياعه.
وإذا كانت وحدتنا الوطنية ضرورية لحماية بلدنا فإن عمقنا العربي، وخاصة مع سوريا التي نشكل معها في بلاد الشام وحدة واحدة جغرافياً وسكانياً هو الآخر ضروري، فلقد أكلنا يوم أكل الثور الأبيض، وصارت فرقتنا كأمة من أهم أسباب استباحة أوطاننا وأعراضنا ونجاح أعدائنا في تنفيذ مخططاتهم التي يأتي بوش وهو يحمل المزيد منها، ولذلك علينا أن ننتبه ونفكر طويلاً في كيفية حماية أمتنا وبلدنا من هذه المخططات ومخاطرها.
زيارة بوش... كيف نحمي بلدنا من مخاطرها؟

بلال حسن التل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية